قطار الاتحاد.. تاريخ إماراتي يغيّر «الربع الخالي»
يعيد مشروع قطار الاتحاد الاستراتيجي كتابة تاريخ المنطقة من جديد، خصوصاً أن العمليات التجريبية بين حبشان والرويس قد بدأت منذ عام تقريباً، في حين سيتم استكمال الجزء الأخير من المرحلة الأولى بين حبشان وشاه قبل نهاية هذا العام لتكون الإمارات أول دولة خليجية تشغل قطاراً يعبر صحراء الربع الخالي.
ليوا.. أبوظبي.. بقية الإمارات
يرى خبراء أن شركة الاتحاد للقطارات (مطور ومشغل المشروع) بهذا المشروع الاستراتيجي وسط الرمال تعيد كتابة تاريخ المنطقة من جديد، إذ إن قبيلة بني ياس انطلقت من ليوا في صحراء الربع الخالي متجهة إلى جزيرة أبوظبي على ظهور الإبل لتستقر بها وتتخذها عاصمة لها ثم لدولة الإمارات ككل، واليوم ينطلق قطار الاتحاد من ليوا متجهاً إلى حبشان وقريباً إلى أبوظبي ومنها إلى بقية إمارات الدولة الأخرى. يسير فوق أنقاض مدقات وطرق القوافل القديمة ويحيها لتدب الحياة من جديد وسط الصحراء في وقت نرى كثيراً من دول العالم تجدد خطوط سكك الحديد القديمة لديها كونها من المعالم السياحية والتراثية، ولكن شركة قطار الاتحاد تفتخر بأنها أحيت تراثاً غاص تحت الرمال، وهو أمر أصعب من صيانة خطوط السكك الحديدية الموجودة والظاهرة للعيان. وأخذ قطار الاتحاد هذه التسمية نسبة إلى الثاني من ديسمبر عام 1971، وهو يوم إعلان تأسيس دولة الإمارات وقتها أعلنها زايد على مسامع الحكام «الاتحاد أمنيتي وأسمى أهدافي لشعب الإمارات». مهدت هذه الكلمات الطريق أمام عقد الاجتماع الأهم لحكام الإمارات الذي أقروا فيه مشروع الدولة الاتحادية وانطلق قطار الاتحاد بقوة دفع كبيرة، فقد عمل الشعب والقيادة معاً للاندماج مع روح العصر الحديث بصورة شمولية في جميع الميادين الحياتية، وحققت الدولة الفتية معدلات مرتفعة للنمو السريع تعد نادرة التحقق في كثير من المجتمعات النامية أو حتى المتقدمة، فسمي القطار بهذا الاسم تيمناً بالاتحاد وإنجازات اتحاد دولة الإمارات. مراحل عند الانتهاء من المشروع سيمتد على مسافة 1200 كيلومتر، بطاقة استيعابية تصل عند بدء التشغيل إلى 50 مليون طن من البضائع و16 مليون راكب سنوياً، وتغطي شبكة الاتحاد للقطارات كل إمارات الدولة خصوصاً المناطق الصناعية الاستراتيجية الكبرى فيها، إضافة إلى الربط بين مدينة الغويفات الواقعة على حدود الإمارات مع السعودية، ومدينة العين مع سلطنة عمان، إلى جانب دوره الحيوي في العديد من مناطق الدولة ومنها المنطقة الغربية التي أطلقت خطتها الاستراتيجية 2030، حيث إن القطار سيسرع في العملية التنموية، ويسهل نقل البضائع والركاب . ويبلغ طول المرحلة الثانية من مشروع قطار الاتحاد نحو 628 كيلومتراً، وستربط المناطق الصناعية والحضرية ومنافذ الدولة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما سيبلغ طول مسار المرحلة الثالثة 279 كيلومتراً، ويتم فيها ربط كل مناطق إمارات الدولة ببعضها بعضاً. |
ومسرح الانطلاق والتشغيل التجريبي للقطار يمر بقلب واحات ليوا الشهيرة «مزيرعة»، التي تعد بوابة ومدخل الربع الخالي، والتي تضم أكبر وأجمل الكثبان الرملية في العالم، وهي مساحة شاسعة من الصحراء التي تمتد عبر المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، والتي كانت في الماضي القريب هدفاً لكثير من رحلات المستكشفين الذين جاءوا خصوصاً من أجل الاستكشاف والبحث عن عالم غامض ليصبح له تاريخ.
