روح الإسلام بألوان هادئة وساكنة
اختار «ذا غاليري» في اعمار بافيليون تقديم لمحة عن الفنون الإسلامية في المعرض الذي افتتح أخيراً خلال شهر رمضان المبارك، والذي يستمر حتى نهاية أغسطس، فقدم مجموعة من اللوحات التي أخذت من الفن الإسلامي الحديث والمعاصر، وكذلك الكلاسيكي الذي لطالما ارتبط بفن الخط العربي. تطغى روح الإسلام على المعرض الذي أخذت أعماله من الكعبة المشرّفة وآيات القرآن الكريم وأسماء الله الحسنى، في حين كانت الألوان الطاغية على اللوحات تبعث في المتلقي نوعاً من السكينة والهدوء.
صوفية كانت أعمال الفنان الأسترالي، بيتر غولد، متوجهة إلى نوع من الصوفية، يتجلى في شكل الدرويش الذي كان يتراقص على وقع حروف الكلمات التي اتت على شكل جسده، فتبدو أنها ذات روحانية عالية. ويتجلى في أعماله مزيج ثقافي يحمل من إرثه الحضاري، وكذلك من المكتسب الإسلامي الذي حصّله من خلال أسفاره في الشرق الأوسط، لذا تبدو لوحاته حالة خاصة من محاولة ربط الثقافة الغربية بالعربية. تصوير تميزت أعمال المصور البريطاني، جورج لويس، بكونه شديدة التعبير عن البيئة المحلية. قد لا تحمل الملامح الإسلامية بشكل بارز ومباشر، إلا أن لويس يلتقط مشاهده في محطات تجعل المشهد العام الذي يصوره يتشكل أمام الناظر، وكأنه نوع من مخاطبة الفنان للنظم والقيم الإنسانية السائدة في البلد. وكان من أبرز الأعمال في المعرض صورة مسجد الرجل الذي يسير خلف الجمل، وفي خلفية الصورة مسجد الشيخ زايد، بينما تظهر الصحراء في الصورة بشكل متميز في وقت الغروب. |
ثمانية فنانين اجتمعت أعمالهم في المعرض، نظراً للتقارب الذي يجمعهم، وهو الاستقاء من روح الإسلام، سواء من خلال طغيان المعاني الروحية أو حتى من خلال الألوان التي امتزجت مع الحروف، كما في أعمال الفنان البريطاني سمير مالك، الذي حرص على الجمع بين الأشكال الهندسية للحرف واللون. قدم مالك أعماله بطريقة غرافيكية مميزة، مستخدماً الخطوط الكلاسيكية، ومنها خط الثلث لكتابة «الله أكبر»، وغيرها من العبارات التي ارتبطت بالإسلام. إلى جانب هذه العبارات الإسلامية تجلى الخط الإسلامي مع اسماء الله الحسنى التي كتبتها الفنانة الهندية سلفا رسول، إذ كانت تعنى بمنح اللوحة تقطيعات هندسية، تكون دائرية تارة، وطوراً تتبع حركة الكلمة، فتصبح أكثر ميلاً إلى الشكل المربع. توزع أسماء الله الحسنى في وسط اللوحة، لتقوم بعد ذلك بالعمل على التوزيع اللوني الذي يتناسب مع الدلالات التي تحملها الأسماء المكتوبة في اللوحة، فتتجلى العظمة من خلال قوة اللون.
الفنانة صديقة جمعة، المتحدرة من شمال إفريقيا، برزت كواحدة من أبرز العاملين في الفن الإسلامي، فكانت شديدة التأثر بمظاهر العبادة، فأبرزت الكعبة وسط الألوان التي تبرز جمهرة الناس من كل الأطياف والثقافات. طقس العبادة الذي جسدته بالكعبة انتقلت به إلى الجوامع التي امتزجت بالحروف، وكذلك من خلال الأبنية التي كانت ترسم منها القبة الدائرية، مع تكرارها في الأعمال. اعتنت الفنانة بإبراز كلمة الحق في عملها الفني، فبدت كما لو أنها شديدة الاهتمام بالموازنة بين المعنى واللون في اللوحة. أما اللون الذي تحرص على إبراز قوته فتمنحه التدرج في الطبقات، وكذلك في المادة المستخدمة، معتمدة على التجريد، وكذلك مستندة على قوة اللون الذهبي الذي يمزج مع الألوان الترابية الداكنة في اللوحة ليوجد جواً دافئاً. في المقابل، نجد أن الفنان اللبناني الأصل، ريتشارد ماكليود، كان شديد الحرص على إبراز قوة الخط باللون من خلال الاكريليك الذي يركز فيه على الألوان الفاتحة والمتدرجة من الزهري إلى الأزرق، والتي تبدو شديدة البهجة والتغني بمحبة الله، لاسيما أن أعماله ترتكز على الكتابات الدينية والإسلامية. هذه البهجة تمثلت في أعمال الفنان عادل عابدي أيضاً، الذي حرص على منح النصوص الدينية التي اختارها توزيعات متميزة، فكانت عبارة «اهدنا الصراط المستقيم» على شكل سلسلة تتدلى من آخرها حبة من الياقوت الأحمر، بينما اختار في النص الآخر إبراز قوة التركيب من خلال الأبعاد التي جسدها في اللوحة. من جهته، قال المسؤول عن اختيار الأعمال وتنظيم المعرض ومؤسس «أهلاً آرت»، حسن ماوجي، إن «أهلاً غاليري حرص على إبراز الجمال في الفن، والذي ظهر في الخط العربي والعنصر الشرقي، وكذلك برز لاحقاً في التجريد، كما في مجموعة من اللوحات الإسلامية». ولفت إلى أن «الفن يبرز المفاهيم والأفكار، وأن ما يميز المعرض الذي يجمع ما يزيد على 25 عملاً هو أننا حرصنا على أن نقدم أعمالاً في الفن الإسلامي من أشخاص ليسوا مسلمين، بل أحبوا المعاني الجميلة في الإسلام». واعتبر أن إبراز الإسلام بصورة مميزة وجميلة هو الهدف الأبرز من المعرض، إذ من الضرورة التصويب على أهمية رؤية الإسلام من الزاوية الصحيحة.
ورأى أن الغرب يهتم كثيراً بالفن الإسلامي، وهذا يعود إلى أكثر من سبب، ومنها أنهم لم يعتادوا على رؤية هذا الشكل في الفن، إلى جانب الطاقة المختلفة في اللوحة، فهناك الكثير من القيم التي تتجلى في الأعمال، وكذلك الإنسانية الخيرة. ورأى أن الفن الإسلامي اليوم يتماشى مع العصر والحداثة، فهناك الكثير من الأعمال الحديثة التي تقدم بتجريد، فيصح القول إننا بتنا في مرحلة الحديث المعاصر الإسلامي. وحول الأسس التي يتبعها قبل اختيار الأعمال، فشدد على أنها تتبع الثيمة الأساسية أولاً، ثم الجديد والرؤية المتميزة التي لم تعد تقتصر على الخط العربي.
واعتبر ماوجي أن تفاعل الناس مع الفن الإسلامي بات يتصاعد، وأكثر تميزاً، لاسيما لبعض القطع المتميزة في المعرض، ومنها الصور الفوتوغرافية، ولذا هناك بعض القطع الفنية التي يمكن الحصول على نسخ منها. أما انتشار القطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأشار ماوجي إلى أن من الخطوات التي ستسهم في جعل الإسلام يعلو في مراتبه، لاسيما أن هذه الوسائل باتت أساسية في طرح أي مشروع فني أو رؤية للوصول إلى عدد أكبر من الناس.