الفن العراقي الــــمعاصر يستدعي «بابل» في «الـــعويس»

على الرغم من اختلاف مدارسهم واتجاهاتهم الفنية، إلا أن أبرز ما يميز معرض «تراتيل بابلية.. الفن العراقي المعاصر»، الذي تستضيفه مؤسسة العويس الثقافية في دبي، ويجمع بين أعمال ثمانية فنانين عراقيين، هو هذا الحضور الطاغي الذي يحيل دوماً إلى مرجعية مكانية تنهل من الموروث العراقي المتمثل في حضارة بابل، في الوقت الذي يحلق فيه الفنانون بأعمالهم إلى معاصرة وحداثة، تبقيهم على تماس وتمازج مع مفردات العصر.

ويأتي هذا التماثل خلافاً لتمايز يفرضه تنوع الاتجاهات الفنية للفنانين المشاركين في المعرض، بل والتنوع الثري في الوسيط الإبداعي، سواء في التشكيل باستخدام الفرشاة والألوان المختلفة، أو حتى تطويع الوسيط الأكثر صلابة، من خلال المنحوتات الفنية.

وضم المعرض الذي افتتحه، أخيراً، الأمين العام لمؤسسة العويس الثقافية الدكتور محمد عبدالله المطوع، أعمال نخبة من الفنانين العراقيين، الذين تعددت تجاربهم واختلفت أساليبهم، وهم: محمد فهمي ومحمود عبود ومحمود شبر وفاخر محمد وعاصم عبدالأمير وأحمد البحراني ومؤيد محسن وعلي شاكر.

ندوة تشكيلية

على هامش معرض «تراتيل بابلية»، نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، مساء الخميس، ندوة تشكيلية تحدث خلالها الدكتور عاصم عبدالأمير عن الفن التشكيلي العراقي، والفنان أحمد البحراني عن مشروع ضد الحرب، وأدارها الدكتور محمد عبدالله المطوع الأمين العام للمؤسسة، وحضرها جمع من المثقفين والمهتمين بالشأن التشكيلي.

حيث تجول عبدالأمير في طقوس التشكيل العراقي، عبر أبرز رموزه وعرض لمجموعة لوحات تمثل مختلف مراحل تطور هذا الفن منذ مطلع القرن العشرين حتى يومنا الحاضر، وقد أسهب عبدالأمير في التعريف برموز عراقية تركت بصمتها على أجيال لاحقة داخل العراق وخارجه.

النحات أحمد البحراني قدم نماذج من منحوتاته التي أبهرت الجمهور في الولايات المتحدة الأميركية، خلال عرضها في إحدى ساحات ميامي، خصوصا أنه قد حمّل رموز الفن والفكر والرياضة أسلحة قتل، وكأن البحراني يريد التأكيد أن السلام لا يعيش بسهولة، والعالم يذهب إلى الحرب دوماً رغم وجود الأم تيريزا ومانديلا وغاندي وغيرهم من رموز السلام في العالم.

الندوة التي امتدت لأكثر من ساعة حملت الكثير من الأسئلة والحوارات التي اتسمت بالحيوية، والاضافات التي أغنت المحاضرة وفتحت المجال لحوارات عن مجالات الفن العراقي، دارت في أروقة مؤسسة العويس التي تحتضن معرض تراتيل بابلية لثمانية فنانين عراقيين هم الأبرز من بين أجيال فنية تعيش داخل العراق وخارجه.

واعتبر المطوع المعرض فرصة للجمهور لتذوق نخبة من روائع الفن العراقي المعاصر، مؤكداً أن مؤسسة العويس الثقافية تسعى إلى تنويع برامجها الثقافية والفنية، على نحو يؤهلها لاستيعاب التنوع، سواء لدى الفنان والمثقف العربي خصوصا، أو لدى الجمهور ورواد الفعاليات الثقافية، والمعارض الفنية، وغيرها من الأنشطة المتنوعة.

وحملت أعمال الفنان عاصم عبدالأمير عناوين تماهت مع مضامينها إلى حد بعيد، حيث سعى إلى استدراج المتلقي إلى عوالمه الأكثر ذاتية، عبر الزمان الذاتي أيضاً وليس الجمعي، حيث أبحر الفنان عكس اتجاه التراتبية الزمنية، لكن ليس وصولاً إلى الماضي السحيق، بل باتجاه ماضيه الشخصي، ومراحل نموه وذكرياته، لذلك جاءت أعماله أقرب إلى التلقائية والعفوية، لتشكل ما يشبه الرسائل التي تتمحور حول ذاتية الفنان.

عناوين اللوحات كانت مدخلاً مهماً ودالاً أيضأً في أعمال محمود شبر، الذي عمد إلى مواءمة بين الخاص الذاتي وبين العام العربي، دون أن يبتعد عن الإحالة لواقع مأزوم يجره أحياناً إلى إحباط لا تخفيه اختياراته اللونية.

فيما لوحات الفنان مؤيد محسن دفعته للذهاب إلى «مدينته»، بأبعاد مختلفة، ورؤى فنية منسجمة، رغم ذلك، وبين تلك المدينة التي يراها في داخله، وتنطبع في مخيلته الفنية، والمدينة الأخرى التي يراها ويتطلع إليها، تتفجر مشاعر السخرية من كل شيء، تنتج أعمالا تبتعد عن واقع الأشياء بالقدر ذاته الذي تقترب فيه من رؤية الشاعر الحالمة لهذا الواقع. «المدينة» أيضاً تظهر في أعمال الفنان علي شاكر، لكن بمساحات وانطباعات مختلفة، يرى فيها التجريد الوسيلة المثلى لرصد عوالمه النفسية، لذلك تترك أعمال شاكر انطباعاً «شعرياً» إن جاز التعبير، وهو ما تؤشر إليه أيضاً عناوينها، التي جاءت أقرب إلى عناوين شعرية.

وتميزت أعمال الفنان محمد فهمي بمحافظتها على النسق والأسلوب ذاتيهما اللذين عرف بهما الفنان المقيم في الإمارات من خلال التجريد الذي يتيح للمتذوق الغوص في عوالمه، لدرجة أن أحد الأعمال مثل رسالة حقيقية مباشرة تحمل العرفان والتقدير لأحد الشعراء الراحلين، وهو اللوحة التي جاءت بعنوان «رسالة إلى روح الشاعر حسن لطيف».

عبق العراق ورائحة دجلة والفرات، وتفاصيل المدينة العتيقة، كانت أكثر حضوراً لدى الفنان محمود عبود، وفي حين اقترب أحد أعمال الفنانين المشاركين من روح الشعر، فإن عبود استلهم غواية القص، ليحيل إلى بانوراما أقرب إلى الفانتازيا.

واختار النحات يوسف البحراني استحضار رموز تاريخية وفنية حاضرة أثراً، ربما تبتعد بشكل مباشر عن مضمون عنوان المعرض، لكنها تلتقي معه بشكل أو بآخر، في أنها تمثل نتاجاً من «الفن العراقي المعاصر» أولا، وتأكيداً أن واقع العراق غير منعزل عن محيطه الشرقي والعربي، والعالمي أيضاً، فيما شارك الفنان فاخر محمد بثماني لوحات، هي: طيور تحتفل، عناصر الطبيعة، أشكال صحراوية، حركة الطير، الاحتفال، رموز بابلية، مدينة الحلم.

 

الأكثر مشاركة