لاجئون في الدراما العربية

منذ أكثر من خمس سنوات تقريباً، كان العنوان الحاضر بكثافة في معظم الصحف العربية، في قسمها الثقافي والفني، يتمحور حول تفوق الدراما السورية على نظريتها المصرية، بناءً على إحصاءات واستطلاعات رأي شارك فيها المشاهد العربي، واليوم، ومنذ ثلاث سنوات، أي منذ اندلاع الثورة في سورية، لم تقتصر صفة لاجئ على من يترك الوطن هرباً من الموت وظروف الحياة المأساوية، بل تجاوزت ذلك حتى فنياً، فبتنا نشاهد الفنان السوري في كثير من الأعمال العربية الدرامية.

المرحلة بنفس اجتماعي

مسلسل «قلم حمرة»، من إخراج حاتم علي، وتأليف يم مشهدي، يعيدنا إلى فترة نهضة الدراما السورية، يتحدث عن المرحلة الحالية، لكن بنفس إنساني. مقدمة العمل كفيلة بإيضاح رسالة كاتبته التي تعرضت للاعتقال «ما بعرف أديش صرلي قاعدة هون، بعد فترة بتبطّل تعرف أي تفصيل عن الزمن، عن الوقت. أنا ورد.. رح ضل عيد هالاسم مشان ما انسى حالي.. أنا ورد.. اعتُقِلت من الشارع بآذار 2013، لازم اتذكر التاريخ ما بعرف ليش.. بس لازم». التفاصيل في العمل كثيرة وعميقة، وهذا ليس بعيداً عن رؤية حاتم علي المختلفة دائماً.

نقد مباشر

مسلسل «بقعة ضوء» بنسخته الـ10، نصوصه لمجموعة من الكتاب، أشرف عليها الزميل حازم سليمان، لايزال يتطور في اللوحات الدرامية التي يقدمها كل يوم، ولايزال يحكي همومه بطريقة كوميدية سوداء، اعتمدت على فنانين بارزين، أمثال عبدالمنعم عمايره، وأمل عرفة، وباسم ياخور، وغيرهم، هو عمل لم يتأخر في تقديم نقده، بل تجرأ هذا العام عن الأعوام السابقة بالنقد المباشر.

إن الدمج بين ما يقال عن اللاجئ بوضعه التقليدي السياسي والإنساني، يمكن عكسه على ما نشاهده حالياً على الشاشات من مسلسلات عربية يشارك فيها الفنان السوري. ولا يحتاج الأمر لبذل جهد كبير كي نتأكد من أن حضوره في هذه الأعمال يبدو من دون رونق أو خصوصية، فاسمه الذي كان يتصدر الشارة صار اليوم في المرتبة الثانية أو الرابعة. الأزمة ليست بالأسماء، فالدراما السورية هي التي صدرت قيمة البطولة الجماعية في العمل، لكن في التفرد والحضور الذي يبدو في كثير من هذه الأعمال بارداً، ولا يعبر عن قدراته وإمكاناته.

بعيداً عن المسلسلات السورية التي صورت في سورية، والتي اعتمدت كاملة على السوريين من ممثلين وفنيين ومخرجين، وقريباً من المسلسلات العربية الأكثر مشاهدة في الوقت الحالي من خليجية ومصرية وأردنية وغيرها، يوجد الفنان السوري، لكنه لا يتحدث بلهجته هذه المرة. قصي خولي في مسلسل «سرايا عابدين»، للمخرج عمرو عرفة، ومع أدائه الذي لا يُختلف عليه كثيراً، فقد رونقه الخاص، عندما حاول جاهداً، وبفشل ملموس، التحدث باللهجة المصرية، فالأخطاء الواضحة في رنين اللهجة طغت على أداء كان من الممكن أن يكون مميزاً ومختلفاً، فهو لاجئ إلى هذا النوع من الدراما، في دور أول له خارج المسلسلات السورية.

