«الرحلة».. خشب محفور بالذكريات
يلاحق الفنان المصري أيمن السمري الزمان ويقتفي أثره، من خلال الخشب المعتق الذي اختاره مادة أساسية لأعماله الفنية في معرضه الذي افتتح أخيراً في غاليري ورد في دبي، تحت عنوان «الرحلة». يبدأ السمري رحلته من خلال انتقاله عبر الأمكنة والأزمنة لتجميع الخشب، ومن ثم اعادة رسم حياة جديدة له عبر الحفر واللون. هذه المادة التي اختارها السمري لرحلته الفنية تعتبر الشاهد على كثير من الذكريات فهي معتقة بالحكايات التي يتركها الناس في منازلهم وعلى الجدران التي يدخل الخشب بشكل أساسي في تدعيم سقوفها.
تاريخ وحداثة انتقى الخشب كمادة أساسية لتقديمها في دبي، وهو معرضه الأول في هذه الإمارة، لأنه يرى أنه شديد التعبير عن الحضارة والأصالة، بينما تعد دبي رمزاً للمعاصرة، ما جعله يجاورهما ضمن فكرة واحدة، فهي عملية بمثابة الجمع بين التاريخ المصري والحداثة التي حققتها دبي. رموز وعمليات حسابية تحرض أعمال السمري المتلقي على محاولة فهم الكتابات أو التمعن في الأشكال التي يحفرها بأحجام صغيرة جداً، فهي تحمل الكثير من الرموز والعمليات الحسابية، ووحدها القوارب التي أدخلها باللون الذهبي كانت واضحة المعالم بالرغم من الأشكال المتباينة. غاليري ورد يشكل غاليري ورد الذي افتتح في دبي من خلال معرض أيمن السمري امتداداً للغاليري نفسه الذي أسس في القاهرة عام 2010. ويحرص هذا الغاليري على تقديم أنواع متباينة من الفن في الشرق الأوسط محلياً وعالمياً. ويهدف إلى التركيز على الفن المصري المعاصر، لذا يقدم أعمالاً منتقاة لمجموعة من الفنانين المصريين. |
يلملم السمري الخشب الذي يعمل عليه من المناطق الريفية، فيجمع الأخشاب التي استخدمت في تشييد المنازل، والتي غالبا ما تكون قد طليت أكثر من مرة وبأكثر من لون. ويترك هذه العلامات التي تركتها السنين على الخشب، ويتعامل معه بالكثير من الحرص، فلا يمحو الآثار المتراكمة، لا بل ان عملية الكشط أو التخشين أو حتى خدش الخشب وتجويفه كلها تكون حساسة جداً وتابعة للجمال البصري بشكل أساسي، وبعيدة عن التشويه. هذه العودة إلى الخشب تجعلنا ندرك انتماء الفنان إلى جذوره الريفية، فهو ابن البلدة الريفية كفر الشيخ، وأعماله شديدة الانتماء إلى هذه البيئة.
يعيدنا السمري الذي قدم في معرضه الذي يستمر حتى 21 نوفمبر أكثر من 12 عملاً، إلى عصر الفراعنة عبر النقوش التي يحفرها على الخشب، والتي معظمها مستمدة من الكتابات التي وجدت على جدران الكهوف والمعابد والقبور في مراحل تاريخية قديمة. وهذا الانتماء إلى العصر القديم يجعل أعماله في رحلة بين الماضي والحاضر، هي رحلة تجعل الأعمال تعانق الحداثة وتلامس التاريخ. أما التعمق في تحليل النقوش والكتابات أو الرسومات التي يحفرها على الجدران الخشبية والتي تجعل فنه أقرب إلى الحرف اليدوية، فيوضح مدى تعلق السمري بالمادة التي انتقاها لرحلته، فهو يتبع الخشب، ويبدو كأنه يستأذنه قبل أن يضع أي مادة أخرى عليه.
وتحرض اعمال السمري المتلقي على محاولة فهم الكتابات أو التمعن في الأشكال التي يحفرها بأحجام صغيرة جداً، فهي تحمل الكثير من الرموز والعمليات الحسابية، ووحدها القوارب التي أدخلها باللون الذهبي كانت واضحة المعالم بالرغم من الأشكال المتباينة وغير المعهودة التي حملتها. هذا القارب يرتبط أيضاً بالرحلة، فالقارب مصنوع من الخشب، وكذلك يطوف البحر بهدف الترحال، بينما التسلسل في الحالات الخاصة بكل قارب عبر الرحلات يجعلنا نمعن النظر في توجه الرحلة وحالتها. في المقابل، نجد ان الكثير من اللوحات تحمل العمق في الشكل من خلال الازدواجية في ألواح الخشب التي رتبت ضمن طبقتين فوق بعضهما بعضاً#، ما يجعل الثقوب التي يحدثها السمري في الطبقة الأولى تطرح لدى المتلقي اسئلة حول الماورائيات وأعماق الأشياء وما يخفيه الظلام.
وقال السمري لـ«الإمارات اليوم»، إن «بحثي في تاريخ الفن جعلني أجد أنواعاً مختلفة من المراكب، هذه الوسيلة التي تدلل على الاحتكاك مع الآخر دون أن تكون الحدود الجغرافية مانعة لذلك». ولفت إلى أن درجات اللون التي تأتي عبر الزمن تكون متميزة، والخشب جزء من المنظومة القديمة للحياة والتاريخ، ولذلك لم يكن العمل عليه سهلاً على الاطلاق، لذا كان لا بد من ان يقدم ما يقبله الخشب. وشدد السمري على أن الخشب لم يقبل منه الا اللون الذهبي والحفر والثقب. أما شغفه في اللون المعتق عبر التاريخ جعله يبحر في التجريب في مزج الألوان والمواد، ليحصل على لون خاص يمنحه أثر الزمن على الكانفاس والخشب. واعتبر السمري أن أهم ما يعنيه هو أن يضيف في الفن لا ان يعتمد على تجارب الذين سبقوه ويقف موقف المقلد.
ولفت السمري إلى أن تعاطيه مع الخامات ليس ثابتاً، ولكنه اختار الخشب لهذا المعرض لأنه يتناسب مع فكرة الترحال. واعتبر أن الماضي من الأمور التي لا يمكن استسهال تركها أو عدم التوقف عندها، مبيناً أن الماضي هو تاريخ الانسان وحضارته، ولهذا هو جزء أساسي من البصمة الخاصة لكل فنان. وقد انتقى الخشب كمادة أساسية لتقديمها في دبي، وهو معرضه الأول في هذه الامارة، لأنه يرى أنه شديد التعبير عن الحضارة والأصالة، بينما تعد دبي رمزاً للمعاصرة، ما جعله يجاورهما ضمن فكرة واحدة، فهي عملية بمثابة الجمع بين التاريخ المصري والحداثة التي حققتها دبي.