وتلك الواحات الصحراوية حتى بداية السبعينات من القرن الماضي لا تعبرها بأحسن الأحوال إلا قوافل الإبل، ولكن عندما بدأ المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس وباني دولة الإمارات العربية المتحدة، يزورها بعد توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966 لامس حاجة المنطقة إلى كسر عزلتها الموحشة، فأمر بشق الطرق وسط الرمال، واستبدلت بالإبل السيارات، وأخذ التطور يدب في الصحراء رويداً رويداً حتى أصبح بها حالياً أجمل وأحدث المدن.
ولأن كل شيء يتطور في الإمارات بسرعة البرق، لذا أصبح من المألوف أن يجد السائح في مدينة أبوظبي إعلاناً للوصول إلى تلك الصحراء وعبورها جواً برحلات «الهيلوكوبتر» السياحية التي تنظمها بعض الشركات السياحية في العاصمة حتى أصبحت تلك الصحراء اليوم من أهم الوجهات السياحية خارج العاصمة لمن يريد مشاهدة عظمة صحراء الربع الخالي الساكنة، وأكبر منبسط صحراوي رملي في العالم.
أن تعبر تلك الصحراء بطائرة الهيلوكوبتر لتهبط وسط قصر السراب في قلب الصحراء فهذا أمر طبيعي وإلى هنا والأمور تسير بشكل اعتيادي، ولكن عندما تهبط هناك وتتجول في المكان وأثناء تجوالك يمر قطار بجوارك يشق طريقه وسط الرمال المتحركة فهذه معجزة لا تتحقق إلا في دولة الإمارات، ولتضيف لإنجازاتها السابقة المميزة إنجازاً جديداً.
المواطن محمد بن علي المرر (75 عاماً) أحد سكان واحات ليوا لا يحلو له الجلوس إلا فوق أحد الكثبان الرملية الشاهقة الارتفاع، يصعد ويجلس مفترشاً الرمال الناعمة يلقي ببصره بعيداً على الكثبان الرملية التي تلوحها أشعة الشمس ممتدة على امتداد البصر في عمق الصحراء لا يطيل النظر فيها لأنها منطقة جرداء، ولا يوجد بها ما يشد النظر، ولكن عندما يحرك نظره إلى الأسفل يرى قضبان السكة الحديد التي تمتد بطول البصر وسط الصحراء الجرداء، ويطيل النظر والتأمل في تلك القضبان. ويقول «كانت المحاضر محطة مفضلة لتوقف القوافل للاستراحة من عناء الطريق في مزارع النخيل التي تجاورها وفرة المياه العذبة ثم تستكمل الرحلة، وقد كتبت هذه القوافل نوعاً من التواصل لحضارات ظهرت واندثرت بالمنطقة، والعجيب أن التنقل على ظهور الهجن كان لوقت قريب هو أفضل وسائل التنقل والترحال ونقل البضائع في هذه الصحراء».
ويضيف المرر «في الفترة التي سبقت قيام الاتحاد لم تكن هناك أي طرق آمنة ولا رجال أمن يوفرون الأمان لعابري الطريق، وكانت الرحلة إلى أبوظبي شاقة ومخيفة وسط الرمال وتستغرق أسبوعاً كاملاً لا يخفف من مشقتها إلا المرور على بعض الطوايا فتروي ظمأ الإنسان والحيوان».
ولا ينسى المرر في جلسته أن يترحم على المغفور له الشيخ زايد ثم يبدأ بذكر فضله على المنطقة، إذ أمر بتعبيد الطرق، وتغيرت الأحوال إلى الأحسن، مضيفاً «سرعان ما بزغ فجر زايد، وبلغ أرجاء هذه المناطق، وأصبح أهلها والمناطق المجاورة ينعمون بالكثير من المزايا، وعوّض أهلها عن حياة البؤس والشقاء التي عاشوها جيلاً بعد جيل، ولتبدأ المحاضر مرحلة تاريخية جديدة وملحمة بطولية مذهلة مع البناء والتطور قادها بحنكة وحكمة وإصرار وعزيمة لا تلين.. حاكم تفهم المعنى الحقيقي لهبات الله وسط الصحراء».
ويتابع المرر «كأن التاريخ يعيد كتابة نفسه في هذه المنطقة، إذ سخر الله لنا الشيخ زايد ليحول مدقات طرق القوافل إلى طرق سريعة بأفضل المواصفات العالمية، واليوم وفي عهد أبناء زايد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حولوا هذه الطرق والمدقات إلى خطوط سكك حديدية لنصل إلى أبوظبي في أقل من ساعة».