«مهرجان الأنوار».. «عتمة» على القدس
القادم إلى باب العامود، أحد أهم أبواب المسجد الأقصى المبارك، يبدو له كأنه معلم يهودي إسرائيلي، حيث العروض المتحركة على كامل الواجهة الرئيسة للباب مع أصوات الموسيقى، وفي الطريق إلى باب الجديد المسمى إسرائيلياً «تسنحنيم»، توجد فرقة «ملائكة السلام» اليهودية، لتؤدي عرضاً يجمع بين التاريخ والفلسفة بإضاءة خافتة وموسيقى هادئة.
هذه المشاهد تستمر على مدار أسبوع كامل ابتداءً من 11 حتى 19 الجاري، إذ تنطلق فعاليات مهرجان الأنوار التهويدي، المنظم من قبل بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس ووزارة السياحة، وما يسمي بـ«سلطة تطوير القدس»، لتغيير طابع المدينة المقدسة سياحياً، إذ تتحول إلى منطقة جذب للسياح الأجانب، لتمرير الرواية التوراتية «التلمودية» عن القدس، كما تحاول ربط المجتمع الإسرائيلي بمدينة القدس، وتغييب الحضور الإسلامي العربي فيها.
قلب الحقائق يوزع القائمون على مهرجان الأنوار نشرات خاصة على السائحين لتزييف القدس وقلب الحقائق التاريخية، عبر إطلاق أسماء عبرية على بعض أماكن القدس، مثل شارع «هاجاي» واسمه العربي «شارع الواد»، وشارع مدينة داود، وهو الشارع الرئيس في سلوان، وجبل الهيكل، وهو الاسم التهويدي للأقصى، إضافة إلى الحي اليهودي، واسمه الأصلي «حارة الشرف»، فيما حمل الاسم الإسرائيلي لباب الخليل «شارع دافيد». |
ويحوّل الاحتلال أسوار القدس وأسواقها من خلال هذا المهرجان إلى معارض للفنانين اليهود والأجانب، وحفلات راقصة واستعراضات ضوئية في الفترة المسائية والليلية، إذ يشعلون أنوار المهرجان التي تطغى على القدس، ويشارك في العروض فنانون إسرائيليون وأجانب.
وتقام العروض المضاءة والراقصة على أنغام الألحان بمكبرات الصوت في 28 موقعاً في القدس القديمة ومحيطها، إذ تتنوع هذه العروض بين الألوان والرسومات المتحركة وبين المشاهد الثابتة، بينما تتركز في مناطق أبواب القدس والمسجد الأقصى الرئيسة، خصوصاً باب الخليل، وباب العامود، إضافة الى أزقة القدس القديمة لاسيما في منطقة المغاربة، المقابلة للمسجد الأقصى.
ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنا عميرة لـ«الإمارات اليوم»، إن «إسرائيل تقيم مهرجان الأنوار بدعوى أنه مهرجان ديني، لكن هناك مظاهر إضافية ومضخمة في القدس الشرقية، من خلال إضاءات مبالغ فيها حول أسوار المدينة المقدسة، وخارجها، خصوصاً في باب الخليل».
ويضيف أن «إسرائيل تستغل هذا المهرجان لتحقيق أهداف ومطامع سياسية واضحة من خلال ضم مدينة القدس، وتعزيز الإجراءات لتهويد المدينة المقدسة، وفرض واقع جديد من خلال إقناع العالم بأن القدس الشرقية مدينة يهودية، وأن الاحتفالات الدينية اليهودية تتركز فيها، وليس في القدس الغربية».
ويشير عميرة إلى أن هذا المهرجان يتسبب في شلّ حركة المقدسيين، إذ يتزامن مع انعقاده وجود أمني كبير لعناصر الشرطة الإسرائيلية التي تنتشر في كل مدن القدس، لمنع سكان المدينة من التنقل بحرية داخل معظم المناطق والشوراع، فيما تخصص لهم أماكن محددة وهي قليلة لسلكها.
من جهته، حذر رئيس قسم المخطوطات والتراث بالمسجد الأقصى ناجح بكيرات من خطورة المهرجان، ومحاولة إسرائيل تزييف تاريخ القدس، وتحويل الأماكن المقدسة فيها إلى مزارات سياحية، إذ تظهر خلال المهرجان وبالتزامن مع التوافد السياحي أنها مدينة إسرائيلية.
ويضيف بكيرات أن «برامج المهرجان تتعارض بشكل كلي مع قدسية المسجد الأقصى ومدينة القدس، من خلال تنفيذ عدد منها بالقرب من الأقصى، كما يسعى هذا المهرجان بشكل واضح إلى تغييب الحضارة وروعة العمران الإسلامي العربي في القدس المحتلة».
ويسعى الاحتلال من خلال مهرجان الأنوار إلى تقوية الاقتصاد الإسرائيلي في القدس القديمة وما حولها، وإضعاف الاقتصاد المقدسي، إذ إن الأغلبية الساحقة وبتوجيه من الاحتلال تقوم بشراء متطلباتها من المحال التجارية الاسرائيلية.
ويعد باب الخليل المدخل الغربي للقدس القديمة من أكثر الأماكن التي تتعرض لتهويد مستمر كمزار سياحي «تلمودي»، لتسليط أنظار السياح الأجانب من كل البلدان الأوروبية واليهود على أن باب الخليل المدخل الرئيس للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك بدلاً من باب العامود.
ومع انطلاق مهرجان الأنوار يوجد عدد من المرشدين السياحيين اليهود في منطقة باب الخليل، حيث يحملون لافتات لتنظيم رحلات مجانية داخل باحات الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، لتشجيع السياح الأجانب واليهود المتطرفين على تسجيل أسمائهم للمشاركة في رحلات التدنيس لرحاب الأقصى الذي يعتبرونه «الهيكل المزعوم».
ويقع باب الخليل في منطقة محاذية لساحة البراق وما يعرف بـ«الحي اليهودي»، الذي يسكنه نحو 5000 مستوطن، ويشكل نواة لسوق يهودية بديلة للأسواق العربية.