سلطان القاســــمي: حماية الأطفال فطرة إنسانيــة سامية
أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن الاهتمام بإقامة وعقد المؤتمرات المعنية بحماية ورعاية الأطفال واليافعين ليس بالأمرالجديد ولا المستحدث، بل هو ذوعلاقة مباشرة بالفطرة والمبادئ الإنسانية السامية، التي تعتنقها جميع شعوب العالم، مهما اختلفت حضاراتها وهوياتها، وقد نتج عن تلك المؤتمرات العديد من المواثيق الدولية والتشريعات والقوانين المحلية، التي تبرز حقوق الأطفال واليافعين في الحماية من الاعتداء بكل أنواعه ومصادره، والرعاية الشاملة، خصوصاً الثقافية والصحية والتعليمية، لينمو الأطفال واليافعين آمنين، وليشاركوا في صنع مستقبل ورخاء مجتمعاتهم أينما كانوا.
جاء ذلك في كلمة سموه التي ألقاها صباح أمس، خلال افتتاح فعاليات مؤتمر «الاستثمار في المستقبل ــ حماية الأطفال اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، الذي ينظم للمرة الأولى في المنطقة، تلبية لدعوة من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، المناصرة البارزة للأطفال اللاجئين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبحضور سموها شخصياً إلى جانب حضور الملكة رانيا العبدالله، عقيلة ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وسمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.
شلالات دم ألقى أمين عام الجامعة العربية، الدكتور نبيل العربي، كلمة أعرب فيها عن ألمه لمناقشة قضية تتعلّق بمستقبل المنطقة العربية بأسرها، وهي قضية حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة وأثناء اللجوء، مشيراً إلى أنه من واجبنا اليوم أن نتضامن جميعاً وباسم الضمير الإنساني من أجل حماية الأطفال من كل أشكال العنف. وأضاف: ان شلالات الدم التي نشهدها على الأرض العربية في مناطق مختلفة من بينها سورية، أصبحت تُعبّر عن نقص واضح في وسائل وآليات التدخل الإنساني للتعامل مع الأزمات الدولية الكبرى، التي تمثل تهديداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، وأشاد العربي بالجهود الكبيرة التي تقوم بها سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، من خلال حملة «القلب الكبير» لحماية الأطفال واليافعين من اللاجئين السوريين، وتوفير الرعاية الصحية والمواد الإغاثية الأساسية والمأوى والغذاء. |
وأضاف سموه «للأسف الشديد، ونظراً للظروف المختلفة والمتغيّرة التي تحيط بالعديد من بلاد العالم، خصوصاً منطقتنا في السنوات الأخيرة، نجد أمامنا الآن ملايين الأطفال واليافعين والنساء، في حالة مأساوية قاسية، نزحوا من ديارهم هاربين من أهوال الصراعات والنزاعات المسلّحة، التي تدمّر دون تمييز، كل ما هو أمامها من بشر وممتلكات، ويتجاهل منفذوها ما تنادي به الأديان السماوية كلها، وكل ما تحتويه التشريعات والقوانين المحلية والمواثيق الدولية من الحقوق الأساسية».
وأشاد صاحب السمو حاكم الشارقة بالجهود التي بذلتها دول جوار مناطق الصراع، وبعض الدول الاخرى والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، والمنظمات المعنية بجامعة الدول العربية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني كل في مجاله، بإقامة المخيمات المؤقتة لإيواء اللاجئين والنازحين، وتقديم المساعدات المادية والعينية والتنسيقية، والعمل على توفير بعض الخدمات الأساسية في المخيمات.
وقال سموه «لقد تبيّن جلياً من خلال الممارسات الفعلية في أماكن تجمع اللاجئين والنازحين، الحاجة الملحّة لزيادة ودعم التعاون بين جميع المشاركين، في تقديم الحماية والرعاية الشاملة خصوصاً في مجالي الصحة والتعليم داخل المخيمات وخارجها، لتعظيم الاستفادة من الجهود المبذولة، ولتأهيل الأطفال واليافعين لمستقبل أفضل لهم ولمجتمعاتهم، ونحن نتوق لمعرفة خلاصة خبراتكم وتوصيات مؤتمركم في هذا الشأن».
وأعرب سموه في ختام كلمته عن أمله في أن تؤدي الحوارات والمناقشات إلى الخروج بتوصيات عملية مبتكرة، تتلاءم مع أوضاع منطقتنا، لدفع الجهود المبذولة لحماية وتوفير الرعاية الشاملة للأطفال واليافعين النازحين من ديارهم، في ظروف قهرية قاسية داخل بلادهم وخارجها.
