الترجمة في «زايد للكتاب» احتفاء بنقل المعارف والآداب
في عصور تاريخية متتالية، لعبت الترجمة دوراً فاعلاً في التواصل بين الأمم والشعوب والثقافات والآداب، وكان للعرب في عصورهم الإسلامية الزاهية دورهم الخلاق في نقل المعارف والعلوم والآداب والفلسفات من اللغات الحية إلى اللغة العربية، بل ولهم السبق في تأسيس دور للترجمة ابتداء من العصر العباسي الأول في نهاية القرن الثاني الهجري.
لهذا، أولت جائزة الشيخ زايد للكتاب عناية بالترجمة، كونها تمثل الأداة الإبداعية في نقل المعارف والثقافات والعلوم والآداب إلى الشعوب المختلفة. فجاء فرع الترجمة كجائزة «تقديرية تشمل المؤلَّفات المترجمة مباشرة عن لغاتها الأصلية من اللغة العربية وإليها، بشرط التزامها بأمانة النقل، ودقَّة اللغة، والجودة الفنية، وأن تضيف جديداً للمعرفة الإنسانية، وللتواصل الثقافي».
وخلال السنوات السبع الماضية، تلقَّت الجائزة مئات الترشيحات في هذا الفرع، شارك فيها مترجمون من مختلف دول العالم بترجمات عن لغات عدة، لعل أهمها الإنجليزية، والفرنسية، فضلاً عن لغات أخرى. وفاز في دورة العام الأول 2006 – 2007 الدكتور جورج زيناتي من لبنان عن ترجمته لكتاب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (الذات عينها كآخر)، الصادر عن المنظمة العربية للترجمة في بيروت عام 2005، وهو كتاب يمثل تتويجاً لفلسفة بول ريكور بذل مترجمه إلى العربية جهداً نادراً في صياغة الجُملة الفلسفية، واختيار المفردة المصطلحية المناسبة صياغة رشيقة، حافظ من خلالها على روح المعنى الذي يقصده ريكور في نصِّه الفلسفي العميق (الذات عينها كآخر)، ناهيك عن رفد المتن المترجم عن الفرنسية بثبت تعريفي ضم نحو 10 مصطلحات أساسية خاصة بفلسفة ريكور، وضم أيضاً ثبتاً باللغتين العربية والفرنسية لنحو 300 من المصطلحات التي وردت في المتن الفلسفي. وفي دورة العام الثاني 2007 – 2008، فاز الدكتور فايز الصياّغ من الأردن عن ترجمته لكتاب عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غدنز (علم الاجتماع)، الصادر عن المنظمة العربية للترجمة في بيروت عام 2005، وهو كتاب ضخم جاء بأكثر من 800 صفحة من القطع الكبير، غالباً ما تعود إليه الأوساط الأكاديمية بوصفه مرجاً للدارسين والباحثين في مجال العلوم الاجتماعية.
ويبدو جلياً أن مترجمه عن الإنجليزية إلى العربية بذل جهداً كبيراً في تقريب النص المترجم إلى القارئ العربي فامتاز بأمانة النقل، ودقة اللغة ووضوحها، وصياغة المصطلح المترجم بما يتناسب والمعجمية العربية الخاصة بعلم الاجتماع، حتى جاء الكتاب المترجم على درجة عالية من السبك اللغوي السلس بالنسبة للقارئ العربي. لقد حفل الكتاب بمسارد مصطلحية عدّة، وبثبت تعريفي لأكثر من 300 مصطلح وردت في المتن الأصلي، وقائمة بالمصادر والمراجع المعتمدة في الأصل الإنجليزي للكتاب.
وفي دورة العام الثالث 2008 – 2009، فاز الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح من مصر، عن ترجمته لكتاب الباحث الأميركي في علم الترجمة والأدب المقارن إدوين غينتسلر (في نظرية الترجمة: اتجاهات معاصرة)، الصادر عن المنظمة العربية للترجمة في بيروت عام 2007، والذي تابع نظرية الترجمة بدءاً من جذورها التقليدية حتى ما شهدتها من تكاثر وتشعب في الحقبة الأخيرة، وهو تشعب استمد وقوده المحرك من اتجاهات البحث في مجالات النظرية النسوية، وما بعد البنيوية، ودراسات ما بعد الاستعمار، يضع إدوين غينتسلر موضع الفحص خمساً من المقاربات الجديدة، هي: ورشة الترجمة، وعلم الترجمة، والدراسات الترجمية، ونظرية النسق المتعدِّد، والتقويضية، ويستكشف مواطن القوة والضعف في كل منهج.
وأبدى مترجم الكتاب عن الإنجليزية الدكتور سعد عبدالعزيز مصلوح، أستاذ اللغات في جامعة الكويت، حرصاً كبيراً على تقديم متن الكتاب الإنجليزي إلى العربية بلغة واضحة، مشفوعة بترجمة المصطلحات الأساسية فيه على نحو يقترب من دلالاتها التي قصدها مؤلِّف الكتاب إدوين غينتسلر، ولم يفته دعم المتن المترجَم بثبت تعريفي لجملة من المصطلحات التي اعتمدها المؤلِّف في فصول كتابه، وكذلك عزز المتن بأكثر من 300 مصطلح باللغتين العربية والإنجليزية، كما وأورد في خاتمة الكتاب مجموعة من المصادر والمراجع؛ العربية والإنجليزية، التي اعتمدها المؤلِّف، وكذلك الثبت الذي فهرس لأسماء الأعلام والمفاهيم اللسانية والبلاغية والفلسفية الواردة في الكتاب.
