تاريخ المنطقة المغربية مرتبط بالإبل

السياحة.. طوق نجاة لجِمال «محاميد الغزلان»

في جولة بين دور محاميد الغزلان الطينية وكثبانها الرملية تصادف عدداً من الإبل إما ترعى في الجوار أو تحمل على أسنمتها سياحاً جاؤوا ليستكشفوا سحر الصحراء. الأناضول

قبيل غروب الشمس عن واحة محاميد الغزلان (جنوب المغرب)، يلوح في الأفق راعٍ يقود بضع جمال مربوط بعضها إلى بعض، مشكّلة قافلة صغيرة.

هذا المنظر معتاد في الواحة، وهو جزء من يوميات البدو الرحّل بهذه المنطقة، فليس من الصعب أن تلحظ أن نمط العيش هنا مرتبط بالجمال بشكل وثيق. وبجولة بين دورها الطينية وكثبانها الرملية تصادف عدداً من الإبل إما ترعى في الجوار؛ أو تحمل على أسنمتها سياحاً جاؤوا ليستكشفوا سحر الصحراء، أو محملة بأمتعة المسافرين.

فعند نهاية الطريق الوطنية رقم 9، لا يبقى من وسيلة للسفر غير السيارات الرباعية الدفع وأسنمة الجمال، والكثير من السياح المتوجهين إلى المنتجعات الصحراوية يفضلون الجمال وسيلة للوصول إليها، في رحلات قد تستمر لساعات تتحملها الجمال بطبيعتها القوية وبنيتها الملائمة لقساوة الصحراء.

15 ألف رأس

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/145577.jpg

ليس الجفاف فقط ما يشجع مربي الإبل، على نقل جمالهم نحو مناطق صحراوية أكثر حظاً، بل هناك الرعاية التي توفرها وزارة الفلاحة كذلك.

ولا يوجد إحصاء رسمي لرؤوس الإبل، لكن عدداً من أبناء المنطقة يقدرونها بـ15 ألف رأس، وهي في تناقص مردّه إلى الجفاف المستمر، والاستهلاك.

تناقص الإبل لا يشكل خطراً محدوداً على هذه الواحة التاريخية فحسب، فأغلب رؤوس القطيع الوطني من الإبل يأتي من هذه المنطقة، التي كانت - ولاتزال - تمد مناطق شاسعة من الصحراء بإبلها، وما لم يتم تدارك الحالة التي تعيشها اليوم، فإن قطعان الإبل هنا، آيلة إلى الانقراض.

أحاديث سكان محاميد الغزلان لا تخلو من أمثلة مرتبطة بالجمل، (الثقافة الحسانية ترتبط بالرحل العرب بصحراء شمال إفريقيا) وعشرات الأشعار التي تتغنى بالجمل وتعدد محاسنه، وتصف علاقته بساكني الصحراء.

تاريخ المنطقة أيضاً مرتبط بالإبل، فمن هنا كانت تمر قوافل العبيد والحبوب، وهنا كانت مواكب الرحل تحط الرحال، حيث تجد المرعى والكلأ لإبلها، وحتى في حروب القبائل الشهيرة بالصحراء، كانت الإبل تبلي البلاء الحسن.

ومن كرم رحّل الصحراء أنهم كانوا ينحرون عشرات منها إكراماً للزوار من الضيوف وعابري السبيل، وفي الأعراس هي أثمن الهدايا وأشهى ما يقدم في المآدب، بل إن نحرها هو جزء لا يتجزأ من التراث الحساني العريق.

ورغم الارتباط الوثيق بين نمط العيش في الواحة، والإبل، إلا أن جميع الوجبات التي تقدم لزوار البلدة تخلو من لحوم الإبل، بينما كان كثيرون من الضيوف يمنّون النفس بتذوق طعمه.

وقال بوجمعة الناجي، أحد أبناء محاميد الغزلان: «نحن نسعى إلى أن يتم التوقف عن نحر الجمال بمحاميد الغزلان، لأن لها اليوم دوراً في السياحة الصحراوية ويزداد الاعتماد عليها عندنا يوماً بعد يوم».