وألقت الملكة رانيا العبدالله كلمة رئيسة خلال الافتتاح، أكدت فيها أن كارثة اللاجئين تعتبر من أعظم الكوارث الإنسانية التي يدرك الجميع حجمها وقوة صفعتها على وجه إنسانيتنا. وأضافت: «نعلم أن الجميع يحاولون مساعدة اللاجئين والوقوف إلى جانبهم في محنتهم، لكن الكوارث الإنسانية تحتاج إلى جهود كل الناس، فالاقتلاع من الوطن يخلق واقعاً جديداً، فالدنيا صغيرة عندما ننظر إليها ونحن آمنين، لكنها موحشة وكبيرة وغريبة لمن لا يعيش في أمان، حين يخرج الإنسان من وطنه قسراً ينتقل من كونه ملكاً في بيته إلى كونه رقماً، بالرقم يأكل وبالرقم يسكن وبالرقم يعيش».
وأضافت: «في الأردن كثافة اللجوء السوري تشكل تحدياً كبيراً لنا، خصوصاً في المجتمعات المحلية المستضيفة. هناك أكثر من مليون سوري في الأردن، منهم 613 ألفاً فقط مسجلون في الوثائق والسجلات، الأردن صغير بحجمه، إلا أنه كبير في انتمائه القومي والإنساني، والبركة المطروحة في أرضه، والشهامة الأردنية لا تقبل الذل والمعاناة والتشرد لأي عربي». مضيفة أن «العالم منذ عقود يعرف جيّداً أن بإمكانه الاعتماد على الأردن في المواقف الإنسانية الصعبة، وعلى العالم دور كبير في مساندة جميع الدول الحاضنة والمستضيفة للاجئين، لأن في هذا استقرار لمنطقتنا».
وفي حديثها عما يقدم للاجئين، قالت الملكة رانيا العبدالله: «هناك عجزٌ واضحٌ في العطاء الإنساني، فالاحتياجات لتخفيف المصائب والمحن تفوق ما يقدم بكثير، تقديرات الأمم المتحدة لحاجة الدول المستضيفة للاجئين السوريين تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، لتغطية نفقات احتضان اللاجئين في عام 2014، ولم يتبقَ من عامنا هذا سوى شهرين، ولم يتم تأمين سوى 50% من هذا الرقم». مؤكدة أن هذه الأرقام تغطي نفقات اللاجئين المسجلين، وليس كلفة استضافة النازحين ككل، فالعائلة النازحة والعائلة المواطنة التي تشاركت معها في مواردها الشحيحة من مياه وطاقة وكهرباء، والطفل الذي ترك مدرسته وبيته ووطنه والطفل الذي اكتظ صفه وتقاسم عطاء معلمه ووقت حصته الدراسية، كلهم بحاجة للدعم، لئلا يشعر أي منهم بالقهر.
وتساءلت: «أي طفولة وأي مستقبل ينتظر الأطفال في أوطاننا العربية الممزقة؟ وهل سنرضى لهؤلاء الأطفال، للملايين من هذا الجيل، أن يكبروا وهم يعتقدون أننا رأينا حالهم والفراغ في مستقبلهم ولم نفعل شيئاً؟»، وقالت: «هناك مئات الآلاف من الأطفال العرب خارج المدارس بسبب النزاعات، وأثمّن ما قد نقدمه لهؤلاء الأطفال، هو تعليم يقيهم ذل الضياع، حتى لا تقعدهم دوامة اللجوء عن بناء حياة ملكهم».
وأضافت: «واجبنا هو أن نؤمن لهم تعليماً يرون من خلاله مستقبلهم، تعليماً يخرج بخيالهم وطموحهم من الشتات إلى عالم لهم فيه دور، فحين ينقشع غبار الحرب سيبدأ أطفال وشباب اليوم بالعودة إلى أوطانهم، ولكي يبنوا وطناً ينعمون فيه بالأمن والاستقرار يجب أن نعلمهم اليوم، التعليم هو أداتهم لإعادة بناء أنفسهم، وإعادة إعمار أوطانهم». وأكدت الملكة رانيا أن إغاثتهم وتمكينهم من العيش مسؤولية كل شخص خارج تلك الدوامة، لا عطفاً بل واجب إنساني.
وتابع الحضور فيلماً قصيراً مؤثراً قدمته النجمة العالمية أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأعربت خلاله عن دعمها للمبادرات التي تم اتخاذها لحل أزمة اللاجئين السوريين، وذلك بمساهمتها بهذا الفيلم، الذي يسلّط الضوء على التحديات اليومية التي يواجهها الأطفال اللاجئون.
