«يوميات أدت للجنون» عرض مغامر.. و«الحياة كحلم» على خطى رائد السريالية

سلفادور دالي يخرج مــــن معطف غوغول في «الفجيرة»

عوالم دالي وغروره وشراهته للمال والمتع حضرت في «الحياة كحلم». الإمارات اليوم

أثارت عروض اليوم الخامس من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الجدل؛ فبين الكويت و«المسرح الروسي» في ألمانيا، كنا أمام حكايتين يسكنهما مأزق الوجودية ومحاولة التسلسل إلى مخاوف وأوجاع ونوازع الإنسان. لكن هذه المرة تأتي الحكاية من فرادة وعمق نيكولاي غوغول في العرض الكويتي، ومن مذكرات سلفادور دالي الغرائبية في العرض الألماني.

في كلا العرضين كانت البنية الفنية على درجة كبيرة من الأهمية: العرض الكويتي فتّت بنية النص بذكاء لافت، ودخل في مغامرة مميزة تحسب له، بينما أسس العرض الألماني لشكل غرائبي يتناسب مع غرائبية دالي نفسه، وساعدته كثيراً في رحلته التي أريد لها أن تكون سبراً للعتمة التي تسكن رائد السريالية؛ وصاحب الحياة الحافلة بالهواجس والتناقضات.

لكن أمام هاتين الفرجتين بدا السؤال ملحاً عن ظاهرة المخرج الممثل التي أضرّت كثيراً بأعمال مدهشة سقطت لاحقاً في حالة من الاستنزاف، وبدت الحاجة الماسة فيها إلى عين ترصد وتمسك بمفاتيح اللعبة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/83863.JPG

في عرضي اليوم الخامس بمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما يمكن الإشارة إلى انفلاتات عاناها العرض الكويتي بسبب تصدي الممثل نفسه للإخراج، وكنا أمام صرامة إخراجية أعاقت قدرة الممثل الألماني على التأثير وتمرير لعبته، وخوضه في التفصيلات النفسية لشخصية دالي.


بنية استقصائية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/83864.JPG

إلى درجة كبيرة يبدو عرض «الحياة كحلم» كأنه يدور داخل دالي، ويتحرك في بنيته العصبية والفكرية. ويبدو أن نص هذا العرض يقوم على بنية استقصائية يقترب وبكثير من التفصيلات من عوالم دالي وآرائه وأفكاره التي كانت دائماً على درجة كبيرة من الاستفزاز، إضافة إلى تحليل غروره وأنانيته المفرطة، وشراهته للمال والمتع.

كل هذه التفصيلات كانت موجودة في العرض الذي بدا في أحيان كثيرة أقرب إلى محاكمة لآراء دالي ومواقفه السياسية وارتحالاته بين بلده إسبانيا وباريس، وصولاً إلى هوسه الشديد بالشهرة، وهو صاحب المقولة الشهيرة «لا أطيق وجود أحد لا يعرفني».


اتجاه واحد

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/01/83865.JPG

الانطباع الأول الذي يفرض نفسه بعد فتح الستارة عن عرض «يوميات أدت إلى الجنون» هو الفضول والدهشة، والشعور بأننا سنكون أمام لعبة ذكية تقوم على المكاشفة، والتأسيس لبنية بصرية قوامها التجريب والمغامرة التي هي في الأساس ميزة المسرح وجوهرته الثمينة. هذه الانطباعات تحققت في اللحظات الأولى من العرض، خصوصاً مع بداية اللعبة، الديكور، الإضاءة، حلول السينوغرافيا، كل شيء كان لافتاً ومبشراً، ومثار دهشة وإثارة للفضول.

غير أن هذه الدهشة سرعان ما بدأت تخبو وتضيع مع انكشاف اللعبة وتكرارها، وتحوّل الظرف الإخراجي والادائي ليسير في اتجاه واحد؛ إذ يمكن القول إن شعلة هذا العرض بدأت تخبو مع انتقال المخرج من صانع عمل إلى مؤدٍ له على الخشبة.

في عروض اليوم الخامس بالمهرجان يمكن الإشارة إلى انفلاتات عاناها العرض الكويتي بسبب تصدي الممثل نفسه للإخراج، وكنا أمام صرامة إخراجية أعاقت قدرة الممثل الألماني على التأثير وتمرير لعبته، وخوضه في التفصيلات النفسية لشخصية دالي.

الحديث عن العرض الكويتي «يوميات أدت إلى الجنون» سيقودنا بالضرورة إلى الخيبة. كان بإمكان هذه التجربة أن تصير علامة فارقة بين عروض هذه الدورة من مهرجان الفجيرة للمونودراما. تجربة توافرت لها عناصر النجاح، نص فريد وعميق، يروي حكاية موظف بكل ما فيها من هواجس وتفصيلات، إضافة إلى عقلية إخراجية استطاعت أن تتميز في سبر أغوار هذا النص، وتقديم اقتراح بصري شيق ولافت للنظر. لكن الأمنيات لا مكان لها على خشبة المسرح التي لا يصمد عليها إلا من تسلّح بكل الأدوات الممكنة للوصول بعرضه إلى بر الأمان.

