إسماعيل غزالي: الفن متاهة
رأى الكاتب المغربي إسماعيل غزالي أن تجربته القصصية والروائية تتكئ على ثلاثة مداخل، معتبراً أن حضور البعد الأمازيغي دامغ في إبداعاته المختلفة، مشيراً إلى أن خطاب أي كاتب حول نصه لا يعدو كونه تشويشاً وإزعاجاً لأفق هذه الكتابة بشكل خاص، وتجربته الأدبية بشكل عام، لأن النص عندما يقر له أن يخرج من عالم الكمون يصير في ذمة القارئ الذي يمتلك الصلاحية في مجال الرؤى في إطار تعدد نظرته المفتوحة للنص.
وأضاف غزالي، خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي، مساء أول من أمس، وقدم لها الدكتور معن الطائي، أن «المدخل الأول للكتابة عندي يتمثل في اللعب المؤسس على فلسفة حياة ونمط ووجود»، مضيفاً «أعتقد أن الكتابة في القصة القصيرة معنية بروح هذا اللعب لما يشترطه جنسها من حيز ضئيل وفضاء محدود، فهي طفلة الأنواع الأدبية، ولا يمكن تتحقق العلاقة معها إلا باللعب مع احترام حدودها».
كتابات إسماعيل غزالي من مواليد مريرت بالمغرب عام 1977. احتفت رابطة القلم الدنماركية بكتابه القصصي «لعبة مفترق الطرق» صيف 2011، وصدر له كتاب «بستان الغزال المرقط» 2012، يضم أربع مجموعات قصصية هي على التوالي «عسل اللقالق، لعبة مفترق الطرق، منامات شجرة الفايكينغ، الحديقة اليابانية»، كما أصدر أخيراً روايته «موسم صيد الزنجور». |
في حين تمثل المدخل الثاني في تجربة الكاتب المغربي الذي قدم نتاجاً أدبياً تنوع بين المجموعات القصصية والرواية، في الولع بهندسة المتاهات، لافتاً إلى أن المتاهة ليست شكلاً من أشكال اللعب أو امتحاناً للمقدرة التخمينية، لكن كوجود مضاعف بدأ مع الحكايات الخرافية والأساطير التي تبني شكلاً متاهياً يحاكي متاهة الواقع «فاللغة متاهة، والحياة متاهة، والموت متاهة، والجسد متاهة، ومن الطبيعي أن يكون الفن أيضاً متاهة.. ثمة متاهة تتفخخ جسد الرواية، يستدرج عطر غابتها المؤلف والقارئ معاً منذ السطر الأول الشبيه بأول درج في سلم الصعود إلى أسفل الهاوية، بحثاً عن مخرج مدجج بصحو يتوارى خلف دوامة اللعبة، تلكم الرواية التي تقتفي أثر المعضلة وتخوض في أدغال المتاهة هي ما يغري خيالي، ويحرضه على الجنون واللعب».
علاقات الخيال ومنطق الغرابة شكلا المدخل الثالث في تجربة إسماعيل غزالي، موضحاً أن «الواقع قد يكون جزءاً من الخيال بدل أن يكون الخيال جزءاً من الواقع، وعلى هذا النحو، أقترف كتابة السرد المسمى مجاوزة بالفانتازي، السرد الذي يتحاشى الواقع كحقيقة صلبة ونهائية، ويجافي الواقع كفكرة مطلقة، ويرفض حماقة إعادة إنتاج الواقع، إذ يقف تساؤل ملح: كيف تشيح الرواية العربية بوجهها عن الغرابة ولا تتجاسر على اللامألوف؟ الأمر برمته ليس دعوة للارتهان إلى إرث الغرابة العربية في عصوره السّديمية الداغلة، بل هو محض غمزة وعي، إلى انحراف نهر صوب حتف منسيّ كان بإمكانه التوغل في مجاهل الأبد، عبر تطوير هذا الإرث وتثويره. كيف لهذه الرواية أن ترتكب جريمة نسيان هذا التراث الخيالي الشاهق، وتنصرف باهتمامها إلى تجارب واقعية مهترئة وأنماط تاريخية مترهلة، مراكمة لنصوص سردية كسولة يعتورها النقص الفاجع للتخييل المجازف، وتعاني من قصور مزمن في بناء المغاير وسبر أغوار المبهم».
ووصف غزالي الرواية بـ«هندسة للعدم، بالنظر إليها ككتابة تيمم بوجه تخييلها شطر الغياب والنسيان، وفي معسكرات الغياب وخرائب النسيان، تحفر بأسلحتها عن الدهشة والغرابة والحقائق الجديدة»، مشيراً إلى أن للرواية «غواية دامغة الخصوصية، وكتابتها تقتضي هوساً بمزاولة الركض الذي يتخطى المسافات القصيرة، ففي تخطي الحدود تكمن غبطة الهروب الذي لا يطمئن إلى استقرار الشجرة، وفي اختراق الحواجز تكمن جسارة الانفلات التي لا ترتضي الإقامة في الدائرة المغلقة، وفي رسم الخرائط الجديدة تكمن متعة التخييل التي لا تشترط سوى الحرية أفقاً لهندسة العدم الهائل».
وأضاف «لم أكتب القصة القصيرة عن سبق الإصرار والترصد بنية العبور إلى كتابة الرواية، كما لم أكتب الرواية بالاحتكام إلى تجربتي في كتابة القصة القصيرة. إنها الكتابة أولاً، الجوهر المنسي الذي ينتصب كشبح أبيض في غسق العدم، قبل تشكل النص، سواء قدر لهذا النص أن يكون رواية أو قصة قصيرة». وعن تأثر كتابته بهويته الأمازيغية؛ اعتبر إسماعيل غزالي أنه من المجحف أن يتم حصر هوية شخص ما في أحادية ما، فكونه شمال إفريقي فهذا يعني كونه عربياً فينيقياً، وكل ما يحمله حوض البحر المتوسط وعرقياته المعروفة بتعددها؛ مشدداً على أن حضور التراث أو البعد الأمازيغي في كتاباته هو حضور دامغ، فهو ينتمي لبلد متعدد الهويات، هذا التعدد طبيعي أن يتولد في النص بطرائف مختلفة في الكتابة على مستوى اللغة والصوت.