«مركز حمــدان بن محمد» ينفتح على الجمهـــور لنشر التراث

بعد أن أنهى الاحتفاء بمرور عامه الأول، أعلن مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، بشكل عملي، انفتاحه على جميع وسائل التواصل الممكنة مع الجمهور من أجل نشر التراث المحلي وإحيائه، وضمان تناقله، والتعاطي معه من قبل الأجيال المتلاحقة، فإلى جانب البطولات التراثية والبرامج التلفزيونية، وتخصيص إذاعة مستقلة لهذا الغرض، فضلاً عن إصدار موسوعة شعرية صوتية متميزة، جاء الكشف عن استعداد المركز لإصدار مجموعة من المؤلفات المكتوبة لتكمل دائرة المرئي والمسموع والمقروء في علاقة المحتوى المعلوماتي بالمتلقي.

تراث بالوسائل الثلاث

بدخول مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث عالم الكتاب المقروء من خلال إصدارات الكتب، يكون المركز ساعياً إلى تحقيق رؤية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، الهادفة إلى حفظ وصون الموروث الثقافي، ودعم تناقله بين الأجيال المتعاقبة، من خلال المرئي والمسموع والمقروء، إلى جانب البطولات التراثية التي تنقلها وسائل الإعلام المرئية ممثلة في قناة «سما دبي» خصوصاً، وتدشين إذاعة محلية هي «الأولى» مخصصة للتراث المحلي، وكذلك إطلاق موسوعة شعرية صوتية قامت بإعدادها د.رفيعة غباش.

متعة وفائدة

قال مؤلف كتاب «النبطي الفصيح.. غوص في لغة الشعر النبطي»، الشاعر سالم الزمر، إنه سعى في مؤلفه إلى الجمع بين عنصري المتعة والفائدة، مضيفاً: «سعيت لأقدم للقارئ متعة الشعر وفائدة اللغة، فالمتعة يجدها في نصوص من عيون الشعر النبطي، أما فائدة اللغة فعبر الاطلاع على ما قاله إمام اللغة العربية القاضي ابن منظور في كتابه (لسان العرب)، وغيره عن تلك الألفاظ، وما أوردوه من شوارد الشعر العربي شاهدة على ذلك».

وأعرب الزمر عن سعيه ليكون هذا العمل خطوة أولى في سلسلة يتتبع فيها تلك الألفاظ العربية في الشعر النبطي، لتكون ذخراً ومرجعاً ودلالة على عروبة الشعر النبطي، وارتباطه بأصله العربي لغة كما هو مرتبط بها عروضاً ووزناً وروحاً.

جاء ذلك خلال لقاء إعلامي دعا إليه المركز الذي يلقى دعماً ورعاية مباشرة من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، في ضوء رؤية سموه الداعمة لكل الجهود التي تصب في إطار دعم الهوية الوطنية، في مقدمتها الموروث المحلي، إذ تضمن اللقاء الذي استضافته قاعة بني ياس في فندق جراند حياة بدبي، توقيع أول إصدارات المركز، وهو كتاب «النبطي الفصيح» لمؤلفه الشاعر سالم الزمر.

ويأتي الكشف عن ذلك بعد أقل من 48 ساعة من الكشف عن مؤلف جديد يختزل جهداً مميزاً لنائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بلال البدور، استمر نحو 30 عاماً، هو «موسوعة شعراء الإمارات»، في مؤشر واضح إلى نشاط ملحوظ من قبل الباحثين في مجال الشعر المحلي عموماً بالنسبة لمؤلَّف البدور، والنبطي بصفة خاصة في ما يتعلق بجهد سالم الزمر.

وسعى الزمر في إصداره إلى الربط بين النظرية والتطبيق من خلال استقراء قصائد من دواوين لشعراء من حقب مختلفة، بدءاً من جيل الرواد، مروراً بالمحدثين، ووصولاً إلى المعاصرين، فقد أورد الزمر أعمالاً من دواوين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وعدد من الشعراء، منهم الماجدي بن ضاهر، ومبارك العقيلي، وراشد الخضر، وأحمد بوسنيدة، وسعيد بن عتيج الهاملي، وغيرهم، ليدلل على صدق فرضيته البحثية، وهي أن الفصل بين لهجة الشعر الشعبي المحلي وبين اللغة العربية الفصحى، فصل تعسفي، لأن تلك اللغة هي اللغة الأساسية له، باستثناء خضوعها لاعتبارات تتعلق بخصوصية اللهجة، وبعض الظواهر اللغوية المعروفة في علم اللغة، مثل الإبدال والقلب، وغيرهما.

وأحصى الزمر نحو 290 مفردة وردت في الشعر النبطي المحلي على مر التاريخ، مستشهداً أولاً بقصائد الشعراء الإماراتيين التي وردت فيها هذه المفردة ومعناها، ثم يناقش أصل هذه المفردة في اللغة العربية الفصحى كما شرحها معجم «لسان العرب» لابن منظور، وكتب اللغة الأخرى، ومن ثم يقدم الدلائل سواء من كتاب الله العزيز أو السيرة والأحاديث النبوية الشريفة، وكذلك من التراث اللغوي والأدبي والشعري العربي، الذي يؤكد أن هذه المفردات ذات جذور ضاربة في العمق في اللغة العربية الفصيحة، وتقدم المعنى الأصلي ذاته.