وفي دورة العام الرابع 2009 – 2010، فاز الدكتور ألبير حبيب مطلق من لبنان، عن ترجمته وإعداده لـ(موسوعة الحيوانات الشاملة)، الصادرة عن مكتبة لبنان - ناشرون في بيروت عام 2009. وتمثل هذه الموسوعة مرجعاً علمياً مبسَّطاً عن عالم الحيوان؛ إذ سلطت الأضواء على حياة الحيوانات من حيث تصنيفها وهياكلها العظمية، وكذلك من حيث أعضائها، وحواسها، وحركاتها، وطرق تواصلها، وطعامها، وإفرازاتها، وإنجابها وتكاثرها، وطبيعتها العدوانية والمسالمة، ومواطن ولادتها ونشأتها، وهجراتها، والآثار التي تتركها وراءها جراء ذلك، ووقف، إلى جانب ذلك، عند وصف أجسامها، وحركاتها الجسدية، وألوانها، وسمومها، ومجمل ما يرتبط بالحيوانات في العالم.
وجاء ذلك مدعماً بمئات الصور التوضيحية، ومئات التعريفات الخاصة بالحيوانات في مختلف أنواعها البرية والبحرية والبرمائية والطائرة والزاحفة، وغير ذلك، كما عزز المترجم موسوعته بفهارس لأهم المفردات والمصطلحات باللغتين العربية والإنجليزية التي وردت في متنها.
وفي دورة العام الخامس 2010 – 2011، فاز الدكتور محمد زياد يحيى كبة من سورية عن ترجمته لكتاب عالم المسقبليات الأميركي ألفين توفلر وزوجته هايدي توفلر (الثروة واقتصاد المعرفة)، الصادر عن منشورات (جامعة الملك سعود) في الرياض عام 2008. وهو كتاب يتناول اقتصاد المعرفة بوصفه قوة جديدة في المجتمعات المعاصرة، خصوصاً المتقدمة منها من خلال مجموعة من المفاهيم المركزية كمفهوم الثورة، وتنظيم الوقت، والتوسُّع في المدى، والوثوق بالمعرفة، والانحلال، والفقر، وغير ذلك من المفاهيم التي تدخل في سياق البحث في العلاقة بين الثروة والمعرفة في ضوء مفهومها الجديد اقتصاد المعرفة.
وما هو واضح أن نظريات اقتصاد المعرفة لها مفاهيمها المختلفة باختلاف رؤاها الفكرية، خصوصاً أن توفلر جاء بمفاهيم جديدة إلى عالم نظريات اقتصاد المعرفة، ولهذا، تبدو ترجمة الدكتور محمد زياد يحيى كبة أنها وقفت عند إشكالية المصطلح في هذه المعرفة الجديدة، وقدمت متن الكتاب المترجم بلغة سلسة قريبة من ذائقة القارئ العادي والمتخصص معاً. وعزَّز النص المترجم بنحو 400 هامش توضيحي، كما زود المترجم الكتاب بقائمة مصادر ومراجع، وذيَّلهُ بثبت للمصطلحات الواردة فيه باللغتين العربية والإنجليزية.
وفي دورة العام السادس 2011 – 2012، فاز الدكتور أبويعرب المرزوقي من تونس عن ترجمته لكتاب الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل (أفكار ممهِّدة لعلم الظاهريات الخالص والفلسفة الظاهرياتية)، الصادر عن دار جداول للنشر والتوزيع في بيروت عام 2011. وكان هذا الكتاب الأساسي في فلسفة القرن العشرين قد صدر في عام 1913، لكنه لم يجد ترجمة له إلى العربية إلا بعد نحو 100 عام، وهي الترجمة التي نهض بها الدكتور المرزوقي متحدياً صعوبات الإقبال على نقل نص كهذا من الألمانية إلى العربية، بكل ما فيه من استخدام معقد لمصطلحات فلسفية اختص بها هوسرل في مؤلَّفاته الفلسفية المتعدِّدة دون غيره من الفلاسفة حتى جاءت الترجمة العربية لهذا النص الفلسفي على درجة عالية من الاجتهاد والمغامرة الذكية، بل والدقة والوضوح والتروي. أما في دورة العام السابع 2012 – 2013، ففاز الدكتور فتحي المسكيني عن ترجمته لكتاب الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر (الكينونة والزمان)، والصادر عن دار الكتاب الجديد المتحدة في بيروت عام 2012. وكان كتاب هيدغر هذا قدر صدر في لغته الألمانية عام 1927، لكنه أيضاً لم يجد ترجمة إلى العربية إلا بعد خمسة وثمانية عاماً، وهي فترة طويلة قطع وتيرتها الدكتور المسكيني عندما أقبل مغامراً على نقل النص إلى العربية بعد الاشتغال عليه سنوات عدَّة، خرج منها بعمل ترجمي تأريخي في قيمته المعرفية والترجمية.
تجدر الإشارة إلى أن جائزة الشيخ زايد للكتاب أعلنت عن فتح باب الترشح للدورة الثامنة 2013 – 2014 منذ منتصف شهر مايو الماضي، وسيستمر حتى منتصف أكتوبر المقبل في استقبال الترشيحات بكل فروع الجائزة، ومنها فرع الترجمة.