خـلف الحــبتور: ثـروة الإنســان الحقيقية في الصحة وليست في المــال
«قصة نجاحه في عالم المال والأعمال تحاكي قصة نجاح دبي التي ولد وترعرع فيها، هذه المدينة التي تحولت على نحو يشبه المعجزة من قرية صغيرة صحراوية خالية من الشوارع إلى مدينة عصرية مستقبلية صاعدة يطمح كثيرون إلى العيش فيها، وهو كذلك انتقل من حياة الجوع والفقر والحاجة، إلى عالم الثراء والمال وحياة المشاهير، ماراً بحياة ملؤها الكفاح والإصرار وتحدي الصعوبات»..
هذا ما يؤكده رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور عندما يروي سيرة حياته، حيث يقول: «لم أكن أتوقع أنني سأصبح يوماً في موقع أستطيع معه أن ألبّي احتياجات عائلتي وأجعلها مكتفية تماماً، وأكثر من ذلك لم أتخيل أنه سيتسنى لي أن أقدّم يد العون إلى الأقل حظوة في بلدي وخارجها، ففي خمسينات القرن الـ20 لم يعفِني الجوع من قبضته، فعرفت معناه كسائر أطفال دبي، ورزح جيلنا والأجيال التي سبقتنا تحت وطأة ظروف مادية صعبة جداً».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي الضغط علي هذا الرابط.. |
ويضيف الحبتور عن ذكريات قصة نجاحه: «إنها قصة عبور من الفقر إلى الثراء، لا أنكر أنني في الماضي ركبت الجمال والحمير، لكنني اليوم استقل سيارتي (البنتلي)، وأسافر على متن طائرة خاصة، ومع ذلك أعلم أن ثروة الإنسان الحقيقية لا تقاس بالمال الذي يملكه، بل تكمن في نعمة الصحة الجسدية والعقلية، وقوة الشخصية، واللطف والكرم، والراحة في العلاقات العائلية الوطيدة، والقدرة على استيعاب الأمور».
ويواصل: «مازلت، رغم الثروة التي أملكها، الإنسان نفسه الذي كان يتقاضى 250 روبية في الشهر، لم تتغير شخصيتي، أو الأشياء التي أحبها أو أكرهها، حتى إنني مازلت أتصرف وأمشي بالطريقة عينها، أعتبر الثروة المالية نعمة زيّن الله بها حياتي، وأحمده عليها كل يوم. وفي كل صباح يمثل الفجر لي بداية جديدة ومشوقة ويضج رأسي بالخطط والمشروعات التي أريد تنفيذها، وطموحاتي الكثيرة لم تتحقق بعد».
وعن مراحل طفولته الأولى، يقول خلف الحبتور: «ولدت في عام 1949، وحين كنت طفلاً كنت أرى (البرستي) التقليدي الذي عشنا فيه قصراً كبيراً، لكنه في الواقع كان صغيراً جداً ويعج بثلاثة راشدين، وطفل حديث الولادة، وأنا الصبي الصغير، أما الأثاث فكان عبارة عن سرير واحد لم ينم عليه أحد يوماً، لأننا كنا نفضل الاستلقاء على البطانيات أو الفرشات الرقيقة التي كنا نعيد طيّها وترتيبها صباح كل يوم على السرير، أما المفروشات الأخرى في المنزل فتألفت من سجادة من الصوف مصنوعة يدوياً، ووسائد كنا نتكئ عليها لنتبادل الأحاديث، وصينية مستديرة نجتمع حولها لتناول الطعام بأيدينا، كما جرت العادة، لم تكن هناك نوافذ في منزلنا فلم نكن بحاجة إليها، فالفتحات بين سعف النخيل أدخلت علينا ما يكفي من الشمس والهواء. وفي ليالي الشتاء الباردة، كان أبي يشعل الفحم في وعاء فخاري، وأحياناً كانت رياح الشمال العاتية تدفع بأمواج عالية نحو اليابسة، فيطوف بنا منزلنا، ونتبلل من رأسنا حتى أخمص قدمينا، وعندما تهب العواصف الرملية، كنا نرفع (غترتنا) حتى تغطي أنوفنا وأفواهنا، ونقبع مكاننا لا حول لنا ولا قوة، نشاهد الرمال تغرق مقتنياتنا بطبقاتها الصفراء. أما في فصل الصيف، فلم يألُ والدي جهداً في توفير أسلوب التبريد الرائج آنذاك، لذا عمد إلى إحداث فتحة في سقف (البرستي) تعرف بـ(البارجيل) لتوجيه الهواء البارد إلى أسفل»، موضحاً أنه حين يقارن الأمس باليوم يشعر بحجم الدلال والرفاهية التي يمر بها الناس اليوم، حيث يأبون إلا أن يملأوا براداتهم بقوارير المياه الغازية من نوع «بيريه» و«فولفيك» المستخرجة من جوف الواحات البركانية الفرنسية الخضراء، واستطرد الحبتور قائلاً: «تنتابني رغبة جامحة بالضحك، حين أفكر في مدى هوَسي بصحتي الآن»!
