روسي يبـنــــي عالماً من «الفنتازيــا الراقصة»
يبني الفنان الفرنسي جان بيير روك روسي عالماً من الفنتازيا، من خلال المرأة والأساطير والغموض، إذ يدعو المتلقي إلى استكشاف هذا العالم المحفوف بالغرابة، اذ تحمل لوحاته كثيراً من الميثولوجيا التي يحاول أن يجسّدها عبر الأجساد المتراقصة. وتحمل أعمال روسي، التي اختار من خلالها «أوبرا غاليري» في دبي الاحتفال بعامه الـ20، كثيراً من الثقافات التي يبدو أنها تركت أثراً واضحاً داخل الفنان، فحاول أن يجمعها ويختصرها من خلال اللوحة.
المرأة هي سر أعمال روسي، فالكائن الذي يمتاز بالأنوثة والجمال، يحاول روسي أن يجعله مختلفاً، وكأنه ينتمي إلى عالم آخر. يصرّ الفنان الفرنسي على جعل المرأة في أعماله غير مكتملة الأنوثة، إذ يوازن بين جمالها وأنوثتها عبر الحركات الراقصة في القدمين، ثم لا يلبث أن يمدها بالقوة من خلال بنية أشبه ببنية الرجل، فيجعلها قوية اليدين ومفتولة العضلات.
سيرة وجوائز ولد الفنان الفرنسي جان بيير روك روسي في فرنسا، بالقرب من العاصمة باريس عام 1951، وهو حالياً يعيش ويعمل بين باريس وجنوب فرنسا. حصل على مجموعة من الجوائز الفنية ومنها «لا روشيل»، والجائزة الأولى في «دوفيل». قدم مجموعة من المعارض الفنية في سنغافورة، وفرنسا، والصين، والولايات المتحدة، وهونغ كونغ، وكوريا، والصين، واليابان، ولندن، والدنمارك، وروسيا. 20 عاماً قالت مديرة «أوبرا غاليري»، آنا ماريا فيرساني: «إن (الغاليري) يحتفل بالعام الـ20، إذ بدأ في سنغافورة منذ عقدين، من خلال المشاركة في أحد المعارض الفنية المتميزة، ونالت مشاركة (الغاليري) إعجاب كثيرين في المعرض». وأضافت: «بدأ (الغاليري) بالتوسع إلى نيويورك وميامي، ثم باريس ولندن وجنيف، وموناكو، ثم دبي، إلى جانب هونغ كونغ، وبلغ عدد الصالات اليوم 10 حول العالم، وهناك خطط للتوسع». وأوضحت أن «أهم خصائص (الغاليري) هو تقديم الفن المتميز، وليس الفن العادي»، مشيرة إلى أنهم يتوخون التحدث بالعديد من اللغات، من أجل تقديم كل ما هو مميز. وأضافت أن «الصالة اختارت الاحتفال مع روسي، لأنه فنان متميز، وأعماله أيقونية، خصوصاً أنه بدأ العرض مع (الغاليري) منذ فترة طويلة».
|
تنتمي امرأة روسي إلى عالم الخيال، فيجدها المتلقي تقف عند حافة زمنية تبعدها عن الواقع من جهة، وتقرّبها من الشخصيات الأسطورية من جهة أخرى، لذا تبدو شديدة المحاكاة للحلم.
يفرض روسي من خلال أعماله الدخول إلى عالم يتحكم فيه اللاوعي في كل شيء، فلوحته غنية بالعناصر الكلاسيكية والحديثة، وكذلك العناصر المأخوذة من عصر النهضة التي يمزجها مع العصور الوسطى والحضارات الشرقية.
يركز الفنان في أعماله على المحاربات الإغريقيات أو الراقصات الإفريقيات والمرأة القوية، ما يمكنه من خلق نموذج جديد من الغرابة مع عالم غامض.