ويروي الفيلم قصة هلا، الطفلة التي تبلغ من العمر 11 عاماً، تعيش وأخوتها حياة اللجوء في لبنان، وتناول الفيلم من منظور عاطفي هذه المحنة المأساوية والمعاناة الإنسانية الأليمة، التي فرضت على أعداد كبيرة من السوريين، حيث نرى حالات كثيرة من الأطفال اللاجئين الذين فقدوا منازلهم، وفي كثير من الأحيان فقدوا الدعم الكامل الذي يحتاجه الأطفال اللاجئون.
وقالت جولي في الرسالة التي سبقت عرض الفيلم، من المروع أن نرى من بين كل اثنين من اللاجئين في الشرق الأوسط طفلاً لاجئاً، آمل أن يمنحكم هذا الفيلم القصير الذي يعرض قصة فتاة صغيرة تدعى هلا، رؤية حول التحديات التي تواجه الأطفال اللاجئين، وآمل أن تمثل قدرتها على التأقلم وقوتها مصدر إلهام لكم، لتقوموا بكل ما تستطيعون القيام به فردياً وجماعياً، لدعم هؤلاء الأطفال في وقت الحاجة، وللمساعدة على إعادة السلام إلى سورية.
ويتضمن المؤتمر فعالية «منتدى اليافعين»، التي تطرح مواضيع مهمة، من أبرزها التعريف بالعمل الإنساني، والابتكار في المجال الاجتماعي، وتمكين الفئات الضعيفة من أجل تحقيق الاستقلال المالي، وسبل تعزيز الشراكات الاجتماعية.
عبر الفيديو
أعرب رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للتعليم العالمي، غوردون براون، في رسالة عبر الفيديو إلى المشاركين في المؤتمر، عن تقديره العميق للجهود المبذولة من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، في الدفاع عن حقوق اللاجئين، وتلبية احتياجاتهم.
وقال: يسرني التوجه بالشكر إلى سمو الشيخة جواهر، والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، على تنظيم هذا المؤتمر البالغ الأهمية، الذي يأتي في فترة مصيرية تشهد تزايداً كبيراً في أعداد اللاجئين من الشباب واليافعين، الذين هم بحاجة إلى المساعدة من المجتمع الدولي. وأضاف أود أن أقدم دعمي الكامل لهذا المؤتمر المهم، ولهذه المبادرات التي تم اتخاذها، وأنا على علم تام ومنذ بداية الأزمة، ومن خلال تواصلي وأحاديثي مع الناس في لبنان ومناطق الجوار السوري، بأن المساعدات المقدمة للاجئين السوريين تأتي بفضل العمل الذي يقوم به كل من قائدي هذا المؤتمر، وبفضل جهود العديد من المنظمات التي يوجد ممثلوها في هذا المؤتمر، إنها واحدة من أصعب التحديات التي نواجهها منذ العام 1945، فدعونا نواجهها معاً، وأنا أعي أن هذا المؤتمر قادر على إحداث فارق كبير.
حضور
حضر الافتتاح، الذي أقيم في قاعة الجواهر للمناسبات والمؤتمرات، كل من سمو الشيخ سلطان بن محمد بن سلطان القاسمي، ولي عهد ونائب حاكم الشارقة، وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي. والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، والشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي، رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، والشيخ خالد بن سلطان بن محمد القاسمي، رئيس مجلس التخطيط العمراني، والشيخة عزة بنت سلطان بنت محمد القاسمي، والشيخة عائشة بنت محمد القاسمي، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي، رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية، والشيخة نوار بنت أحمد بن محمد القاسمي، والشيخ ماجد بن فيصل بن خالد القاسمي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية مريم الرومي، ورئيس البرلمان العربي أحمد محمد الجروان، وعدد من الشيوخ وأعيان البلاد من كبار الشخصيات الرسمية.
فيلم قصير
تابع الحضور فيلماً قصيراً قدمته النجمة العالمية أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأعربت خلاله عن دعمها للمبادرات التي تم اتخاذها لحل أزمة اللاجئين السوريين.
ويروي الفيلم قصة هلا، الطفلة التي تبلغ من العمر 11 عاماً، تعيش وأخوتها حياة اللجوء في لبنان، وتناول الفيلم من منظورعاطفي هذه المحنة المأساوية والمعاناة الإنسانية الأليمة.