معرض فوتوغرافي لتفاصيل وزوايا المكان المهجور
«السفارة الإيـــرانية في أميركا».. الــوصيّ على الفراغ
منذ سقوط شاه ايران وأزمة رهائن السفارة الأميركية التي وقعت بين أميركا وإيران عام 1979، أقفل مبنى السفارة الايرانية في أميركا، ودخل حالة من السكون والفراغ. لم يجرؤ أحد على دخول المبنى غير المأهول، إلا أن المصور الإيراني - الأميركي إيرك بارنز قرر دخوله من دون إذن مسبق، ليقدم ما طواه التاريخ خلف الجدران، عبر معرضه الذي حمل عنوان «الوصي على الفراغ.. السفارة الإيرانية في أميركا». وحمل المعرض الذي افتتح في أيام غاليري أخيراً مجموعة من الصور التي تعرض جوانب الثقافة الفارسية من حيث الهندسة والزخرفة والبناء.
شكلت أعمال بارنز الذي يستمر معرضه حتى 30 يناير من العام المقبل ما يشبه نفض الغبار عن المكان، فكانت الصور بحثاً في الذاكرة وإظهار المكان من الداخل بداية مع الشخصيات التي زارت السفارة ووصولاً الى الأدراج الفارغة أو الجوازات والمعاملات التي بقيت قيد التنفيذ مع مرور الزمن. كل مشهد التقطه بارنز في المعرض يتمتع بالتلقائية المصحوبة بالخوف، فالدخول الى المكان مغامرة حقيقية. أما المزج بين الحديث والمعاصر، فقد جعل كل صور بارنز قائمة على التداخل بين الثقافتين الشرق أوسطية والغربية.
سيرة فنية ولد الفنان الايراني إيريك بارنز في أميركا وهو يعيش فيها منذ الطفولة، ولهذا يعد المعرض تعبيرا عن حالة الصراع التي يعيشها بين الهوية والانتماء. اتجه في فنه الى المنهج الذي يجمع بين الحداثة والمعاصرة ليوجد صيغة وهوية خاصة. أما أعماله فتجمع بين التصور والتشكيل والتركيب وكذلك الفيديو. تحمل أعمال بارنز التعبير الصريح عن الصراع الداخلي الذي يعيشه ومحاولة لإثبات حالة جديدة في الفن. مغامرة تعد المغامرة واحدة من الصفات التي تحملها أعمال بارنز، حيث سبق وصور الأبراج بعد ساعتين من وقوع حادثة 11 سبتمبر، متذرعاً بأنه تلميذ ويلتقط الصور للدراسة. معارض قدم بارنز مجموعة من المعارض الفردية في أميركا، ومنها في نيويورك وميامي وفلوريدا ولندن، إلى جانب مشاركته في معرض الفن الإسلامي في الشارقة. ايران زار إيرك بارنز إيران مرة واحدة في حياته، حين كان طفلاً في السادسة من عمره، وأكد أنه ينتظر إمكانية أن يزورها للمرة الثانية. |
المعرض الذي يحمل تميزاً في الفكرة والاسم الذي منحه إياه الفنان، لم يحظ بالقوة التنفيذية نفسها، فلم يستطع الفنان أن يقدم ما يشكل صدمة من حيث التصوير. معظم الصور التي قدمها قائمة على محاورة بين الماضي والحاضر والمستقبل. يستحضر الفنان الذاكرة ويربطها بالحاضر الذي جسدت فيه، بينما تبقى علامات الاستفهام موجودة حول وضع المبنى في المستقبل. يحاول بارنز أن يختصر تاريخ بلد من خلال سفارته المقفلة، يركز على الأماكن التي تحمل من الإرث الحضاري والتراثي، فيبدأ من البابإلىل القرن الثاني عشر في ايران، ثم ينتقل الى الموزاييك على الجدران والزخرفات التي تزين المكان الى جانب بعض النوافير التي صممت بهندسة إيرانية. أما الذاكرة التي تحملها الجدران فيبينها من خلال صور الشخصيات التي زارت السفارة، وكيف كان هذا المكان مقصد النجوم والمشاهير، ومنهم اليزابيث تايلور، وآندي وارهول، وغريغوري بيك.
يطرح هذا المعرض الكثير من التساؤلات حول الرابط بين العمل والأحداث السياسية، على الرغم من حرص الفنان على عدم اقحام السياسة بشكل مباشر في سياق تنفيذ الفكرة، لكن لا يمكن أن تذكر العلاقة الأميركية ــ الإيرانية من دون أن يحاول المرء محاولة تعقب الفنان ومعرفة اي طرف يأخذ، إلا أن الأخير نجح في ابعاد نفسه عن أن يكون طرفاً في هذه الحرب السياسية. ترك بارنز الطبيعة تروي الحكايات، فصور الظلال التي تتشكل في المكان خلف زجاج النوافذ المقفلة، والغبار والريح الذي يدخل. عوامل الطبيعة وحدها التي بقيت بعد أن غادرت المكان كل عناصر الحياة والفوضى، بينما ما يسيطر في الخارج هو ضجيج الحياة.
بارنز قال لـ«الإمارات اليوم» عن معرضه، «اختياري لهذا المعرض يرتبط بثلاثة أمور، أولاً الرابط بين الشرق والغرب في الفن، ثم كيف تتعاطى أميركا مع الشرق الاوسط، وكذلك جانب المغامرة الذي ميز أعمالي». وأضاف أن «الحصول على اذن لدخول السفارة ليس ممكناً، لكن الدخول لا يمكن وصفه بغير القانوني، وقد تمكنت من الدخول بطرقي الخاصة، ولا أعرف كم أمضيت من الوقت خلال تصويري، لان الوقت كان يمر ببطء شديد بسبب الخوف الذي لازمني أثناء التصوير». ورأى أن الحالة التي دخلها عند دخول السفارة، توصف بالحزن الشديد على المكان المقفل، فهو مكان يجب أن يحمل الكثير من الحياة، لكنه على خلاف ذلك لا يحمل إلا الموت والصمت، الى جانب الأسى على الناس الذين لا علاقة لهم بالخلافات السياسية التي حدثت بين أميركا وإيران.
واعتبر بارنز أن حجز المكان وتركه على هذه الحال لا يعني لأميركا شيئاً سوى إمكانية فتحه من جديد، وإلا لكان تم تدميره بالكامل. ورأى أن المعرض لا يحمل أبعاداً سياسية مباشرة، فالعلاقات السياسية تشبه الزواج والطلاق وقد تمر بقطيعة وتعود، ولهذا لم أشأ دخول غمار السياسة في المعرض. وأكد أن اختيار دبي لعرض الأعمال أتى كون دبي تعد المكان الحيادي والرحب الذي من الممكن الحديث فيه، مشيراً إلى انه لا ينفي إطلاقاً الصراع الداخلي الذي يعيشه حول الهوية والانتماء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news