ولفت خلف الحبتور إلى أن «الكثير يصعب عليه التفكير في حجم السعادة التي كان ينعم بها الناس في ذلك الزمن، لأن الجميع كان في السفينة نفسها يعيشون حياة بسيطة خالية من التعقيدات، ولم يكونوا يشعرون بأنهم محرومون»، مشيراً إلى أن «العائلات الثرية كانت تؤمّن مآدب الغداء والعشاء للمسافرين، وتوفر الطعام والمال للمحتاجين، كما تنعّمت قلة قليلة من الناس بتكييف الهواء أو ببرادات تعمل بـ(الكاز)، أما الذين افتخروا بقيادة سيارة فكانوا أقل بكثير، وكان مؤسس دبي الحديثة، المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، قد استورد سيارة «فورد» من البحرين أواخر ثلاثينات القرن الـ20، لكنه لم يتحمس لقيادتها فعلياً إلا بعد أن نفق جواده المفضل».
ويشير الحبتور إلى عشقه الشديد لشخصية الزعيم العربي جمال عبدالناصر، حيث يقول: «كنت في الثامنة من عمري عندما سمعت للمرة الأولى بالرئيس المصري جمال عبدالناصر، وهو شخصية محبوبة جداً في منطقتنا في تلك الفترة، وكلما علمنا أنه سيتوجه بحديث إلى الشعب، كانت عائلتي بأسرها تتحلّق حول المذياع، كما كانت شوارع دبي تخلو من المارة تماماً، كما هي الحال في أيامنا هذه عند بث نهائي كأس العالم».
ويضيف: «بعد الاستماع إلى عدد كبير من خطابات عبدالناصر المؤثرة اجتاحتني رغبة شديدة في الكتابة إليه، وكنت حينها في الـ10 من عمري، ولأنني أعلم أن خطّي رديء، فقد أمليت الرسالة على ابنة خالتي حمدة، التي أصبحت في ما بعد زوجتي، وأرسلتها عبر البريد، وفي قرارة نفسي لم أكن أتوقع أن أتلقى رداً من شخصية بمكانة عبدالناصر، الذي كان منشغلاً بقضايا الأمة، ولن يجد وقتاً للرد على تلميذ مدرسة يعيش في دبي بخط غير مقروء، ولكني عجزت عن وصف مشاعري عندما أتاني والدي برسالة تبدو رسمية من مصر تحمل اسمي، وعندما بدأت أفتح الظرف متوخياً أقصى درجات العناية والحذر لئلا أمزق أي شيء منها، اعترتني جميع كلمات البهجة عندما وجدت صورة لعبدالناصر تحمل توقيعه الشخصي، كما ذُهلت عندما رأيت رسالة كتبت بخط يد الرئيس المصري شخصياً، خاطبني فيها قائلاً: (ابني خلف)»!
وحول بداياته في العمل، يستذكر الحبتور أول وظيفة تقدم لها، فيقول: «في أيام شبابي كان لزاماً عليّ أن أساعد عائلتي، فقررت في سن الـ14 أن أقدم طلباً للعمل في شركة أميركية تعمل في مجال الجيولوجيا، وتطلب مترجماً من اللغة العربية إلى الإنجليزية، وإلى جانب صغر سني، وقلة مؤهلاتي وخبرتي واجهتني مشكلة بسيطة، ففي ذلك الوقت لم أكن أتقن أكثر من كلمتين أو ثلاث باللغة الإنجليزية»!
ويتابع :«بالتأكيد لم أوظف (مترجمان)، لكني لم أصدق نفسي حين وافقوا على أن أعمل مساعداً لثلاثة أشهر في الصيف بمرتب شهري 250 روبية هندية، وتعلمت تحميض الصور الفوتوغرافية في غرفة مظلمة، ثم اغتنمت الفرصة لأتعلم مهارات جديدة، ما جعلهم يرفعون أجري إلى 300 روبية، وكنت مسروراً جداً، مع العلم أنني لم أتسلم راتبي بيدي مرة واحدة، فقد كان يصرّ مسؤولي في العمل الأميركي من أصل عربي، ديفيد، على استدعاء والديّ لتسليمهما المال والاحتفاظ به، ولم أمانع على الإطلاق، فكل روبية جنيتها هي لهما، لكني كنت أود لو أقدم لهما ثمار عملي الجاد بنفسي».
ويضيف الحبتور: «بعد ثلاثة أشهر انتهى عملي مع ديفيد، وأصبحت من جديد من دون أي مدخول، لكنني بتّ أملك في جعبتي خبرة مهنية بسيطة، لم أعرف اليأس، ودخلت في مشروعات كثيرة، وبإمكانات متواضعة، وكنت أخرج منها أحياناً وأنا مفلس تماماً، ومع ذلك كنت متأكداً أن خلف كل فشل سيأتي نجاح، وبعد كل نجاح سيأتي نجاح مبهر، وهذا ما كان».