البرامج المستنـــسخة ترفض العناوين العربية
شهدت السنوات القليلة الماضية تنامي ظاهرة لجوء قنوات فضائية عربية عديدة إلى شراء حق استغلال فكرة برامج غربية عديدة، معظمها في مجالات المسابقات واستكشاف المواهب، ورغم أن هذا التبادل كان في اتجاه واحد دائماً، ممثل في شراء القناة العربية للمنتج الغربي من دون وجود نموذج واحد لتسويق المنتج الإعلامي العربي، إلا أن معظم تلك البرامج في ثوبها العربي أخذ طابع الاستنساخ الذي لم يستثنِ حتى نسخ العنوان بصيغته الانجليزية.
ومع انتشار شعبية هذه القنوات وتداولها، أدخلت عناوين تلك البرامج، مفردات أجنبية عديدة إلى اللغة العربية، لدرجة أن مفردة «عرب» نفسها، صارت لدى قطاع من الشباب تتداول بصيغتها الأجنبية «آراب»، تأثراً بعنوان برنامج استكشاف مواهب مستنسخ، من دون أن تكون الترجمة إلى العربية في الحسبان لعبارة «آراب جود تالينت»، لتستبدل أيضاً مفردة «الموهبة» بمرادفتها في اللغة الانجليزية.
فاروق شوشة: مرض لغوي وصف الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة، الشاعر فاروق شوشة، ظاهرة استقطاب مفردات أجنبية إلى الحياة اليومية من خلال برامج تلفزيونية جماهيرية بـ«المرض اللغوي» الذي يجب التحصن منه، مشيراً إلى أن «حالة التأثر بلغة الآخر، وانعدام التأثير المتبادل، ظاهرة شديدة الخطورة، وتلقي بظلالها على سلامة لغة النشء خصوصاً». وطالب شوشة بتفعيل بنود في ميثاق الشرف الإعلامي تضع سلامة اللغة ضمن أولويات ممارسة أي عمل إعلامي. علي الرميثي: لا برامج مستنسخة رفض مدير تلفزيون دبي علي الرميثي مصطلح «البرامج المستنسخة»، في الإشارة إلى عدد من البرامج الأجنبية التي يتم شراء حقوق إنتاج نظير عربي يستثمر فكرتها وآلياتها نفسها. وأضاف الرميثي «لا يمكن القبول بمصطلح (مستنسخ) في حال كان الهدف الوصول إلى محتوى متميز ومبدع، لذلك فإن جميع برامجنا في هذا الإطار، تبقى متفردة من حيث المحتوى». واعتبر الرميثي استخدام اسم البرنامج الغربي في هذا الإطار استثماراً مشروعاً لرواجه عالمياً. |
وما بين واقع تفرضه قنوات فضائية في التمسك بعناوين تلك البرامج بصيغتها الأجنبية، باعتبار شهرتها الواسعة التي تفيد الترويج للبرنامج العربي، وتثبت مشروعية شراء حق استغلاله في نسخة عربية، وواقع آخر يؤكد من خلاله المهتمون باللغة العربية خطورة استسهال استخدام المصطلح الأجنبي في الحياة اليومية، بما في ذلك عناوين البرامج التلفزيونية، يبقى غياب القدرة على صناعة منتج إعلامي فضائي عربي مستقل، يلبي حاجة قطاع القنوات الفضائية، أحد اهم أسباب استيراد «البرامج الجاهزة».
قائمة البرامج التي فرضت عناوينها الأجنبية على المشاهد العربي، طويلة، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على البرنامج اليومي لقناة ما، كي نستشرف بعضها، ومن بين عشرات الحوارات الصحافية والتلفزيونية التي دارت حول برنامج «الصوت»، فإن البحث عبر محرك البحث «غوغل» وموقع «يوتيوب»، فشل في إيجاد أي محتوى إعلامي عربي لم تستخدم فيه المفردة الانجليزية «ذا فويس» .
ولم يستطع أي شخص من بين 10 من مشاهدي برنامج مسابقات على قناة «إم بي سي»، استحضار الترجمة العربية التي تؤشر إلى برنامج«محبوب العرب»، نظراً إلى أن المحتوى الدعائي بالكامل للبرنامج كان يرسخ عنوانه باللغة الانجليزية «آراب آيدول»، في حين أن الترجمة العربية كانت ترد بعد ذلك عرضياً في وصف الفائز بالبرنامج، في كل نسخة، باعتباره «محبوب» أو «محبوبة» العرب.
ظاهرة الاعتماد على عنوان البرنامج المستنسخ من دون اللجوء إلى ترجمة، أو مصطلح مرادف، لا تقتصر على القنوات الخاصة فقط، بل طالت أيضاً القنوات الفضائية التي تنتمي إلى قطاعات حكومية، بل إن برنامج مثل «تاراتاتا»،الذي حافظ على وجوده على مدار سنوات متتالية على قناة «دبي» الفضائية حقق جماهيرية كبيرة، وكان بادرة للالتفات إلى شعبية هذه البرامج، لكن المبرر هنا كان أن عنوان البرنامج لا يشير إلى معنى بعينه، وتؤشر بنيويته اللغوية إلى الارتباط بالموسيقى.
