«التصوف».. تجربة روحية وثورة شاملة
يسجل كتاب «التصوف.. الثورة الروحية في الإسلام» أن الحياة الروحية بلغت ذروتها في التصوف الذي كان نقطة التقى فيها المسلمون مع أصحاب الديانات الأخرى، وأنه أول ثورة شاملة ضد الظلم السياسي والاقتصادي والاضطهاد، فضلاً عن الرغبة في الاستغناء عن ثراء كان ثمرة للفتوحات في صدر الإسلام.
ويقول مؤلف الكتاب، أبوالعلا عفيفي، إن الزهد كان مدخلاً لثورة المسلمين الروحية «على ذلك الثراء المفاجئ الذي أصابوه.. قامت في نفوس أتقيائهم ثورة داخلية هي نزاع بين نفس لاتزال على إيمان غض قوي؛ ودنيا مقبلة عليهم بشهواتها ومباهجها»، فكان الخلاص برياضة النفس على المجاهدة، والاستغناء عن الملذات.
ويرجّح أن دعوة أبي ذر الغفاري، وهو أحد صحابة النبي محمد، صلى الله عليه «كانت صدى لهذه الثورة» على الأثرياء، وفي مقدمتهم بنوأمية، ويلقب أبوذر بأنه أول الاشتراكيين في الإسلام.
ويضيف عفيفي أن أباذر المتوفى عام 32 من الهجرة «قضى الشطر الأكبر من حياته في مناهضة بني أمية وأساليب حياتهم وحكمهم والسخط على أغنياء عصره، داعياً إلى حياة اشتراكية عادلة في حدود الإسلام وتعاليمه».
ويرى أن التصوف الإسلامي هو وليد تاريخ الإسلام الديني والسياسي والعقلي، وأنه كان ثورة على النظام السياسي الظالم، والنظام الاجتماعي غير العادل في القرن الأول من صدر الإسلام، إذ شهد «حوادث سياسية خطيرة»، ومال البعض إلى العزلة والزهد نشداناً لراحة الضمير.
وأبوالعلا عفيفي (1897-1966) كان الأول على دفعته في كلية دار العلوم، فسافر في بعثة إلى بريطانيا لدراسة التربية، لكنه اتجه إلى دراسة الفلسفة في جامعة كمبريدج، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه في أعمال محيي الدين بن عربي، الملقب بالشيخ الأكبر، ثم قام بتدريس مادتي المنطق والفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة.
وقال الشاعر أسامة عفيفي، حفيد المؤلف، إن جده وضع «أول كتاب عربي» في المنطق لطلبة المدارس التوجيهية ــ الثانوية بعنوان «المنطق التوجيهي»، كما وضع «أول قاموس» للمصطلحات الفلسفية، وله ترجمات ومؤلفات بالإنجليزية والعربية. وأضاف أنه تولى عمادة كلية الآداب، وكتب دراسات عن المتصوفة والأدب الصوفي وجمالياته في مجلات «الرسالة»، و«الثقافة»، و«الهلال»، و«الأزهر»، وكثير منها لم ينشر.
ويقول المؤلف إن التصوف في جوهره ظاهرة إنسانية ذات طابع روحي غير محدودة بزمان أو مكان أو جنس أو لغة، وإنه يتجاوز الفلسفة، لأنه حال أو تجربة روحية «استبطان منظم للتجربة الدينية ولنتائج هذه التجربة» في النفس. وللتصوف عشرات التعريفات، منها «ألا تملك شيئاً ولا يملكك شيء».
ويضيف أن أساس الطريق الصوفي وفلسفته تصفية النفس وتطهيرها من أدران البدن، فاقترن الصوفي بالصفاء، لأن الصوفي يتجاوز عالم الحس إلى الفناء في الهب، وهي منزلة روحية يحصل للصوفي فيها ما يسمى «الإشراق».
ويسجل أن «أتقياء المسلمين لم يجدوا في فهم الفقهاء والمتكلمين للإسلام ما يشبع عاطفتهم الدينية فلجأوا إلى التصوف لإشباع هذه العاطفة.. تلمس اليقين عن طريق الوجدان»، فكان الزهد بداية الطريق الصوفي إلى المعراج الروحي.
ويرفض القول بأن الفناء الصوفي نوع من النرفانا الهندية، لأن «النرفانا ظاهرة سلبية محضة، وفكرة متفرعة عن مذهب تشاؤمي شامل».
ويقول إن «الصوفية لم يشاركوا عامة المسلمين في نظرتهم للدنيا ومباهجها، ولم يشاركوا علماء الفقه في نظرتهم للدين، ولم يشاركوا الفلاسفة في نظرتهم إلى الإنسان والوجود».
ويخلص إلى أن التصوف الإسلامي «جاء ثورة شاملة على هؤلاء جميعاً. وكانت هذه الثورة أخص مظهر من مظاهره، أو كانت المظهر الذي أعلن فيه الإسلام عن روحانيته الصادقة».