دبي تشهد النسخة العربية منه في مارس المــقبل
مهرجان الضـوء في ليون.. حكاية المدينة على جدرانها
مع أن شعار «ليون»، المدينة التي تعد الثانية اقتصادياً في فرنسا، رسم باللون الأحمر لحيوان «الأسد»، إلا أن المدينة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 500 ألف نسمة، بعيدة كل البعد عن صفات الأسد، فهي البعيدة عن كل منطقة من أوروبا مدة ساعة ونصف الساعة عبر القطار، تستطيع ببساطة أن تشعرك بالدفء في عز الشتاء لما يتميز به سكانها من ترحاب مستمر وابتسامة تعلو الوجوه حالهم حال سكان القرى بشكل عام، فطبيعتها الخلابة وموقعها المتميز لأنها ملتقى نهري الرون والسون، ووجودها بين جبال خلابة وتلال شاهقة، يعطي كل من يزورها إحساساً بأنه جزء حي من المكان، يستطيع المشي بأمان والترحال عبر وسائل نقل متعددة أجملها المشي على الأقدام لاستحضار روح المدينة التي عانت، مثلها مثل مدن أوروبية كثيرة، من الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك استطاعت أن تنهض مرة أخرى من تحت الركام وتبدأ حياة جديدة شعارها «المسامحة من أجل العيش والاستمرار» فكانت الموسيقى لغتها والضوء شعارها في المهرجان الذي يعد الأشهر في هذه المدينة الحنونة، والذي يقام في الثامن من ديسمبر في كل عام، والذي ستشهد مدينة دبي النسخة العربية منه في مارس المقبل.
ومع أن افتتاح «مهرجان الضوء» لعام 2013 لم يكن بمستوى السنوات الفائتة حسب متابعين، إلا أنه احتوى على فقرات كثيرة أوجدت توازناً في قيمة الحدث وتقبله في النهاية، فأنت أمام حكايات فرنسية كاملة مرسومة على جدران البنايات القديمة الفرنسية الطراز بشرفاتها الصغيرة والنباتات التي تتسلق بين ثناياها، تقف أمام تلك اللوحات المرسومة من قبل أشهر الفنانين، تجدها تتحرك من أمامك وحولك وخلفك بسبب التقنية الثلاثية الأبعاد المستخدمة في الضوء الذي يسلط إشعاعه على الرسم ليحوله إلى لوحة ناطقة ومتحركة، تحكي كل ما حدث في هذه المدينة وما حولها.
الشيء اللافت في هذا المهرجان أن جميع سكان المدينة يطفئون أنوار منازلهم، مانحين الضوء الآتي من اللوحات فرصة إنارة حياتهم لمدة أربعة أيام متواصلة.
أطفال وعائلاتهم من كل الأعراق والمنابت والأعمار يمشون في البرد، كي يلمسوا الضوء بأيديهم، معززين العهد لطقس نشـأ في عـام 1852 عندمـا أضـاء أهالـي مدينـة ليـون بعفويـة نوافذهـم وشرفاتهـم وجابـوا الشـوارع فـي موكـب للاحتفـاء بتمثـال العـذراء مريـم بتـل فورفييـر.
هذا التقليد السنوي، الذي ستشهده دبي قريباً لأول مرة في شوارعها، والذي - حسب عمدة مدينة ليون جيرار كولمب - سيكون مبهراً لما تتمتع به دبي من سمعة عالمية في قدرتها على المنافسة في كل المجالات، وحيث يعد المهرجان حافزاً على الإبداع، ودغدغة مشاعر الفنانين في الوصول إلى البنايات الصماء وتحويل جدرانها إلى حكايات.
وهكـذا يمثـل مهرجـان «الضوء» الاستمراريـة الاستثنائيـة لمـوروث ليـون الثقافـي. فلقـد شيـدت مدينـة الغـد علـى أساسهـا التاريخـي. وفـي حيـن تحافـظ المدينـة علـى أطلالهـا العتيقـة وشوارعهـا مـن القـرون الوسطـى وعمارتهـا المتأثـرة بصناعـة الحريـر، تتطـور ليـون وتتجـدد من دون الانتقـاص مـن تاريخهـا.