وربما يمكننا خلال الحديث عن هذا العرض التوقف بشكل موسع عند التجريبية اللافتة والذكية التي خاضها المخرج يوسف الحشاش، غير أن هذا المدح لابد له أن يتراجع عند الانتقال من الحشاش المخرج، إلى الحشاش الممثل الذي لم يستطع حمل تفصيلات لعبته بالشكل الذي كان متوقعاً ومأمولاً منه.

الانطباع الأول الذي يفرض نفسه بعد فتح الستارة هو الفضول والدهشة، والشعور بأننا سنكون أمام لعبة ذكية تقوم على المكاشفة، والتأسيس لبنية بصرية قوامها التجريب والمغامرة التي هي في الأساس ميزة المسرح وجوهرته الثمينة. هذه الانطباعات تحققت في اللحظات الأولى من العرض، خصوصاً مع بداية اللعبة، الديكور، الإضاءة، حلول السينوغرافيا، كل شيء كان لافتاً ومبشراً، ومثار دهشة وإثارة للفضول. غير أن هذه الدهشة سرعان ما بدأت تخبو وتضيع مع انكشاف اللعبة وتكرارها، وتحوّل الظرف الإخراجي والادائي ليسير في اتجاه واحد؛ إذ يمكن القول إن شعلة هذا العرض بدأت تخبو مع انتقال المخرج من صانع عمل إلى مؤدٍ له على الخشبة.

إحدى أهم مشكلات هذا العرض تكمن في حالة المخرج الممثل؛ إذ إن هذه النوعية التجريبية من العروض تحتاج إلى أكثر من عين لتراقب وتضبط تلك اللعبة المكشوفة التي تسير على ما يمكن اعتباره حافة الهاوية. الممثل/المخرج بدا في لحظات كثيرة من العرض منفلتاً، حالات عدة كانت بحاجة إلى المزيد من الاشتغال على الداخل، وسبر عمق الشخصية المأزومة التي تمر بتجارب قاسية تؤدي بها إلى الجنون؛ لكن هذه الحالات مرت بشكل سطحي وعاجل لم تستطع ترك أثرها ومغزاها في الجمهور.

المأزق الأساسي الآخر في العرض؛ هو عدم العناية بالنطق ومخارج الحروف، ليصير ما يقوله الممثل أقرب إلى الطلاسم غير المفهومة، وضاعت علينا مساحات واسعة من الحوار لنتعقب القصة من خلال التقاط بعض الجمل من هنا وهناك لفهم الكلام الذي بدا على الممثل الاستعجال في قوله. حتى وإن كان في الأمر قصدية ما من الحشاش لتفعيل الحالة الدائمة من التوتر التي تحكم مفاصل العرض ومنطق الشخصية؛ إلا أن عدم فهم الحوار هو علة يصعب تجاهلها والتغاضي عنها.

استطاع يوسف الحشاش في هذا العمل أن يضعنا أمام شكل مسرحي اختباري، وأن يبدو متفرداً في حل إخراجي على درجة كبيرة من الخصوصية. كل المفردات الفنية في هذا العمل كانت على درجة من التميز؛ إذ نجح الحشاش المخرج، وأخفق الحشاش الممثل. ربما لو اكتفى هو بمتابعة عمله والسيطرة على ممثل يختاره لأداء العرض لكنّا أمام واحد من أبرز عروض هذه الدورة.

مسرحية «يوميات أدت إلى الجنون» تجربة تحسب لصاحبها الموهوب الذي قدم في مواقع مختلفة من العرض فرجة جميلة، ووضعنا أمام مشروع اجتهد صاحبه ليكون مميزاً ومختلفاً. تحقق له الاختلاف لكنه لم يستمر بسبب انشغال الممثل بأداء عرضه على حساب ضبط اللعبة الإخراجية، ووضعها دائماً على السكة الصحيحة.

يعود العرض الألماني «الحياة كحلم: سلفادور دالي» لفرقة «المسرح الروسي»، إلى مذكرات فنان استثنائي ومتفرد، ليقدم لنا ما يمكن اعتباره مكاشفة عميقة لمسيرة هذا الفنان الذي غيّر الكثير من المفاهيم التشكيلية في العالم، وتربع على ريادة المدرسة السريالية في العالم.

من اللحظة الأولى حاول العرض أن يؤسس لبنية غريبة العناصر من الناحية الفنية بما يتناسب مع عوالم دالي؛ الأكياس التي تغطي الملابس وتمتد لتغطي مساحة من الخشبة، تتقاطع مع السرياليات الفنية التي أنجزها دالي، وتتقاطع مع النتائج النفسية التي أراد العرض الخروج بها، وهو يغوص في سيرة فنان اتسمت حياته بالكثير من التحولات على صعيدي حياته الشخصية ومشروعه الفني.

