طوكيو وكيوتو.. الحداثة تعانق تاريخ الساموراي
تشتهر اليابان على الصعيد العالمي بأنها معقل الصناعات الإلكترونية المتطورة، ولذلك تمتاز العاصمة طوكيو بالكثير من المظاهر الحضارية الحديثة، شأنها في ذلك شأن معظم المدن الأوروبية والأميركية الكبرى، في حين تعتبر مدينة كيوتو بمثابة الكنز التاريخي لليابان، حيث تزخر بالعديد من المعابد والمزارات الدينية. وعند زيارة المدينتين ينطلق السياح في رحلة بعيدة عبر الزمن للتعرف إلى تاريخ الساموراي مع استشراف مستقبل في إحدى المدن العالمية الكبرى.
وعندما يخيم الظلام على العاصمة اليابانية طوكيو تسطع ألوان «النيون» في كل مكان، وتندفع الأضواء الملونة صعوداً وهبوطاً على واجهات المباني في حي شينخوكو، الذي يعتبر أرقى أحياء المدينة. وتزدحم الشوارع بالمارة سواء كانوا من السياح الوافدين أو السكان المحليين، ويظهر في نوافذ العرض بمتاجر الإلكترونيات أحدث الموديلات ويتم تشغيل جميع أجهزة التلفاز في الوقت نفسه. وتنبعث رائحة شواء الوجبة الخفية «ياكيتوري» من الأزقة الضيقة المنتشرة في المدينة العامرة. وأثناء جولة السياح في العاصمة اليابانية يمكنهم مشاهدة إحدى السيدات الأنيقات التي تجلس وفي يدها سيجارة، وعندئذ يتخيل المرء أنه يجلس في مقهى فاخر بأحد الشوارع الباريسية. وتزخر طوكيو بأجواء من الفخامة والرقي، وتكتسي بثوب من الحداثة والعصرية يشعر معها السياح بأنها نسخة من الرقي والحضارة الغربية.
ويحاول السياح تصنيف انطباعاتهم في هذه المدينة الكبيرة، حيث يظهر الشباب بجسم مفتول العضلات مع ارتداء أحذية باهظة الكلفة، مع تسريحات غريبة بواسطة جل الشعر، وتظهر سيدات المجتمع في العاصمة طوكيو في غاية الأناقة والرقي، وعادةً ما يحملن حقائب يد باهظة الكلفة لأشهر الماركات العالمية. وتزخر منطقة التسلية والترفيه كابوكيتشو بالعديد من الحانات والنوادي الليلية وبارات الكاريوكي.
وينتاب السياح شعور بأنهم قد سافروا 10 سنوات في المستقبل بمجرد وصولهم إلى طوكيو، خصوصاً في محطة شينخوكو، التي يستخدمها نحو 3.5 ملايين راكب يومياً، وبالتالي فإنها تعتبر أكبر محطة قطارات في العالم، حيث يخيل للسياح أنها عبارة عن متاهة من الممرات، ولا تبدو هناك نهاية لمنصات الصعود أو السلالم المتحركة في المحطة. ومع ذلك لا تبدو أية مظاهر للفوضى في المحطة، ولا يتصادم الركاب مع بعضهم بعضاً، بل يصطف اليابانيون في منتهى النظام أمام أبواب القطارات، ولذلك تشتهر طوكيو بتفوق النضج الحضاري لسكانها.
وعلى الجانب الآخر، تظهر مدينة كيوتو بصورة مختلفة تماماً عن العاصمة اليابانية طوكيو، فعندما يصل السياح إليها بواسطة القطار السريع شينكانسن، فإن أول ما يشاهدونه في هذه المدينة محطة السكك الحديدية التي تمتاز بالبهو الكبير بطول 500 متر مع السقف الزجاجي.