وقد لا يكون هذا هو السبب الوحيد في الاستغناء عن لحوم الإبل، فللأمر، بحسب الباحث في التراث المحلي نورالدين بوكراب، أسباب أخرى جعلت فئة من أبناء المنطقة تدفع في هذا الاتجاه.

وقال بوكراب: «توالي سنوات الجفاف، وتناقص قطعان الإبل، من الأسباب التي تجعلنا ندعو إلى عدم استعمال لحومها، خصوصاً أن البدائل متوافرة، في لحوم الأبقار والغنم، ونريد أن يتم استثمار الإبل في السياحة بشكل أفضل يخدم المنطقة وساكنيها، لاسيما أن الجمال جزء من ثقافتنا لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال».

نزعة الحفاظ على الإبل تلك، تغيب عن مدينة زاكورة (94 كيلومتراً جنوب واحة محاميد الغزلان)، إذ يوجد مذبح تنحر فيه أعداد من الجمال والنوق بشكل يومي، في وقت تغيب فيه برامج وزارة الفلاحة (الزراعة)، التي من دورها تثمين المنتوجات الحيوانية والسهر على استمرار تناسل القطعان عبر توفير الأعلاف والمتابعة البيطرية، عن المنطقة.

من جانبه، قال محمد البلال، أحد مربي الإبل: «نفقت نوق كثيرة في قطعاننا، وتناسلها نادر في السنوات الأخيرة، والدولة لا تقدم هنا إعانات للعلف ومواجهة الجفاف».

لكن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حاضرة في هذا المجال، عبر دعمها لثلاث جمعيات تعنى بالحفاظ على الإبل ومنتوجاتها كالوبر واللبن.

ورغم معاناة الإبل في زاكورة، يزداد استعمالها في الأنشطة السياحية والرياضية والثقافية، وسنة بعد سنة تعرف المنطقة مزيداً من سباقات الهجن التي تنظم في مناسبات مختلفة، على حد قول محمد البلال.

وأضاف البلال «نشارك بإبلنا المدربة سنوياً في ثلاثة مهرجانات تعرفها محاميد الغزلان، أبرزها المهرجان الدولي للبدو الرحل، لكن نتمنى ألا يقتصر على هذه المناسبات، فهي فرص يزداد فيها الاهتمام بإبلنا، وتسهم في السياحة كذلك». السياحة تشغل بال الجميع بمحاميد الغزلان، فهي هاجس دائم يحرك الأشياء، بما فيها الاهتمام بقطعان الإبل، المعادلة بسيطة هنا، فمن دون إبل، لا مستقبل للسياحة، ومن دون سياحة، تضعف واحة محاميد الغزلان.

لكن مبادرة مثل الاستغناء عن لحم الإبل لا تبدو حلاً سحرياً للحيلولة دون تناقص نوق المنطقة، خصوصاً أنها كوجبة تعرف طلباً كبيراً من المستهلكين داخل واحة المحاميد وخارجها. أحد سكان محاميد الغزلان، ويدعى سعيد زركي، قلل من أهمية فكرة الاستغناء عن لحوم الإبل، فهي بالنسبة له شيء لصيق بالعادات والتقاليد التي تدعو إلى نحر النوق في الأعراس، وبالتالي فإن الفكرة لن تؤثر في قطاع كبير من السكان الذين اعتادوا على لحوم الإبل.

ولحماية الإبل من الجفاف وكل الأسباب التي تدفع باتجاه تناقص أعدادها، يفضل بعض مربي الإبل نقل قطعانهم إلى أقاليم أخرى؛ إذ توجد فرص أفضل للحفاظ عليها، بحسب لحسن حنانا، أحد شيوخ قبائل المنطقة.

وأوضح حنانا «نقل أحد شيوخ المنطقة في عام 2010، 100 رأس من الجمال نحو وادي الذهب (أقصى الجنوب المغربي)، عبر شاحنات لمسافة 2000 كيلومتر، لينجو بها من الجفاف»، مضيفاً أن «من لديهم القدرة على نقل قطعانهم، يفعلون».

تويتر