معرض للسودانية داليا محمود في «قصر الإمارات»

«الرحمانيات».. رسائل فنية ثرية بالرموز

الفنانة عمدت إلى طرح قراءات ذاتية بصرية تجمع بين اللون والتشكيل والحروفيات وهي ثمرة مشروع استمر خمسة أعوام. تصوير: نجيب محمد

من يطلع على أعمال الفنانة السودانية، داليا محمود، التي يتضمنها معرض «الرحمانيات»، الذي افتتح مساء أول من أمس، في «قصر الإمارات» في أبوظبي، يدرك أن لوحات المعرض ليست مجرد أعمال فنية، لكنها رحلة فكرية ونفسية وروحية مرت بها الفنانة، وعمدت إلى تجسيد خلاصة هذه الرحلة في أعمالها، واستخدمت الحروف لترمز للمعاني الخفية في بعض سور القرآن الكريم، وهي معانٍ تبعث السكون والطمأنينة في نفس المتلقي، وتؤكد عظمة الخالق.

ففي اللوحات التسع، التي تضمنها المعرض، الذي نظمته مؤسسة «إن 2 إن»، تحت رعاية رئيس مجلس إدارة المؤسسة، حامد بـن محمد خليفة السويدي، ويستمر حتى الثامن من مارس المقبل، تعمد الفنانة إلى طرح قراءات ذاتية بصرية تجمع بين اللون والتشكيل والحروفيات، هي ثمرة مشروع استمر خمسة أعوام، ويجمع بين التصوير والزخرفة، والخط، والتصميم الرقمي والرسم، حاملة بداخلها رسالة إيمان وتسامح للجميع.

ليس من السهل فك رموز لوحات داليا محمود من دون الاستعانة بتلك المفاتيح الخاصة التي تمنحها الفنانة للمتلقي في تعليقها المصاحب لكل لوحة، فمعظم الأشياء تكتسب في أعمالها مفهوماً ما، بما في ذلك الألوان وعلامات التنوين، التي تكتسب دلالات محددة، وتتكرر في اللوحات، مثل وجه المرأة وألوان الأسود والأحمر والذهبي.

مفاتيح

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/02/98221.jpg

ليس من السهل فك رموز لوحات داليا محمود من دون الاستعانة بتلك المفاتيح الخاصة التي تمنحها الفنانة للمتلقي في تعليقها المصاحب لكل لوحة، فمعظم الأشياء تكتسب في أعمالها مفهوماً ما، بما في ذلك الألوان وعلامات التنوين، التي تكتسب دلالات محددة، وتتكرر في اللوحات، مثل وجه المرأة وألوان الأسود والأحمر والذهبي.

ففي لوحة يطغى عليها اللونان الأحمر والأسود، مع مداخلات للذهبي والأبيض، ويظهر نصف وجه امرأة، عمدت داليا محمود إلى ترجمة الشد والجذب بين الخوف والعفو في رحلة الحياة اليومية، إلى لغة بصرية ملموسة في اللوحة من خلال تنويع سطح اللوحة بين الخشونة والنعومة، واستخدام طبقات عدة من الطلاء، في حين ترمز المنحنيات إلى السجود طلباً للعفو الذي يجاهد الإنسان في طلبه.

في لوحة أخرى، تقدم الفنانة السودانية تجسيداً جديداً لرحلة الحياة، مستخدمة هذه المرة علامات التنوين التي تكتسب معاني جديدة، ففي اللوحة التي تكتنفها حالة من السكون، استمدتها من اللون الأسود الذي يغطي فراغ اللوحة بالكامل، لا يكسر هيمنته سوى وجه امرأة ويديها، بينما أحاطت علامات التنوين بكفيها ورقبتها، مثل الشدّة التي ترمز للقوة، والسكون التي تمثل الصبر والتحمل والطمأنينة وقوة الإيمان، إذ تتجمع هذه العلامات والرموز لترسم معاً معالم رحلة الحياة.

الأسود والأخضر أيضاً يظهران في لوحة «طه» التي تحكي رحلة البشرية، بداية من آدم عليه السلام، مروراً بموسى وهارون، عليهما السلام، ورحلتهما القاسية، ومن هاتين القصتين استلهمت الفنانة رموزاً تشكيلية كالسحر والثعابين وانشقاق المياه، بينما يشير الأخضر الموشّى بالذهب إلى الجنة.