النجاحات التي حققتها هذه النوعية من البرامج، دفعت إلى شراء المزيد منها، وبمرور الوقت لم يعد من المقبول أن تتم الإشارة إلى برنامج ما بصيغته العربية، بل إن هناك إشكالية أخرى برزت في أن الترجمة الحرفية التي قد تلجأ إليها وسائل إعلام تجد حرجاً في استخدام المصطلحات غير المعربة، قد لا تعكس حقيقة معنى البرنامج، في ظل عدم أحقيتها في اللجوء إلى ترجمة اصطلاحية مبتكرة، فالترجمة إلى «المكعب» الذي يعرض على قناة دبي، بدلاً عن مفردته الانجليزية «ذا كيوب» قد لا يوافق وجهة النظر المهتمة بالترويج للبرنامج، وهو الأمر نفسه الذي يرتبط ببرنامج «المنتصر»، الذي يقدمه مارادونا على شاشتي «دبي» و«دبي الرياضية» تحت مسمى «ذا فيكتوري».
مدير قناة دبي الفضائية، علي الرميثي، من جانبه أكد رفضه أي محاولة لتشويه اللغة العربية تحت أي مسمى، بما في ذلك عناوين البرامج التلفزيونية، مضيفاً: «سلامة اللغة العربية تبقى أولوية لدى القناة، وفقاً لاستراتيجية مؤسسة دبي للإعلام، التي تحقق الاستراتيجية الوطنية بهذا الصدد، واعتبار العربية مكوناً رئيساً من مكونات الهوية الوطنية».
وأضاف الرميثي: «هناك اعتبارات ملزمة في ما يتعلق بعناوين بعض البرامج، كما أن هناك اعتبارات ترويجية مرتبطة بخلفية الجمهور عن فكرة البرنامج في الإعلام الغربي، وهو أمر من الإيجابي أن يتم استثماره، في حال تحمل المؤسسة كلفة شراء حق استغلاله عربياً».
المتحدث الإعلامي باسم مجموعة «إم بي سي» الإعلامية، مازن حايك، يرى أنه لا مجال تلفزيونياً لشراء حقوق إصدار نسخة عربية من برنامج عالمي، من دون الاستفادة من حالة الرواج الإعلامي التي حققها البرنامج، مضيفاً: «الرهان بالنسبة لنا يبقى بشكل أكبر على المحتوى، في حين أن شكل البرنامج يظل مرتبطاً بصيغته الأساسية التي بناء عليها تم توقيع عقود استغلال فكرته من قبل (إم بي سي)». أمين عام مجمع اللغة العربية في القاهرة، الشاعر فاروق شوشة، الذي يعد أحد أعضاء لجنة تحديث تعليم اللغة العربية، التي أمر بتشكيلها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، برئاسة الدكتور فاروق الباز، رفض أي حجة لتمرير مصطلحات أجنبية في سياق عربي بعيداً عن آليات محددة تقرها المجامع اللغوية، وفق ضوابط صارمة، سواء من خلال التعريب أو غير ذلك، مضيفاً: «وجود مصطلحات دخيلة في القاموس اليومي للمجتمعات العربية، يعني أن هناك مصطلحات أصيلة في المقابل يتم تجنيب استخدامها».
وفي الوقت الذي أشاد فيه شوشة بجهود الإعلام عموماً، والصحافة المكتوبة خصوصاً، في الحفاظ على اللغة العربية، وتقريب الفصحى وتبسيطها للاستخدام اليومي، حذر من خطورة الانزلاق إلى استخدام المفردات الدخيلة من دون ضوابط، وما يمكن أن يعكسه ذلك على سلامة اللغة، خصوصاً لدى النشء الذي يعاني من الأساس هيمنة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية على منابر التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
مازن حايك: حق مشروع
|
دافع المتحدث الإعلامي لمجموعة «إم بي سي» الإعلامية، مازن حايك، عن استخدام عناوين البرامج الأجنبية ذاتها، في حال إنجاز برنامج عربي مماثل لها، مضيفاً: «لا يمكن التغاضي عن الاسم العالمي واستثمار شهرته بعد توقيع عقود بمبالغ مالية طائلة لتوفيره للمشاهد العربي».
وأضاف مدير العلاقات العامة في مجموعة «إم بي سي»: «لا نعترف بمفهوم (النسخة)، وننطلق بالأساس من منطلق كوننا قناة تفخر بلغتها العربية، لكن الأهم من العنوان من وجهة نظري، محتوى البرنامج، ومدى نجاحنا في إثبات أننا قادرون على إنجاز محتوى مميز، في حين أن هناك شروطاً في شكل و(فورمات) البرنامج لا نستطيع تجاهلها، وتعد ملزمة بموجب عقد موقع مع الجهة صاحبة الملكية الفكرية للبرنامج».