في المقابل، وعلى الرغم من أن الفنان جمال سليمان، قصد مصر قبل الثورة بسنوات، وقدم أعمال بطولة، وأبدع فيها، إلا أن عمله هذا العام، المتمثل في مسلسل «صديق العمر»، الذي يحكي قصة الصداقة بين الراحل جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، كشف بشكل مباشر عدم إتقانه اللهجة المصرية هو الآخر، وظهر أداؤه باهتاً وغير متقن، خصوصاً أنه سيلقى مقارنة كبيرة بينه وبين الراحل أحمد زكي، الذي جسّد شخصية عبدالناصر.

أما في مسلسل شوقي الماجري (حلاوة الروح)، الذي يضم ممثلين من مصر وسورية وفلسطين ولبنان، فنستطيع القول إنه أنصف الأداء للمثل السوري، لأنه غير مضطر لاتقان لهجة أخرى أو الحديث عن قصة بعيدة عنه، وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية الكاملة للمسلسل، والرسالة المراد إيصالها، والارتباك الشديد في خيار المخرج للفنانين السوريين، الذين ينقسمون بين مؤيد للثورة ومعارض لها، إلا أن الصبغة العامة مدعاة للتفاؤل، ومن الواضح أنه أعطى كل ممثل دوره الحقيقي في الواقع ليترجمه إلى تمثيل، فعندما تشاهد الفنان مكسيم خليل، على سبيل المثال، وهو يتحدث عن «الثورة السورية» في مشهد تمثيلي، تشعر بأن المصطلح بحد ذاته يخرج من كل قلبه، وتشعر حينها بأنه لا يمثل.

في المقابل، من الواضح أن الفنان السوري، عابد فهد، رضي بأن يتقن دورين لا ثالث لهما في الدراما العربية، فإما أن يكون ضابط أمن متنفذاً، أو أن يكون زوجاً مغدوراً به من زوجته، يرتدي الأزياء نفسها، ويؤدي الصفات نفسها، لكنه هذه المرة في المسلسل اللبناني (لو) يؤدي دور الزوج المحب، ومع ذلك تخونه زوجته، وأحداث العمل في الأيام المقبلة ستكشف التحولات في شخصية فهد.

في المسلسل البدوي الأردني «طوق الاسفلت»، بطولة صبا مبارك، يقف أمامها الفنان السوري سامر إسماعيل، الذي جسد شخصية خليفة المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في مسلسل «عمر». في هذا العمل الحضور السوري يتناسب مع بيئة بلاد الشام، فلم يقع إسماعيل في فخ المقارنة بين ما يقدمه حالياً وما قدمه سابقاً.

أما باسل خياط، فيظهر هذا العام في المسلسل المصري «السيدة الأولى» أمام غادة عبدالرازق وممدوح عبدالعليم، وكغيره من الفنانين السوريين في الدراما المصرية، يتحدث اللهجة المصرية التي لم يتقنها، ويحاول خياط التميز في هذا العمل مع وجود أسماء كبيرة فيه، لكنه سيظل محصوراً في زاوية تتبع أخطاء لهجة لا يتقنها، على حساب أدائه.

في المقابل، يأتي الجزء السادس من «باب الحارة»، رؤية بسام الملا، وإخراج عزام، فوق العادة، ليقدم البيئة الشامية التي كان ينتظرها المشاهد كل عام، مستغنياً هذه المرة، وبأمر رئاسي، حسب ما تناقلته وسائل الإعلام، عن كل مصطلح له علاقة بـ«الثورة»، حتى التي يناقشها المسلسل بثورتهم ضد فرنسا. عودة الممثلين إلى استوديوهات «باب الحارة»، بعد انقطاع ثلاث سنوات، لم تكن عودة على قدر الإعلان عنها، فالحوار باهت، ومضحك أحياناً من سذاجته، ومع ذلك تظل مقدمة المسلسل بأغنيته تلامس القلب قبل العقل، وهذا هو رهان العمل على ما يبدو.

 

 

 

 

الأكثر مشاركة