العهود القديمة تلزم الأهل بألا يتجاوزوا اليوم الثامن للمولود
ختان الأطفال السامريين في الضفة.. صلاة وفرح وحلوى
مع ساعات فجر اليوم الثامن لولادة طفلها، استيقظت سلمى الكاهن (24 عاماً) لتجهز مولودها البكر «معتز» لإجراء عملية الختان له حسب طقوس الطائفة السامرية، التي توجب إجراء الختان صباح اليوم الثامن من ولادة الطفل.
وفي طقوس خاصة تنفرد بها الطائفة السامرية، التي يسكن قسم منها على قمة جبل جرزيم في مدينة نابلس (شمال الضفة الغربية)، ومنطقة حولون داخل فلسطين الـ48، تتم عملية الختان بحضور كبير من الطائفة وعدد من الكهنة، ولفيف من النساء والرجال والأطفال الذين يحرصون على حضور تلك الطقوس وتهنئة العائلة بمولودها الجديد.
في أجواء من البهجة امتلأت قاعة دار الضيافة بالمدعوين، يستقبلهم نور صدقة والد الطفل «معتز» والبسمة لا تفارق وجهه، فيما انشغلت النسوة بتحضير أصناف الطعام لتقديمها بعد الانتهاء من مراسم الختان، وأداء الصلوات الخاصة.
الطائفة السامرية الطائفة السامرية أصغر طائفة في العالم، حيث لا يتجاوز عدد أفرادها 780 نسمة، وتنتسب لبني إسرائيل، وتختلف عن اليهود، حيث يتبعون الديانة السامرية المناقضة لليهودية، ويعتبرون أن توراتهم هي الأصح وغير محرفة، وأن ديانتهم هي ديانة بني إسرائيل الحقيقية. |
ولأسباب ومعتقدات سامرية، يؤدي الرجال صلاتهم الخاصة ويرتلون الأدعية باللغة العبرية القديمة بشكل جماعي، فيما تجتمع النساء في قاعة أخرى، وضعت فيها طاولة مزينة بالورود والشموع أعدت للمولود الجديد، جلست بالقرب منها والدته والطبيب الذي يجري عملية الختان.
وتحديداً عندما يتم ترتيل العبارات التي تتحدث عن الختان، ويذكر اسم المولود خلالها، يؤمر الختّان بإجراء العملية للطفل في لحظتها.
ومما يعد لافتاً في عملية ختان الأطفال السامريين، أن من يقوم على ختانهم هو رجل مسلم، جاء مع بزوغ الفجر التزاماً منه بتقاليد الطائفة السامرية في عملية الختان.
وفي حديثه مع الأناضول، قال الختّان محمد الشخشير من مدينة نابلس، الذي يمارس مهنته منذ 30 عاماً «طريقة الختان هي ذاتها عند الديانات المختلفة وتجري بالطريقة ذاتها، لكن ما يختلف لدى الطائفة السامرية أن إجراء الختان يكون صباح اليوم الثامن من ولادة الطفل فقط».
وتابع «منذ سنوات طويلة وأنا أجري عمليات الختان للأطفال السامريين، هم يعتبرونني واحداً منهم، وكما تلاحظون أجلس في القاعة المخصصة للنساء، التي تجرى فيها عملية الختان، فلا مشكلة لديهم في ديانة الشخص الذي يقوم بعملية الختان (الختّان)، المهم الخبرة والمهارة في إجرائها».
ويشير الشخشير إلى الاختلاف في طقوس الختان لدى المسلمين والطائفة السامرية «الأجواء لدى السامريين أشبه بحفل الزفاف، الكل يأتي ليشارك في هذه المناسبة ويقدم الطعام والحلوى، وتقام الصلوات ويقدمون النقوط (مبلغ مالي يقدم للطفل بهذه المناسبة)».
وبمشاعر الفرح المشوبة بالخوف على صغيرها، تقول سلمى «أشعر بالفرح لأن ابني سيصبح سامرياً منذ هذه اللحظة، لكن في الوقت ذاته خائفة جداً عليه بسبب الألم الذي سيشعر به صغيري». فوفقاً للمعتقدات السامرية فإن الطفل المولود لأبوين سامريين يكتمل معتقده السامري ويصبح حاملاً لهذا المعتقد بعد أن يتم ختانه في اليوم الثامن من ولادته إن لم يكن هناك أي عذر يتفهمه الكاهن الأكبر للطائفة السامرية.
ويتوافد الزوار على دار الضيافة يقدمون «النقوط» للمولود، كهدية ومباركة بقدومه وتهنئة بسلامة أمه.
أما جدة «معتز» لأمه واسمها «راحيل»، فكانت الفرحة تبدو واضحة بعينها وهي تقف لاستقبال الضيوف، وتقول لـ«الأناضول»: «هذا يوم سعيد جداً، رزقني الله بأربع بنات ولم يرزقني بأولاد ذكور، وبناتي أنجبن أطفالاً وسموهم على اسم زوجي معتز».
تشير بيدها إلى «معتز» وتقول مبتسمة «أنا جدة العريس»، وتضيف «في هذا اليوم يحضر كل المحبين لنا من الطائفة السامرية ليهنئونا بالمولود، الرجال يصلون، أما نحن النساء فلا نصلي، نحافظ على تقاليدنا منذ مئات السنوات، ويتوارثها جيل بعد جيل».
وفي قاعة الرجال التي امتلأت عن آخرها بالكهنة والرجال والشباب والفتية الصغار، كلهم يرددون بصوت واحد دعوات وتراتيل باللغة العبرية القديمة، يدعون فيها أن يكبر الطفل ويبارك لأهله فيه، كانت المشاعر توحد الجميع، وما إن انتهى الكهنة من ترتيل الأدعية، وتمت عملية الختان، توجه والد الطفل نحو الكهنة مقبلاً أيديهم، تقديراً وشكراً لهم، بينما اجتمع حوله رفاقه وأقاربه ليقدموا له التهنئة بهذه المناسبة.
يستقطع نور صدقة، والد الطفل معتز، بعضاً من وقته خلال انشغاله باستقبال المهنئين وتقديم الطعام لهم، ليصف مشاعره بختان أول مولود له فيقول «فرحتي اليوم لا توصف، فبالختان نكمل ديننا ونتمسك أكثر بعاداتنا وتقاليدنا التي نرثها من أجدادنا منذ آلاف السنين».
مدير المتحف السامري، حسني الكاهن، وهو أحد كبار الكهنة للطائفة السامرية، يوضح لـ«الأناضول» أصل الختان في الديانة السامرية، فيقول «الختان منذ زمن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، عندما طلب منه رب العالمين في اليوم الثامن ختان ابنه، لذلك هو ختن نفسه وهو عمره 99 عاماً، وختن ابنه إسماعيل وعمره كان 14 عاماً، لكن ابنه اسحق ختن في اليوم الثامن، ومنذ ذلك العهد وحتى الآن يقوم السامريون بعملية الختان في اليوم الثامن فقط». وعن طبيعة الصلوات التي تؤدى في يوم الختان يقول «تتم تلاوة مقتطفات من التوراة مع بعض أقوال المؤلفين السامريين القدماء، يدعون فيها للمولود بأن يحفظه الله ويكبر ويتعلم، وأن يحافظ على الدين وعلى الوصايا، وفيها نذكر الأجيال الجديدة بأن تواصل على هذا الدرب وأن تتمسك بهذه الطقوس».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news