فاكهة الصيف المميّزة في الخليج ترتبط بقيم توارثتها الأجيال
الرطب.. طعم الحنين إلى الماضي
يعدّ الرطب أقرب فواكه الصيف لنفوس الخليجيين، فإضافة إلى طعمه المميز واللذيذ، فإن موسمه يزيد الحنين إلى الماضي، حينما كان الرطب الفاكهة شبه الوحيدة التي يأكلها أهل المنطقة.
ويعد الرطب فاكهة الصيف المميزة في منطقة شبه الجزيرة العربية، بما تحمله هذه الفاكهة من تنوع وتعدد في الأشكال والمذاق والقيمة الغذائية والاجتماعية.
ويتذكر أجدادنا وآباؤنا الغذاء الأوحد في زمن لم يجدوا فيه ما يجدونه حالياً، إذ كان الرطب ملك فاكهة الصيف بالنسبة لهم، والتمر رفيقهم وخير غذاء لهم في فصل الشتاء. وبقي الرطب والتمر من الوجبات الطبيعية الرئيسة، فهو عصب الحياة وقوة البدن والنشاط المتواصل من العطاء في العمل، ويتربع على الموائد الخليجية بقوة.
ووجدت نخلة التمر منذ آلاف السنين في المنطقة، التي منها انتشرت النخيل إلى أرجاء العالم، ولذا فهي من أقدم أشجار الفاكهة التي عرفها الإنسان في هذه المنطقة.
تواريخ يحدّد الإماراتي علي محمد المنصوري تواريخ دقيقة تضبط وصول الرطب إلى أسواق الإمارات، إذ تبدأ واردات الرطب العُماني في الوصول عند مطلع يونيو، ويكمله بعد ذلك الإنتاج المحلي وحتى بداية يوليو، الذي يكتمل بوصول أنواع عدة من الرطب من السعودية، التي تعد من أكثر مناطق إنتاج الرطب في المنطقة. وأوضح أن «من الأصناف المبكرة التي ستأتي تباعاً على موائد الإفطار، التي عادة ما يبدأ الصائم إفطاره بها (الخنيزي والبرحي والاخلاص)، فيما تتأخر أصناف أخرى مثل صنف هلالي إلى آخر موسم الصيف». وبيّن أن أنواع رطب أخرى مثل (جبري، شيشي، فرض، لولو، وهلالي) تبدأ في التوافد على الأسواق، ويتنافس الناس في اقتنائها خلال شهر رمضان. |
ومن المتوقع أن يلفح هجير الخليج القائظ وجوه الصائمين بعد أيام بشكل أشد قسوة وضراوة من السنوات الماضية، جراء الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، إلا أن تزامن الشهر الكريم مع تدفق كميات كبيرة من فاكهة الصيف لطف وطأة لهيب الصيف الحارق، فانتشر في الميادين والطرقات باعة يعرضون رطبهم المميز نوعاً ومذاقاً وألواناً.
وتحسن الإنتاج الخليجي كثيراً في العقد الأخير، كمّاً وجودة، ويحتفظ الخليجيون بمكانة مميزة للرطب، وهو الثمار في حال نضجها، وقبل جفافها وتحولها إلى تمر، ويكاد هذا الاهتمام المرتبط بـتذوق خاص أن يقتصر عليهم.
ويختلف موسم نضج البلح من دولة إلى أخرى في الخليج، وأبكرها نضجاً في سلطنة عمان الشقيقة، إذ يشهد نوع النغال إقبالاً من صفوة المستهلكين، ويختلف سعره من بلد خليجي إلى آخر.
وفي الإمارات، ونظراً لقربها من سلطنة عمان يتنافس المشترون على الحصول على الثمرات الأولى الناضجة، إذ تأتي بعد الانتظار شهوراً لتذكر الناس بقساوة حياة الماضي، إذ كان نضج ثمار الرطب قبل عصر النفط ينبئ بسعة عيش لشهور مقبلة في بلدان قست عليها الطبيعة، أما في السعودية فرطب المدينة هو الأسرع نضجاً.
وعزا حسن محمد سرور المعمري، أحد باعة الرطب من سلطنة عُمان، سر نضج الرطب مبكراً في سلطنة عُمان إلى أن الطقس الشديد الحرارة في عُمان ينعكس إيجاباً لمصلحة النخلة لتصبح الدولة الخليجية الأولى التي تشهد بشائره.
ويضيف: «تراوح أسعار الرطب لدى نضوج ثماره الأولى وفق البلد والزمان، إلا ان السوق الإماراتية سوق رائجة جداً للرطب، وأنا أحرص سنوياً على جني محصولي من ولاية لوى لتسويقه داخل الإمارات، نظراً للمردود المالي الجيد، وابيع تباشير الرطب (النغال) في الإمارات بـ500 درهم للكيلو الواحد، إلا أنها تُباع الآن بـ20 أو 30 درهماً للكيلو، نظراً لزيادة المعروض».
يذكر أن تباشير الرطب الأولى تظهر عادة في ولاية الظاهرة، ومع ندرة العرض يرتفع السعر ليقارن بأسعار الذهب، مشيراً إلى أن أول شجرة نخيل تبشر في الولاية هذا الموسم بيعت بما يعادل 10 آلاف درهم. ويتابع المعمري: «الآن ذروة موسم رطب النغال، ونحن متفائلون بموسم رطب (الخنيزي)، الذي نستعد له بعد أيام قليلة، خصوصاً أن دخول شهر رمضان المبارك هذا العام يتزامن مع بداية موسم الرطب ليشكل نوعا النغال والخنيزي أول تباشير الرطب على موائد الافطار في الشهر الفضيل».
من جهته، يقول علي محمد المنصوري، (مزارع إماراتي)، إن «الرطب يعد فاكهة الصيف المميزة في منطقة شبه الجزيرة العربية، بما تحمله هذه الفاكهة من تنوع وتعدد في الأشكال والمذاق والقيمة الغذائية والاجتماعية». ويضيف: «للرطب في المجتمع الخليجي أهمية خاصة لا تنحصر بكونه مصدراً للقيمة الغذائية فقط، ولكن لارتباطه بعادات وتقاليد وقيم اجتماعية توارثتها الأجيال وارتبطت المائدة الرمضانية بوجود الرطب فيها اقتداء بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة. ولاعتباره الفاتحة الأنسب للإفطار لخصائصه التعويضية المباشرة وهو الغني بالعناصر الغذائية التي يحتاج إليها الصائم، وإن اختلفت الموائد الرمضانية في بلاد المسلمين فقد اتفقت على التمر كقاسم مشترك لابد منه. وتمتاز المملكة بأفضل وأجود أنواع التمور في العالم، ويجمع بائعوه على أن رمضان هو الموسم الحقيقي لهم».
ويؤكد أن الرطب يعد فاكهة الصيف المميزة في شبه الجزيرة العربية، نظراً لتباين وتعدد الأشكال والمذاق والقيمة الغذائية لكل صنف. وأوضح أن «ثمار النخيل ذات قيمة غذائية عالية جداً، ويمكن تخزينها لفترات زمنية طويلة لتكون مصدراً للغذاء على مدار السنة، نظراً لتحول فاكهتها إلى رطب ثم إلى تمر».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news