«بلح تعلق تحت قلعة حلب».. قراءة الحرب من الاتجاهين

بعد مشاهدة الفيلم الوثائقي المشارك ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة السابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، «بلح تعلق تحت قلعة حلب»، للمخرج اللبناني محمد سويد الذي مازال يعيش آثار الحرب اللبنانية تعود إلى الأذهان الجملة التي بدأها المخرج السوري محمد ملص في فيلمه «باب المقام» على لسان بطلته، عندما قالت «اش قد تغيرت حلب» لكن حكاية سويد ليست درامية بل موثقة من خلال عملية تصوير استغرقت ثمانية أشهر بكاميرا مهند النجار الذي يمارس التصوير لأول مرة، كحال كثيرين في سورية رأوا ان الصورة لا تحتاج إلى من يفهم التقاطها بقدر ما يشعر بها وبالحكاية المرادة منها.

الفيلم الذي يحمل عنوان مسابقة تحدي قراءة يلعبها الأطفال، حيث اذا قرأت العبارة من الاتجاهين تحمل نفس الكلمات والمعنى «بلح تعلق تحت قلعة حلب»، دخل في قلب المناطق المحررة وقبل ظهور داعش وجبهة النصرة حسب المصور، من خلال الشخصية الرئيسة (مضر النجار) الذي لم يعش مع والده العقيد في الجيش السوري سوى شهر و10 أيام، قبل أن تعتقله قوات النظام عام 1980 و”تهمته الصلاة”.

اسمه مضر، وينادونه (أبوعبدو) واصبح (أبوبكر)، كأن تسلسل الاسم هو حكاية سورية، التي أكد فيها ابوبكر الذي يهتف ويغني للثورة في المظاهرات «كنا سلميين، ولم نطالب الا بالحرية، وهم من جعلونا حملة سلاح».

تدورالكاميرا في حلب، خصوصاً في ريفها، ويدخل المشاهد حياة من قرر أن يحمل السلاح، وشباب في عمر الزهور، أطلقوا لحاهم إما تحدياً لنظام منعها عنهم طول سنواتهم حسب تعبير أحدهم، وإما لعدم وجود الوقت لحلاقتها، ويتجول في الشارع الذي لم تحيده كاميرا المصور مهند النجار الذي كان يسأل المارة عن لواء التوحيد بقيادة «ابوبكر» الشخصية الرئيسة في الفيلم، ولواء التوحيد لا يحمل البعد الديني حسب تعريف القائد بل اسم لبداية توحيد كل الفصائل المقاومة.

صور كثيرة لعائلة (ابوبكر) في مخيم بتركيا، وتلك العبارات البريئة لأطفالهم، فهم يريدون العودة للضيعة رغماً عن الموت، فتقول احدى بناته «الضيعة أحلى، اشتقت لجيراننا»، وتضحك وترسم وتعبر عن شوقها لأبيها المنضم إلى لواء التوحيد.

من الأمور اللافتة ايضاًهو طابور الخبز. من الممكن أن يقف أمامه الناس ثلاث ساعات، وللأطفال هنا حكاية أخرى، فطفل من بينهم استطاع أن يحصل على هذه الربطة بـ15 ليرة سورية، لكنه قرر بيعها بـ35 ليرة سورية، ليلحقه المصور ويسأله عن السبب «أنا أكبر إخوتي وواجبي أن اصرف عليهم»، وفي المشهد نفسه يوجد شاب لم يتجاوز الـ20 من عمره، وواضح أنه من عناصر الجيش الحر، يحتضن هو الآخر هذه الربطة، فيباغته المصور بسؤال «كيف تحمل هذه الربطة ويوجد امرأة تنتظر ثلاث ساعات للحصول عليها؟»، لكن الاجابة تكون واضحة دون كلام ومع طأطأة للرأس خجلاً، هو الجوع الذي لا يعرف كبيراً أو صغيراً ولا رجلاً أو امرأة.

تختلف إجابات سكان المنطقة حول علاقتهم مع لواء التوحيد، فمنهم من يصفونهم بمحاولتهم توفير الأمن، ومنهم من يتهرب من الإجابة، ومنهم من يقرر التخلي عن جنسيته السورية كما حدث مع عجوز، بدأ حديثه بمعرفة حلب وشوارعها، وعند السؤال عن حالها ارتبك وقال «أنا لبناني».

الفيلم الذي قال مخرجه سويد صاحب فيلم «ما هتفت لغيرها»: «أنا منحاز تماماً إلى الثورة السورية، وهذا شيء لا أخفيه، وعندما شاهدت كمية الصور التي أرسلها النجار، شعرت بأن هذا المصور يشبهني، ويشبه طريقة توجيهي في التقاط الصورة الحية».

هذا الانحياز التام جعل من المخرج وفريق العمل المشارك من مصورين آخرين محمود الباشا وميزر عامر، يريدون نقل الحقيقة، التي يخاف منها في شكل سورية المستقبل أن تكون مكللة باللحى، ليجيب«أبوبكر»: «سورية المستقبل للجميع، والعدل أساسها». استطاع سويد أن ينقل الارتباك في الشخصيات التي رأت أن اللحى هي التحدي، كأنه يريد الاقرار أن مدنية سورية تاريخياً قادرة على نبذ ما هو متوقع من عنف، واختار أن تكون النهاية وقوف (أبوبكر) على مفترق طرق، مؤكداً «هذا العمل انتهى منذ سنة، والآن يحارب ابوبكر كلاً من جيش النظام وداعش وجبهة النصرة».

 

الأكثر مشاركة