نديـــــم كـــرم: منحوتاتي تمتـزج بذاكرة المدن

اعتبر الفنان اللبناني نديم كرم أن تجربة الفن الحضري أو المنحوتات الخاصة بالمدن غائبة عن الثقافة العربية، فقليلة هي البلدان التي تولي أهمية للمنحوتات التي توضع في الباحات العامة في المدن وتمتزج مع حضارتها فتصبح ذات حكاية خصوصاً تشبه المكان والناس الذين يعيشون فيه. وقد تمكن اللبناني من الجمع بين فانتازيا النحت والهندسة المعمارية فنجح في تغليف أعماله بالدهشة التي تقود المتلقي إلى عالم بين الأرض والسماء يبتكره عبر الكائنات التي يجسدها.

وقال كرم في حديث ل«الإمارات اليوم» على هامش زيارته لافتتاح معرضه الاخير «99 كائنا ممكنا في الغيمة» في أيام غاليري في دبي، انه «ليس من الضروري أن يكون الفن ترجمة للواقع، ففي بعض الأحيان يكون موازيا للحياة والواقع، فيتيح التأمل من خلال حالة ثانية، وهذه الحالة الجديدة توجد حالات جديدة أيضا يبرزها الفنان عبر أعماله». ورأى أن العالم الخاص الذي يوجده الفنان ليس الا نتيجة الحياة، فعالمه البعيد عن الواقع لم يتبلور الا من خلال التأمل في المحيط.

وبين الحلم والحرب، تأخذ السياسة دورا مهما في أعمال كرم الذي لفت إلى انه يحاول من خلال أعماله أن يبني وان يظهر الروح الخلاقة لأنه مهما كانت الظروف المحيطة بالانسان صعبة لا بد من البناء والبدء من جديد. واعتبر ان الظروف المحيطة بالناس محبطة ولا تمكن المرء من القيام بأي شيء، مشددا على أنه لا بد من ايجاد بعض الأجواء الايجابية في المدن، وهذا لا يكون الا من خلال الفن. اما تأثير الحرب اللبنانية عليه وعلى اعماله، فقد أوضحه من خلال تأكيده على أنه خُطف مرة، وأطلق عليه الرصاص أكثر من مرة، وهُجر من بيته، ليكون بذلك قد نال من معاناة الحرب وذاق لوعتها من مختلف الجوانب. وأكد أن اللبناني الذي لم يمر شخصيا بهذه الظروف لا بد أن يكون عايشها من خلال محيطه، وهذا من الطبيعي ان يترك أثره في الذاكرة، وبالتالي تشكل هذه الذاكرة المحملة بالألم سببا اضافيا كي يقدم الفنان ما هو أكثر ارتباطا في مجال الاحلام. وشدد على ان الخط الذي رسمه لنفسه يعبر تماما عن الثورة بطريقة ما، رافضا التوجه بشكل مباشر من خلال الاعمال للحديث عن الثورات الحالية أو ما يعتريها. وأضاف، «لا ابحث عن عمل يرتبط بحدث معين، اهتمامي بالسياسة واضح في أعمالي ومنذ فترة طويلة، لم أبدأ به اليوم بسبب الأحداث، فقط وجد بأعمالي وبشكل تلقائي».

يعتبر الفن الحضري أو المجسمات التي توضع في المدن من أبرز أعمال كرم الضخمة، وقدمها في مجموعة من البلدان ومنها لندن وطوكيو وبيروت، وهنا أكد كرم أن العمل على المدن يعتمد على ذاكرة المدينة وثقافتها والقصص التي تخرج منها، بينما تبقى الفكرة الأساسية الخاصة بالمنحوتات منطلقة من الفنان، ولكنها تمتزج مع ذاكرة المدينة وتصبح خصوصاً بها. وشدد على أن عناصر المدينة يدخلون اللعبة عبر مراحل تنفيذ المنحوتة، فيبدو العمل عند الانتهاء منه وكأن أهل المدينة هم الذين نفذوه، موضحا أن أجمل ما تحمله هذه الأعمال هي أنها تجعل أهل المدينة يحلمون قليلا. ولفت إلى انه لا يمكن للمباني ان توجد لدى المرء ابتسامة، بينما وضع المنحوتات بالقرب من المباني سيجعل المرء يفكر بالعمل والمشهد، ومن هنا يأخذ الفن الحضري أهميته. واعتبر كرم أن النحت الذي يقدمه يتآلف مع المكان الذي يقدمه، مشددا على أنه على غرار منحوتات المدن قدم المنحوتات الصغيرة التي يمكن أن تدخل المنازل وتتآلف مع المكان أيضا. ولفت كرم إلى ان ثقافة المنحوتات في المدن ليست رائجة في العالم العربي بسبب انشغال المسؤولين عن هذا الجانب من ناحية، وكذلك بسبب ثقافة الجمهور الذي يهتم أكثر بالجوانب المادية وليس الفكرية. وبعد انجازه مجموعة من الأعمال في عدة مدن أكد كرم أنه يحضر اليوم لمنحوتات لمدينة شيكاغو، وايضا منحوتات لمدينة شنغهاي ارتفاعها يتراوح بين تسعة أمتار و 12 مترا.

الهندسة تلعب دورا أساسيا في أعمال كرم النحتية ولاسيما الشاهقة، ويقول، « الهندسة المعمارية هي اختصاصي الاول، ولكن الفن والنحت بالنسبة لي يشكل عملية خلق وابتكار». وأضاف، «الفرق بين النحت والرسم هو اني اعتمد على فريق عمل كبير في النحت، لأن النحت يستغرق وقتا طويلا، بينما يشكل الرسم بالنسبة لي الفرصة للفرح فأنا حين أرسم استمتع ولا أدخل مرسمي الا ليلا بعد أن انجز كامل أعمالي خلال النهار، وأشعر أني أفرغ مشاعري على اللوحات».

غيمة دبي

قدم النحات اللبناني نديم كرم مشروع «غيمة دبي» وهو عبارة عن منحوتة يبلغ علوها 300 متر تجسد حالة المطر، بينما تتقاطع في داخلها الأعمدة لتجسد وعبر الألوان الرملية في أعلاها حالة دبي في طبيعتها الصحراوية. وتتكون الغيمة بحسب المشروع الذي عرض في «بوث كليبرون» في لندن من جسور ومكان مخصص للرياضة على سطحها. ويعتبر هذا المشروع تجسيدا للحلم، هذه الصفة التي تلازم امارة دبي.

أفكار ممتدة

يقام في معرض فن أبو ظبي في دورته الخامسة التي تنطلق الأسبوع المقبل حفل توقيع كتاب أفكار ممتدة لنديم كرم. ويشكل الكتاب عبورا للأحلام والذاكرة، فهو يشكل رحلة في الحياة. ويجمع الكتاب بين حياة الناس والحالة السياسية ويبرز كيف تقوم الحياة السياسية ببرمجة المدن وحياة الناس. ويقدم الكتاب مجموع الأعمال التي تختصر رحلته منذ العام 1994 وحتى اليوم. ويعرض المنحوتات التي قدمها في مجموعة مدن، بدءا من بيروت مرورا بلندن وطوكيو وملبورن ووصولا إلى عمان ودبي.