ورحل الوديع صاحب الصوت الصافي

صورة

غيّب الموت، أول من أمس، المطرب اللبناني وديع الصافي، الذي يعد أحد عمالقة الموسيقى والطرب العربيين، عن عمر يناهز 92 عاماً، بعد صراع مع المرض، أصاب رئتين، لطالما تشبعتا بالهواء كي تساعد صاحبها على البوح الغنائي، عبر العشرات من الأعمال الخالدة في المكتبة العربية.

صاحب الأغنية الشهيرة «دار يا دار»، التي يتساءل في أحد مقاطعها: «راحوا فين حبايب الدار»، ترجل بعد أن بدأ مشواره الفني الحقيقي منذ عام 1938.

الصافي الذي يعد قامة غنائية، يمثل رحيله بالفعل طياً لسجل حضور قائمة من الكبار، ربما كان هو آخرها، بعد أن عاصر وتعاون مع محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش من «جيل العمالقة». ورغم دخوله في معاناة شديدة مع المرض فإن الصافي الذي تذهب المخيلة أيضاً إلى إحيائه لمهرجانات بعلبك في أجواء فلكلورية محضة، لم يتخل عن زياراته المتكررة لدبي، التي جمعته في بعضها مع «الإمارات اليوم»، كان فيها مثالاً للقامات الكبرى حينما يتواضع أهلها، بل إن كواليس أحد البرامج الحوارية التي قدمها مواطنه طوني خليفة، في برنامج «هذا أنا» الذي كانت تعرضه عام 2007 قناة نجوم الإماراتية تفصح بالصورة، كيف أن «الكبير» لا يصيبه غرور آخرين يظنون أنفسهم «كباراً».

الصافي الذي كان لا يغادر مكاناً إلا بقلب «صاف»، يلبي رغبة الجميع لالتقاط صور تذكارية معه، رغم إلحاح المرض، كان أيضاً كتاباً مفتوحاً أمام محاوريه، سواء عدسات الكاميرات أو خلفها، متحدثاً بشفافية وتلقائية تأبى أن تقف أمام من يستغلون تلك التلقائية لتحقيق مصلحة ذاتية، عبر مواقف نبيلة عنوانها «الصفح» دائماً.

الراحل الذي يحمل تشريفاً بخلاف جنسيته اللبنانية الأصلية الجنسية المصرية، مقولته الأثيرة التي يرددها دائماً، تنم عن وطنيته الخالصة، وهي «ما أعز من الولد إلا البلد»، إذا كان قد قدر له في أواخر السبعينات من القرن الماضي اتخاذ قرار الهجرة إلى باريس، بعد أن استقر قبلها في القاهرة ولندن، اعتراضاً على اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، فإنه قدر له أيضاً أن يرحل في ظل أوضاع أمنية وسياسية شديدة التعقيد، ليس في موطنه فقط، بل في عدد من بلدان الوطن العربي الكبير.

ويعد الصافي من أكثر الفنانين اللبنانيين حظياً بالتكريم، إذ كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية، وحمل أكثر من وسام استحقاق منها ستة أوسمة لبنانية، منها وسام الأرز برتبة فارس. كما منحته جامعة «الروح القدس» دكتوراه فخرية في الموسيقى في عام 1991. كما أحيا الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية، خصوصاً في أوروبا وأميركا اللاتينية. ولعل ما لا يعرفه كثيرون أن الصافي هو لقب وليس الاسم الحقيقي للفنان، وهو وديع فرنسيس، الذي ولد في عام 1921 في قرية نيحا الشوف اللبنانية، وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد.

وبدأت مسيرة الصافي الفنية عام 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناءً وعزفاً، من بين 40 متبارياً، في مباراة للإذاعة اللبنانية، أيام الانتداب الفرنسي. واختارت اللجنة الفاحصة آنذاك، اسم «وديع الصافي» اسماً فنياً له، نظراً لـ«صفاء صوته».

ورغم البداية المبكرة إلا أن وعيه الفني جعله ينحاز لتكوين ملامح خاصة للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على موضوعات لبنانية وحياتية ومعيشية. وذاع صيته عام 1950، وأصبح أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية، بعد أن أضاف إلى أغانيه موّال الـ«عتابا» الذي أظهر قدراته الفنية.

ورغم ذيوع صوته المبكر إلا أن لقاءه بموسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب قد تأجل إلى الخمسينات، لكن عبدالوهاب أعجب بقوة صوته ليلقب بعدها بـ«صاحب الحنجرة الذهبية»، بل إن البعض أطلق اسمه على أسلوبه في الغناء الذي حاول آخرون استلهامه، في ظل ما عُرف بـ«المدرسة الصافية» في الطرب اللبناني.

تويتر