حيث أصبـح مهرجـان الأضـواء الملتقـى العالمـي الرئيس لصناعـة مزدهـرة. وبوصفـة وسيلـة يكـرس بهـا المبدعون المشهورون أعمالهـم، يوفـر الحـدث للفنانيـن الشبـاب رؤيـة استثنائيـة ممكنـة لأعمالهـم.
ويأتـي ممثلـو المدينـة ومنظمـو مهرجـان الأضـواء للتشبـع بأجـواء هـذا المعـرض الضخـم فـي الهـواء الطلـق الخـاص بالتوجهـات الرائـدة في مـا يتعلـق بالفـن والإضـاءة. فيسجلـون ملاحظاتهـم عـن الفنانيـن والبنايـات التـي يرغبـون فـي رؤيتهـا جـزءاً مـن الأحـداث العمرانيـة الخاصـة بهـم.
وبعيداً عن مهرجان «الضوء» وقريباً من الشوارع في مدينة «ليون»، يدرك الزائر قيمة المدن العتيقة بمشهد يكاد يكون الأبرز، فأنت تمشي ورأسك ينظر إلى السماء التي تشعر بأنها محاطة بمناظر لا تستطيع غض البصر عنها كي لا تضيع مشهداً جميلاً من عينيك، تمشي بخطوات متأنية، تحاول عيش اللحظة بكل معانيها، فتتخلل إلى أنفاسك رائحة الأجبان التي تشتهر بها فرنسا بشكل عام، تقبل على الباعة الذين يأتون منذ بزوغ الضوء ليقدموا لك ما لذ وطاب من الأطعمة الفرنسية، في الأزقة بشكلها المرتب والنظيف جداً، تصبح جزءاً من الكل، تمارس الطقوس الصباحية التي لا تخلو من مفاجآت لها علاقة بحوار بسيط حول: من أين جئت؟ وتحدث لي عن بلدك، وعندما تكون الإجابة: من دبي لا تحتاج الكثير من الشرح، فهي المدينة التي يريد أهل ليون زيارتها يوماً ما لسمعتها العالمية.
تشتهر مدينة الضوء (ليون) بالفن بشكل عام وتحوي بين شوارعها 27 متحفاً، كما تضم المدينة متحف الفنون الجميلة الذي يحتل موقع دير البنديكت الديم (قصر سانت بيير)، وهو نموذج مصغر لمتحف اللوفر، وتشتهر أيضاً بالمنسوجات المتعلقة بالحرير بشكل خاص، لذلك تكثر مصانع النسج هناك .
وفي هذه المدينة المعتقة بالقصص والمغامرات والأساطير التي تنقلها الجدات، توجد حالة أرادت أن تكون إنسانية، وتطوي صفحة كاملة مليئة بالدم من خلال التعريف بتاريخها بدءاً من اليوم وليس من الأمس، رغبة في التعايش مع الآخر.
أطول نفق مشاة في العالم
تزامناً مع مهرجان الضوء في مدينة ليون، كان الفرنسيون على موعد مع افتتاح أطول نفق مشاة في العالم، وما يميز هذا النفق هو الصور المعلقة على جدرانه، حيث أصرت ليون من خلاله على الاحتفاء بالعالم، فعلقت على جدرانه الصور لجميع المدن في العالم، العربية منها والأجنبية.
سوق الأجبان
للأجبان نكهة خاصة في فرنسا، فسمة التذوق الرفيع المستوى تظهر جلية في سوق الأجبان المحلية، وهي عبارة عن مبنى كبير، تضم محال متراصة لبيع الجبن والمشروبات والأطعمة المتنوعة، والجميل في هذا السوق هو نبض الحياة الذي يبدأ مع بزوغ الضوء في المدينة، فعلى سبيل المثال، ومنذ دخولك السوق، تجد على يمينك مسرحاً متواضعاً وكراسي تقليدية، لإعطاء فرصة لكل من له موهبة ورغبة في الغناء أن يؤديها أمام رواد السوق، فتجد نفسك أمام فرقة من كبار السن، من الواضح أنهم أصدقاء ورفاق عمر أو جيران على أقل تقدير، يغنون ويرقصون، غير مكترثين بوجود من يجلس على الكراسي أمامهم، أتوا ليغنوا فقط، لتأتي بعدهم فتاة تعزف على «التشيلو»، وهكذا تعيش لحظات متأنية مع المكان الذي يعبق برائحة طعام خاص بمدينة ليون.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news