وأكد الزمر على الانتماء العربي الأصيل للقبائل الإماراتية التي هاجرت من الجزيرة العربية، إذ تتحدث هذه القبائل لهجات عربية تغلب عليها في الوسط والجنوب خصوصاً لهجة واحدة تختلف أحياناً في بعض نطق حروفها ومخارجها حتى في الإمارة الواحدة، إذ يؤكد أن لهجة الشعر النبطي عموماً في الإمارات، التي هي غالباً لهجة المناطق الوسطى والغربية، متشابهة وتتميز عن بعضها في بعض الكلمات.

وتماشياً مع رؤيته الرامية إلى تعزيز التراث الوطني الإماراتي وتناقله بين الأجيال والتعريف به على المستويين الإقليمي والعالمي، أصدر مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، المركز المعتمد والموثوق لحفظ ونشر التراث الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، كتاب «النبطي الفصيح.. غوص في لغة الشعر النبطي» للشاعر والباحث الإماراتي سالم الزمر، الذي يشغل أيضاً منصب المستشار الثقافي للدراسات والأدب الشعبي في المركز.

ويمثل هذا الكتاب المكون من 275 صفحة جهداً مميزاً من الباحث لتأكيد حقيقة ارتباط الشعر النبطي باللغة العربية الفصيحة، وأن هذا اللون من الشعر الذي يعرف أيضاً بالشعر البدوي كان نتاجاً طبيعياً لهذه العلاقة الراسخة والوطيدة التي لا ينفك عنها، خصوصاً أن ألفاظ الشعر النبطي ما هي إلا العربية الفصحى الأصيلة التي تزخر بها مراجع اللغة العربية وأمهات الكتب، والتي من بينها كتاب الله العزيز، والأحاديث النبوية وكتب السير والأشعار التاريخية والمعاصرة، ومن بينها هذه المفردات على سبيل المثال لا الحصر: جَعد، الخَرَس، دِساسِة، دَن، أصمَخ، وَحا، تخديد، شَت، وِشَر، مَراضيف، فوعَة، زِفُوف، البَجس، نِشَد، دَجران، العرقوب، السَيح، عِدَف، يهوش، لَز، خاز، شِريب.

وأشار الزمر إلى أنه سعى في مؤلفه ليؤكد أن الشعر الشعبي ليس بدعاً من الشعر، وليس هجيناً بعيداً عن اللغة العربية، بل هو انها لأن لغته لغتها لولا تحلل من قواعد النحو والصرف في العربية الفصحى وشعرها، كما قال المفكر ابن خلدون في مقدمته التي وصف فيها الشعر النبطي بالشعر البدوي، وأما ألفاظه فما هي إلا العربية الأصيلة التي تزخر بها مراجع اللغة العربية وأمهات الكتب.

وحول منهجه البحثي في هذا العمل أشار الزمر إلى أنه سعى أولاً لاستقصاء تلك الألفاظ التي يظنها متذوق الشعر عامية غير فصيحة، وردّها إلى أصلها الفصيح مستعيناً بالقرآن الكريم ومعجم «لسان العرب»، وغيره من كتب اللغة، مورداً قبل إيراد اللفظ أبيات شعراء النبط الإماراتيين، ونُبذاً من قصائدهم، كما أورد عند الرجوع إلى المراجع اللغوية شواهد على تلك الألفاظ من الشعر العربي الفصيح والآثار القرآنية وآثار من الحديث النبوي الشريف، وأدلة اللغويين على فصاحتها، وغير ذلك.

وأكدت مدير إدارة الدراسات والبحوث في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، الدكتورة أمينة الظاهري، أن الإصدار الجديد يمثل دراسة أصيلة وبحثاً معمقاً واستقراءً دقيقاً لحقيقة العلاقة التاريخية والتسلسل الزمني المنطقي للشعر النبطي الذي استمد جذوره وأصوله التي لا يمكن له أن يفترق عنها البتة من اللغة العربية الفصيحة، ومفرداتها الرائعة ومعانيها الزاخرة، مشيده بالجهود الكبيرة التي بذلها المؤلف بالاعتماد على كم كبير من المصادر اللغوية والشعرية والتاريخية بهدف إثبات هذه الحقيقة التي ربما تكون غائبة عن اعتقاد الكثيرين من المهتمين بهذا اللون من الشعر العربي الأصيل.

وأضافت: «من المؤكد أن كتاب (النبطي الفصيح... غوص في لغة الشعر النبطي) يمثل إضافة مهمة وبحثاً ودراسة شاملة ستثري المكتبة العربية ومراكز الأبحاث والدراسات المعنية بالتراث الأدبي والشعري واللغوي لثقافة المنطقة بشكل عام ودولة الإمارات بشكل خاص، من خلال ما يتميز به الكتاب بين دفتيه من موضوعات قيمة ومقاربة جديدة، وليشكل بذلك مرجعاً رئيساً يعود بالفائدة على المعنيين والمهتمين بالشعر النبطي من الباحثين والدارسين، إضافة إلى مجتمع شعراء النبط».

الأكثر مشاركة