«صناع المسرح» قدموا تجاربهم في الشارقة مــع عرائس الخيط والعصا والقفاز وصندوق العجب
فن الدمى.. تعبير شعبي مؤثر في الحـياة
لأن فن الدمى وخيال الظل يعد واحداً من أهم الصناعات الفنية في العالم، لاسيما أن الدمى تهتم بتقديم الحياة بشكل مصغر، إذ تظهر القيمة الحقيقية للدمى (العرائس) عندما ينقلها الإنسان على حالها، ولا يحاول أن يجعل منها شيئاً آخر مختلفاً عن طبيعتها، خصوصاً أن لها طابعها الخاص عن بقية الفنون الدرامية. ويعد فن الدمى وسيلة تعبير مؤثرة، وكان لها دور كبير في تعزيز وعي الناس بقضاياهم وأحلامهم. ومن هذا المنطلق نظمت الهيئة العربية للمسرح الملتقى العربي الأول لفنون الدمى وخيال الظل، أول من أمس، بحضور كوكبة من صناع هذه الفنون في الوطن العربي، واستمرت أعمال هذا الملتقى يومين في قصر الثقافة بالشارقة.
فجر جديد الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، إسماعيل عبدالله، قال إن «الشارقة تعلن فجراً جديداً لهذه الفنون التي أخرجت الإنسانية إلى عالم الدمى وخيال الظل والأراجوز وصندوق العجب والحكواتي وكل ما جاور ذلك من فنون، بحثاً عن انعتاق وحرية». دمى ثورية قال المتخصص بمسرح الدمى اليمني، هايل المذاني، إن «دمى حمبص كانت محرضة دائماً على المستعمر، فجاءت مدعومة من سياسيين ومثقفين في عدن، خصوصاً حين كانت الجريدة غائبة، والإذاعة غائبة، ولا سبيل لإيقاد جذوة الثورة إلا من خلال هذا الفن الشعبي». المخايلون المسرحي الفلسطيني عبدالسلام عبدو أكد أن «خيال الظل تهجر قسرياً مثل أبناء فلسطين، بعد الاحتلال. وأصبحنا لا نراه في مقاهي القدس وعكا ويافا، وبعد رحيل (المخايلين) عن الحياة أصبح مسرح خيال الظل في عداد الموتى، إلا أنه عاد إلى خشبة المسرح الفلسطيني بعد غياب أكثر من 50 عاماً». |
وحول الملتقى قال الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، إسماعيل عبدالله، إن «الشارقة تعلن فجراً جديداً لهذه الفنون التي أخرجت الإنسانية إلى عالم الدمى وخيال الظل والأراجوز وصندوق العجب والحكواتي وكل ما جاور ذلك من فنون، بحثاً عن انعتاق وحرية لا يحدهما المتطلب البشري في شيء».
وتابع أن «الفنون الحية التي تختزن مفردات الهوية والشخصية، والفنون القابلة لإعادة الإنتاج بكل ما يتوافر لدينا من آفاق تقنية ومعرفية جديدة، والفنون التي تخرج من الواقع، لتمثل بلا واقعيتها أعمق ما في الواقع من صور مؤثرة، تتطلب إعادة الاعتبار لها في المشهد المسرحي، ونعمل جميعاً على استمرارها وتطورها، لنجعل منها جسوراً تربطنا بأناسنا ومجتمعاتنا، وجسوراً تربطنا بالعالم من حولنا».
وقدمت خلال اليومين الماضيين جلسة في الابتكار والتطبيق الخلاق في التجارب الذاتية، إذ استعرض المتخصص في مسرح الدمى في اليمن، هايل المذاني، التجربة اليمنية في دمى القفاز. وقال «لم يدخل مسرح العرائس بشكله المنظور اليوم، إلا أن بعض ملامحه وجدت بشكل بدائي على يد شخصيات يمنية من أبناء عدن، لا أحد يعلم كيف تعلموا هذا الفن، فقد عرفت عدن شمسان حمبص وأبوشنب وأبوتمزة، وكانوا يتقنون ملاعبة الدمى وعرضها في المناسبات الدينية والأعياد وزيارة الأولياء وموالدهم والتنقل ما بين عدن ولحج بحسب المناسبات، إذ كانوا يقدمون العديد من القصص باللهجة الدارجة وبشكل فكاهي».
وتابع أن «ابتكار مسرح الدمى كان وليد الحاجة إلى وسيلة تعبير شعبية، لها القدرة على التأثير والنفاذ إلى قلوب وعقول العامة، بما يتواءم مع ثقافتهم ووعيهم، وهذه الشخصيات (حمبص وأبوشنب وأبوتمزة) وغيرها كانت شخصيات مجهولة في الحقيقة، تتلمذت على أيدي شخصيات اجتماعية معروفة وأساتذة أرشدوهم إلى حقيقة الوعي بأهمية التعبير الشعبي، وهم الذين جعلوهم أيضاً يناقشون قضايا المجتمع وهمومه لإدراك المعاناة اليومية التي يعانيها أبناء البلد من سياسة المستعمر واتباعه».
ولفت إلى أن «دمى حمبص كانت لسان حال الوطن، فجاءت مدعومة من سياسيين ومثقفين كبار في عدن، خصوصاً حين كانت الجريدة غائبة، والإذاعة غائبة، ولا سبيل لإيقاد جذوة الثورة في نفوس المواطنين إلا من خلال الابتكار في هذا الفن الشعبي الذي يقابله في شمال اليمن الشعر الشعبي. ولا نستبعد أن بدايات الاستقلال في جنوب اليمن من الاستعمار الإنجليزي بدأت بظهور مسرح الدمى في ساحات الجنوب».
