ترميم «قصر الحصن».. تحديات الحفاظ على رمزيته التاريخية
قال رئيس قسم الترميم بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، حسام مهدي، إن أعمال الترميم التي تجري في «قصر الحصن» تتم وفق مبدأ احترام المواثيق الدولية، كما تتم وفق قيم وأهمية المبنى الذي يعد من أهم مباني أبوظبي من الناحية التاريخية والرمزية والسياسية والاجتماعية، فهو الدليل المادي الباقي في مدينة تتسم بالتطور السريع، مؤكداً خلال الجلسة التي عقدت مساء أول من أمس، ضمن فعاليات برنامج «حلقات نقاش قصر الحصن»، تحت عنوان «مراحل بناء وتطوير قصر الحصن»، على حرص القائمين على الترميم على تحديد القيم التي يمثلها المبنى وإشكاليات الحفاظ عليه، وبناءً على الاثنين يتم العمل، إضافة إلى فهم المبنى وتاريخه والطبقات المختلفة التي يتكون منها، واشكاليات الحفاظ على الجدران التي بُني جزء منها بالصخور المرجانية، وجزء آخر حديث بالملاط وعناصر حديثة.
وأضاف: «هناك أيضاً السياق العمراني والاداري للموقع، لدينا المجمع الثقافي من جهة ومبنى المجلس الاستشاري، ومن الملاحظ أن مبنى قصر الحصن يتجه نحو القبلة، في حين الشوارع المحيطة به تتخذ اتجاهاً آخر، وهو مؤشر الى أن بناء الحصن سابق زمنياً، بينما يقف مبنى المجمع الثقافي شاهداً على حركة التحديث الثقافي، بما يزيد من الثقل الثقافي لهذا المربع العمراني»، مشيراً إلى أنه من المعتاد في المباني التاريخية ان يكون المبنى الذي يقع في الداخل هو الأقدم، ولكن قصر الحصن يمثل إشكالية مختلفة، فالمبنى الداخلي يرجع إلى الثمانينات، بينما يرجع المبنى الخارجي المحيط بالمكان إلى الأربعينات. وأشار مهدي إلى أن من صعوبات الترميم في القصر هو تعدد فترات البناء الزمنية بما يؤدي إلى تداخل القيم المعنوية، كما يتداخل النسيج المادي للمبنى، فهناك طبقات تعود إلى 1908، وهي مصنوعة من خامات معينة، من جهة أخرى شهد الحصن عمليات إعادة تأهيل في فترة الثمانينات ليصبح مقراً للمركز الوطني للوثائق، وتم استبدال البراجيل من الناحية الوظيفية بأجهزة التكييف، ووضع زجاج على النوافذ، وهو ما يضع القائمين على عمليات الترميم أمام اشكالية؛ هل يتم إرجاع القصر إلى حالته قبل التأهيل، أم يحافظ على التغيرات التي أجريت بما يجعله يتناسب مع طبيعة العصر، لافتاً إلى أن عملية تأهيل المبنى في الثمانينات هي الأولى من نوعها التي تتم بشكل واعٍ وتعامل واضح مع المبنى كتراث يجب الحفاظ عليه وليس فقط تأهيله لإعادة استخدامه، بما يمثل علامة في تاريخ أبوظبي بأن هناك قراراً سياسياً واعياً بالحفاظ على التراث المعماري، وفي المرحلة نفسها تم بناء المجمع الثقافي وهو تجسيد لرؤية ثقافية حداثية، بما يوضح أن هناك رؤية لمدينة أو دولة تعتبر الثقافة والتراث ركيزتين أساسيتين، دولة تهتم بالماضي وتتطلع إلى المستقبل.
مراحل استعرض مارك كيفن المراحل المتعددة التي مر بها قصر الحصن منذ فترة حكم الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان، الذي بنى البرج الأول، ثم الشيخ شخبوط بن ذياب، الذي بنى المربعة المجاورة، ثم مرحلة التوسعة الكبيرة على يد الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان. |
وأوضح حسام مهدي أن عمليات الترميم لابد أن تكون في إطار التدخل الأدنى، أي أن يكون التدخل أقل ما يمكن، وأن يكون قابل للاسترجاع، أي الرجوع لحالة ما قبل الترميم اذا ما وجدت فيها إشكاليات، إلى جانب أمور أخرى يجب مراعاتها حتى يمكن الحفاظ على الأصالة والتكاملية كمبنى مهم في اطار خطة الحفاظ عليه، وهو ما يتطلب فهماً كاملاً للمبنى، والاستعانة بالبحث والتنقيب والوثائق والصور القديمة والتاريخ الشفاهي للوصول إلى أشمل فهم ممكن للمبنى، حتى يمكن إعادته للحياة الثقافية والاجتماعية بشكل فاعل، وهو تحدٍّ ضخم بقدر تعدد المعطيات والاشكاليات المرتبطة به.
وقدم رئيس القسم الهندسي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، مارك كيفن، ورئيس قسم المباني التاريخية بالهيئة، بيتر شيهان، عرضاً عن مراحل تطور بناء قصر الحصن، بداية من انتقال قبائل بني ياس إلى الجزيرة بعد اكتشاف بئر الماء فيها، وشجعهم على ذلك موقع جزيرة أبوظبي التي يسهل الدفاع عنها وحمايتها، وقد تم بناء برج مراقبة من الجهة الغربية للجزيرة في منطقة المقطع، كما بُني برج مراقبة في الحصن، كما استعرضا النظريات الهندسية والمعمارية التي استخدمت في بناء الحصن، والخامات التي استمدت من البيئة، مثل الاحجار المرجانية وأشجار المانجروف وسعف النخيل التي كانت تحفظ درجة الحرارة منخفضة داخل المبنى، وتشابه مبنى قصر الحصن مع مبانٍ أخرى في مدينة العين، خصوصاً قلعة الجاهلي.
وأوضح كيفن وشيهان في عرضهما، الذي صحبته صور فوتوغرافية قديمة ومخططات لقصر الحصن، أن قصر الحصن مر في تطوره بست مراحل للبناء، وقد حمل في تصميماته الهندسية والمعمارية ملامح العمارة الخليجية، مثل وجود مدخل للرجال ومدخل منفصل في الجنوب للنساء، استخدام البراجيل للتهوية، والفصل بين أماكن السكن وأماكن الخيول، لذا هو «بناء ذكي».
استكشاف
أوضح رئيس قسم المباني التاريخية، بيتر شيهان، أن مبنى قصر الحصن مازال يحمل الكثير من الاسرار والامور التي تستحق الاكتشاف، وهو ما قد يغير الكثير من الأفكار، وهناك أماكن أخرى في جزيرة أبوظبي لم تمس حتى الآن، لذا يجب أن تسير عمليات الكشف قدماً وبشكل دقيق.
صعوبات
أشار حسام مهدي إلى أن من صعوبات الترميم هو تعدد فترات البناء الزمنية بما يؤدي إلى تداخل القيم المعنوية، كما يتداخل النسيج المادي للمبنى، فهناك طبقات تعود إلى 1908، وهي مصنوعة من خامات معينة، وشهد الحصن إعادة تأهيل في الثمانينات.