هذه المرأة التي يرسمها يبدو أنها الكائن الذي يميل الفنان إلى تجسيده، فعملية الرسم معه تتحوّل إلى نحت من خلال اللون عبر «الكانفاس»، إذ يمنح الشخصيات كثيراً من الانحناءات والتمايلات التي تجعلها تبدو محسوسة.
يحرص روسي، الذي يستمر معرضه حتى 25 يونيو الجاري، على جعل أعماله منتمية إلى أكثر من ثقافة، فتبرز الملامح الصينية واضحة على الوجه والعينين، في حين يظهر أنه شديد التعلق بالأزياء الهندية، ثم لا يلبث أن يأخذ المتلقي إلى الصين من جديد، من خلال التنين الذي يكسو جسد إحدى الشخصيات. ولعل أبرز ما يميز هذا النوع من التمازج الثقافي هو الوضوح والتجلي، فلا يخفي أياً من ملامح الثقافة التي يستقي منها أعماله، لاسيما حين تكون اللوحة ذات إيقاع منضبط العناصر. يمنح روسي امرأته عبر الألوان التي ينثرها على اللوحة كحركة أمواج البحر، هالة من الجمال تجعلها في حالة من الحرية والفرح الواضح المستمد من وقع اللون. المرأة في اللوحة تأتي لتعبر عن الميثولوجيا التي يحاول الفنان أن يقدمها، من خلال فن يستقي جذوره من الحضارات القديمة وكذلك الحديثة، الشديدة الوضوح والمعقدة، ليجعل اللوحة قائمة على كثير من الاحتمالات.
وعلى الرغم من اعتماد روسي على التشخيص في العمل الفني، إذ نجد شخوصه أبطال لوحاته، إلا أنه يترك مساحة مهمة في العمل للتجريد، فينزع إلى تجريد اللون من هيئته، فيتعمد إعطاء الوجه ملامحه الكاملة مع المشاعر التي تفيض من العينين، والنظرة التي تبدو ثاقبة في اللوحة.
ينثر الفنان الفرنسي الألوان في الجزء الأسفل من العمل مع الوجه المتقن، ليوجد من خلال هذا الإيقاع حالة من الرقص العبثي، فتبدو اللوحة كما لو أن الموسيقى تعزف بداخلها، وهي التي تحدد إيقاع الحركة واللون. هذا التحديد في الوجوه لا يقوم به الفنان في الإيقاع نفسه بجميع الأعمال، إذ يحرص في بعض الأعمال الأخرى على جعل الوجوه تائهة الملامح قليلاً، فيما في بعض الأحيان تبدو الوجوه والأجساد ملائكية او كأنها عصافير تحلق في سماء بعيدة، أو حتى أسماك في أعماق البحار. الإيقاع الذي يحكم حركات الشخصيات في أعمال روسي، وكذلك تحركهم، يختلف في تعاطي روسي مع عناصر اللوحة، فمن جهة نجد بعض لوحاته شديدة العبثية والحركة والصخب، ثم لا نلبث أن نجد له بعض اللوحات التي تحسب فيها كل ضربة، فتبدو محسوبة الأبعاد والمقاسات.
ولعل أبرز ما يميز شخوص روسي هو الحرية التي هم عليها، فهم أشخاص يحملون كثيراً من علامات القوة الخارقة، والجسد قابل للتمدد بأشكال متعددة، فهو يمدد ويثني على اللوحة بشكل متميز، فنجد أن القدم قد تحتل المساحة الكاملة في اللوحة، أو أن يأخذ الجسد القسم الكامل في اللوحة، ولا يترك للرأس سوى مساحة صغيرة لا تكاد تذكر. كل هذا الغموض وكل هذه الأساطير التي يعرضها روسي، من خلال 22 عملاً ليست سوى ترجمة حقيقية لواقع يحمل كثيراً من علامات الاستفهام، وكأن الكائن البشري يحتاج إلى أكثر من الفن كي نفهم أعماقه.