قصة سيدنا موسى أيضاً كانت موضوع لوحة أخرى تصدرتها آية قرآنية تتعلق بقصة سيدنا موسى، ومن القصة استمدت تفاصيل اللوحة التي برز فيها اللون الأبيض ليمثل نهر النيل بأمواجه المتلاطمة، والجبال المقدسة معالم رحلة الخلاص التي ربما تشمل كل البشر في كل الأماكن والأزمان.

ومن قصة يوسف استلهمت داليا محمود تفاصيل لوحة لم يغب عنها، مثل بقية اللوحات، اللون الأسود ونصف وجه المرأة، التي ارتسمت عينها بالكحل الفرعوني، وفي فضاء اللوحة تناثرت رموز القصة مثل الكواكب والشمس والقمر، إلى جانب سورة يوسف بأكملها. ولم تغب سورة مريم عن لوحات المعرض، ومنها استمدت محمود لوحة هي الوحيدة التي ظهر فيها وجه امرأة كاملاً، وليس جزءاً منه، وحملت ملامح الوجه الهادئة معاني عدة؛ مثل الصبر وجمال الروح والنقاء، وبينما تشير الحروف التي تفتتح السورة مع اللونين الأخضر والذهبي إلى الطمأنينة والسلام، عبرت الفنانة عن القوة بملمس اللوحة واستخدامها لأداة «السكون».

وبمناسبة المعرض، الذي حضر افتتاحه الشيخ بطي بن حامد آل حامد، والشيخ خليفة بن حامد آل حامد، ورئيس الخزانة في شركة سيمنز الشرق الأوسط، أولريتش شيسل، والفنانة التشكيلية الإماراتية، بدور آل علي، أشار رئيس مجلس إدارة مؤسسة إن 2 إن غاليري، حامد بن محمد خليفة السويدي، في تصريح له، إلى أن «المعرض يمثل تلاقي وتكاتف الحضارات في مختلف السمات والثقافات، بما يبرهن للعالم أجمع أن شعب الإمارات الأبي، من مواطنين ومقيمين، يرسي دعائم الود والإخاء والمحبة والسلام مع جميع أطياف المجتمع في مدينة أبوظبي، المدينة المضيافة الكريمة الطيبة»، وأضاف «من منطلق ترسيخ مكانة أبوظبي عاصمة للثقافة نشجع ونتبنى المواهب العربية الشابة من كل الفئات والموهوبين، لنحافظ على التراث الإنساني والتاريخي الطبيعي، إضافة إلى الجانب الثقافي والترفيهي والسياحي. وسنحرص كل الحرص دائماً على وجود البيئة الثقافية في الفن التشكيلي لتقديمها بشكل راقٍ يخدم الثقافة والفن في بلدنا، ويبرز وجه الإمارات المشرق في أنحاء المعمورة».

سيرة

داليا محمود فنانة من السودان حاصلة على جوائز عدة، أسهمت خلفيتها متعددة الثقافات في تطوير موضوعاتها وأسلوبها الانتقائي متعدد الوسائط.

وهي تحمل درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة مع مرتبة الشرف في التصميم الغرافيكي، وكذلك درجة الماجستير في الفنون والماجستير في الفنون الجميلة بدرجة امتياز في التصوير الرقمي، والتصوير، والتصوير بالفيديو.

وأقامت داليا العديد من المعارض في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا.

وهي تقوم بنجاح بالتوجيه الإبداعي لحملات متنوعة على المستوى القومي، وتشغل مناصب تدريسية في الجامعة الأميركية في الكويت ومعهد واشنطن للفنون.

رعاية

تسع لوحات يتضمنها معرض «الرحمانيات»، الذي نظمته مؤسسة «إن 2 إن» تحت رعاية رئيس مجلس إدارة المؤسسة، حامد بـن محمد خليفة السويدي، ويستمر حتى الثامن من مارس المقبل. ورأى السويدي أن المعرض يمثل تلاقي وتكاتف الحضارات في مختلف السمات والثقافات، بما يبرهن للعالم أجمع أن شعب الإمارات الأبي، من مواطنين ومقيمين، يرسي دعائم الود والإخاء والمحبة والسلام مع جميع أطياف المجتمع في مدينة أبوظبي.

تويتر