وبمجرد أن تطأ أقدام السياح الشوارع ويتجولون في الأزقة الضيقة فإنهم يشاهدون يابان ما قبل الحداثة، حيث لا يُسمح بتشييد المباني العالية في مدينة كيوتو، وتزخر هذه المدينة التاريخية بالعديد من المعابد والقصور والحدائق، حيث يحتاج السياح لأيام عدة لزيارة كل هذه الكنوز الأثرية. ويشعر المرء أثناء زيارة كيوتو أنه انطلق في رحلة مختلفة إلى الماضي العريق لليابان. وقد تم تشييد المدينة الإمبراطورية خلال القرن الثامن الميلادي وتم تصميمها على غرار رقعة الشطرنج، وقد ظلت مدينة كيوتو هي المركز السياسي والديني في اليابان لقرون عديدة. ومع بداية صعود الساموراي، وهم طبقة المحاربين القدماء في اليابان، وبداية فترة توكوغاوا، انحصرت أهمية مدينة كيوتو وتقلص تأثيرها، وأصبحت مدينة إيدو، المعروفة باسم طوكيو حالياً، هي المركز السياسي والعسكري للسلطة الجديدة.
وأوضح البروفيسور فولفغانغ شفينتكير، أستاذ التاريخ المقارن بجامعة أوساكا، أن مدينة كيوتو لاتزال محتفظة بطبيعتها التاريخية ولم تطرأ عليها مظاهر الحداثة الجذرية، وتشكل المباني التمثيلية الطابع المميز لصورة المدينة، وتمتاز بالعديد من الجوانب الجمالية والتراثية.
وأثناء جولة السياح في حي جيون القديم فإنهم يشاهدون سلسلة من المطاعم الفاخرة بجوار بعضها بعضاً، ودائماً ما يتم تعليق ستارة أمام أبواب المطاعم والحانات، ونظراً لتساقط الأمطار على المنطقة قبل قليل، فإن قطرات الماء لاتزال تتساقط من الأسقف البارزة.
وعندما وصل السياح إلى معبد كينكاكوجي، الذي يقع شمال مدينة كيوتو، كانت الغيوم العاصفة لاتزال معلقة على المنحدرات الجبلية، ويمتاز هذا المعبد بوجود سرادق ذهبي وراء بركة مياه كبيرة، التي ينعكس على صفحتها المبني المغطى برقائق الذهب بالكامل. وخلال عام 1950 أشعل طالب بوذي النار في المعبد بزعم أنه لم يقدر على تحمل روعة وجمال البناء، وذلك بحسب ما وصفه الكاتب يوكيو ميشيما في كتابه «حريق المعبد».
وبعد هذا الدمار أُعيد بناء السرادق من جديد وتمت تغطية جدرانه برقائق الذهب بالكامل مرة أخرى. ويعتبر معبد كينكاكوجي من الأماكن المثالية للتأمل الهادئ، خصوصاً في الأيام التي يقل فيها عدد زواره بسبب تساقط الأمطار، ففي مثل هذه الأوقات ينعم السائح باسترخاء عميق ويستمر في التحرك بين جنبات المعبد لسبب غير واضح.
حي شيبويا
إذا رغب السياح في رسم صورة عن مدينة طوكيو فيتعين عليهم الذهاب إلى حي شيبويا، الذي يعتبر من أهم مراكز الأعمال في العاصمة اليابانqqية، ويشتهر هذا الحي بمجال الموضة خصوصاً بين الشباب، وتنشط فيه الحياة خلال الفترة المسائية.
وتصطف المتاجر بجوار بعضها بعضاً في شارع تكشيتا، ويشاهد السياح أثناء تجولهم في هذا الشارع العديد من المصورين وهم يقومون بالتقاط صور الأزياء الحديثة، سواء كان ذلك لمجلة موضة عالمية أو مدونة غير معروفة في عالم الموضة.
طاقة
طوكيو تستهلك الكثير من الطاقة، وإذا كانت هذه المدينة دولة، فإن الناتج المحلي الإجمالي لها أكبر من الناتج المحلي لبلد مثل تايلاند والنمسا. وبالطبع لا يوجد مركز واحد في المدينة، ولكن هناك عشرات المراكز الحيوية بالعاصمة اليابانية طوكيو، ويكفي إلقاء نظرة على خريطة خطوط المترو، التي تبدو كأنها رُسمت بأقلام ملونة بواسطة أنامل طفل صغير.
مواصلات
من غير المألوف في العاصمة اليابانية طوكيو أن يتنقل الموظفون في وسائل المواصلات ساعتين أو ثلاث ساعات كي يصلوا إلى مقر عملهم، ولكنهم دائماً ما يسكنون بجانب محطات السكك الحديدية الرئيسة. كما أنه من الأفضل بالنسبة للسياح الإقامة في الفنادق القريبة من النقاط الرئيسة لشبكة المواصلات العامة.