استعان مسرح الدمى السوري من عام 1970 إلى عام 1980 بخبراء من يوغوسلافيا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا، وكتب لهذا المسرح كتاب محليون تألقوا في مجال التأليف، مثل ممدوح عدوان (علاء الدين والفانوس السحري وليلى والذئب)، فتألق بالتالي المسرح ومر بمرحلة ذهبية، وفق الباحثة السورية في مجال مسرح الدمى عتاب نعيم، التي قدمت تجربتها في دمى العصا.
وأكدت نعيم أن «مسرح الدمى السوري اقتصر في السنوات الأخيرة على العروض المسرحية التي تقدم للأطفال في المدرسة بقصد التعليم والتسلية، فبقيت الدمية على شكلها الكلاسيكي، وكان هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الممثل محرك الدمى، أولها حجم الدمية ووزنها الثقيل، فلا تتيح له التعامل معها بشكل تقني عال، فكانت حركة الدمية مقتصرة على بعض القفزات أو تحريك الرأس مع تحريك الفكين».
وأضافت أنه «من خلال تجربتي التي امتدت سنوات في الإخراج والتمثيل والتحريك في مسرح الدمى، والجاوية منها وتحديداً (دمى العصي)، أرى أن تطور مسرح الدمى مرتبط كلياً بنقاط أساسية عدة، تجتمع لتشكل تطوراً متكاملاً في العالم الخيالي، منها العمل على إعداد مسارح مؤهلة ومهيأة لتقديم عروض، وتطور نصوص المسرح من خلال كتاب يواكبون تطور الدمية، إضافة إلى البحث عن مصنعين يعملون على صناعة دمية خفيفة الوزن سهلة التحريك، وتأليف موسيقى حديثة تتناسب مع إيقاع الحياة السريع».
«كيان ماريونيت» هو كيان مصري مستقل لفن العرائس، تأسس عقب ثورة 25 يناير، يعتمد على فكرة تجميع ودعم الكيانات المستقلة التي تعمل بفن العرائس، ليكون بمثابة ائتلاف لفنانين وفرق متخصصة في فن مسرح العرائس، تدعم هذا الفن وتسعى إلى مد جسور مع الفنانين المعنيين بالأماكن العشوائية في محافظات مصر، لتأسيس تكوينات أو هياكل لتعليم وتصنيع عرائس الماريونيت والقفاز من خلال إقامة ورش محدودة التكاليف موجهة إلى فئات عمرية مختلفة، مع وضع الأولوية للطفل كي يواكب حركة التطور والابتكار.
ويهدف الكيان، بحسب محمد فوزي، الذي قدم تجربته في دمى الخيط، إلى تنمية المهارات الفردية في صناعة العرائس وتحريكها، ومفارقة الصورة التقليدية للعروسة، سعياً لابتكار عرائس تجريبية متميزة، وتجميع أصحاب الهم الواحد (فن العرائس) في كيان معني بشؤون هذا الفن والعاملين فيه، فضلاً عن نشر الوعي السياسي والاجتماعي، تفاعلاً مع مطالب الثورة، وذلك عبر فن من أكثر الفنون المسرحية جماهيرية وقبولاً لدى المصريين.
ويسعى هذا الكيان إلى تحقيق أهداف فنية، منها تأسيس معهد عال لدراسة فنون مسرح الدمى نظريا وعمليا، وذلك بالاستعانة بخبراء من مصر والعالم مثل التشيك وفرنسا والهند، وتنظيم ملتقى الإبداع المصري لفناني وفرق العرائس المستقلة.
منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 غابت كثير من الفنون عن الساحة الفلسطينية، ومنها خيال الظل وصندوق العجب والفرق التي كانت تحيي الليالي الرمضانية في مدينة القدس، ومن هنا شكل الفنان عادل الترتير مسرحاً أسماه «صندوق العجب»، إذ بنى هذا الصندوق وراح يعرض المسرحيات في المدارس من خلاله.
وبحسب المسرحي الفلسطيني عبدالسلام عبدو فإن مسرح الدمى تطور في العقدين السابقين في فلسطين بشكل سريع، وذلك لأسباب عدة منها حاجة الفنان الفلسطيني وتعطشه لمثل هذا النوع من المسرح، ولجوء بعض الفرق والمسارح الفلسطينية لشراء أعمال فنية منتجة سابقاً، فضلاً عن جدوى المردود المادي على الفنان الفلسطيني من خلال عروض المدارس، ولعل من أهم أسباب هذا التطور انطلاق مهرجان مسرح الدمى والعرائس الدولي عام 1990 في المسرح الوطني الفلسطيني، الذي عقد دورته الـ19 هذا العام بعد انقطاع دام عامين، بسبب تضييق الاحتلال على حياة وإبداع الشعب الفلسطيني.
وتابع أن «هناك مشاركة لبعض الفرق الفلسطينية في مهرجانات عالمية، كما أن تعدد الفرق الوافدة إلى المهرجان خلال السنوات أدى إلى نقل خبرة كبيرة من فناني أوروبا والعالم إلى الفنانين الفلسطينيين، ما أدى إلى تطور مسرح الدمى».
أكدت الباحثة عتاب نعيم أن «مسرح الدمى السوري اقتصر في السنوات الأخيرة على العروض المسرحية التي تقدم للأطفال في المدرسة بقصد التعليم والتسلية، فبقيت الدمية على شكلها الكلاسيكي، وكان هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الممثل محرك الدمى».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news