إلى درجة كبيرة يبدو العمل كأنه يدور داخل دالي، ويتحرك في بنيته العصبية والفكرية، ويبدو أن نص هذا العرض يقوم على بنية استقصائية يقترب وبكثير من التفصيلات من عوالم دالي وآرائه وأفكاره التي كانت دائماً على درجة كبيرة من الاستفزاز، إضافة إلى تحليل غروره وأنانيته المفرطة، وشراهته للمال والمتع. كل هذه التفصيلات كانت موجودة في العرض الذي بدا في أحيان كثيرة أقرب إلى محاكمة لآراء دالي ومواقفه السياسية وارتحالاته بين بلده إسبانيا وباريس، وصولاً إلى هوسه الشديد بالشهرة، وهو صاحب المقولة الشهيرة «لا أطيق وجود أحد لا يعرفني».

مخرجة العرض إنا غوردون أسست المسرح بما يكفي من دلالات وأدوات لمساعدة الممثل بوراك آكوبون على الارتحال في سيرة ذاتية شائكة، لكن الممثل بدا في كثير من الأحيان بارد الأداء وربما غير قادر على امتلاك زمام الشخصية التي يؤديها، وكانت إشراقات الممثل منحصرة ببعض المشاهد التي استطاع فيها أن يكون مقنعاً ومؤثراً.

بدا الممثل على درجة كبيرة من الامتثال لقواعد وخطة عمل صارمة؛ الأمر الذي ترك أثره الواضح في حيوية الأداء وطريقة التعبير عن شخصية ساخرة ومتناقضة حد الكوميديا المفرطة. وفي أماكن أخرى من مفردات العمل تحولنا من رصد لسيرة ذاتية إلى محاكمة وصلت حد الاستهزاء، وتطورت هذه المحاكمة من جانبها الشكلي إلى تأثيراته الفكرية ومرجعياته الثقافية والمعرفية. في هذا العرض يتشظى دالي إلى أكثر من شخص عبر التماثيل الرأسية التي تم توظيفها لعرض الحالات التي مر بها، والأشخاص المؤثرين في حياته وعلاقاته العاطفية اللاهبة التي مر بها، وانتهت بالكثير من الخيبات والأزمات النفسية.

وصل العرض في نهايته إلى مرحلة متطرفة من الحكم؛ إذ قام الممثل باستخدام كرات ملونة لرمي المشهد السريالي الذي شكله وسط الخشبة، وهو تجسيد مبسط لإحدى لوحات دالي، بدا الأمر كأنه تنفيذ حكم الرجم، لكن ما دام الممثل هو دالي نفسه فإن المعنى يضعنا أمام ما يمكن اعتباره حالة الشك الكبيرة التي عاشها دالي تجاه نفسه ومشروعه البصري الذي أنجزه. لكن، وفي جميع الأحوال، يظل دالي الصاخب صاحب المقولة الشهيرة «إن الموت بعد حياة حافلة هو تماماً كالنوم بعد يوم عمل طويل».


في الكويت.. «مهرجان زميل»

نظم الوفد الكويتي المشارك في الدورة السادسة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، مؤتمراً صحافياً على هامش فعاليات المهرجان، أعلن خلاله عن انطلاق الدورة الأولى من مهرجان الكويت للمونودراما.

وأشار عبدالعزيز السريع إلى أن مهرجان الفجيرة أنتج مهرجاناً زميلاً له هذه الدورة في الشقيقة الكويت، وستعقد دورته الأولى بعد الجهد الخلاق الممارس بالفجيرة. وتمنى، أن يكون هذا الوليد مثمراً، يضيف وينجز أعمالاً متميزة، لافتاً إلى أن مهرجان الكويت للمونودراما سيكون زميلاً لمهرجانين كويتيين يدعمان الفن والفنانين وكل أنواع الإبداع، ويتولى أمره الفنان جمال إبراهيم اللهو.

من جهته، أشار جمال إبراهيم اللهو إلى أن مهرجان المونودراما بالكويت سيمتد من الرابع إلى الثامن من مارس المقبل، معتبراً أنه نتاج لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، بعدما كانت فكرته حاضرة منذ 2003، فكان الحرص كبيراً على متابعة مهرجان الفجيرة بشغف. وأضاف اللهو أن الفجيرة عاصمة المونودراما في نظره ومهرجان الكويت سيتابع مسيرتها على خطى ثابتة ساعية وراء النجاح.

وقال إنه اتجه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وتلقى الدعم اللازم والمساندة منهم، وكذلك موافقة من الجهات المختصة، وسيكون المهرجان فضاءً يحتفي بالشباب والطلبة، ووجه الدعوات للفرق الأهلية ومؤسسات مهتمة ومختصة، ولجمعية المسرحيين من السعودية وبالتحديد الطائف. الفجيرة ــ الإمارات اليوم

تويتر