«الشاش» رفيق الصيادين في أعالي الموج
يشكل مهرجان الشيخ زايد التراثي 2014 موسوعة تراثية متكاملة، تشرع أمام الزائر أبواب الماضي، ليتعرف على قرب إلى التراث الإماراتي، ويطلع على تفاصيل البيئات الإماراتية المختلفة، التي شكلت جغرافية ومجتمع الإمارات وتركيبته السكانية، وهي البيئات: البحرية والجبلية والبرية والزراعية.
تاريخ الشاش تذهب آراء بعض الباحثين إلى أن قوارب «الشاش» أو «الشوشة»، كانت تستخدم منذ 5000 سنة، عندما كان يطلق السومريون القدامى على شمال عُمان تسمية أرض «ماجان». وكان يشتهر في تلك الأيام نظام تجارة مميز بين أعظم حضارات سومر (تعرف اليوم بالعراق)، ودلمون، وفي الهند وباكستان إضافة إلى ماجان. وأشار العديد من الكتاب وعلماء الآثار إلى «الشوشة»، ومنهم الكاتب س.ب مايلز في كتابه «بلدان وقبائل الخليج»، المنشور عام 1919، عن استخدام الشوشة على ساحل الإمارات العربية المتحدة أواخر القرن الـ19. وأشاد بهذا القارب البسيط والمصنوع من سعف النخيل، واعتبره إبداعاً للعرب الذين استخدموا ما توافر لديهم من المواد، لتأمين احتياجاتهم الحياتية والمهنية. |
وتحتل البيئة البحرية جانباً مهماً في التاريخ الإماراتي، وفي حياة أهلها على مر العصور، حيث شكل البحر مصدر رزق رئيساً لسكان الخليج، الذين امتهنوا ركوب البحر، وبرعوا فيها، فكانوا أسياد البحر، كما برعوا في مهنة صيد الأسماك واللؤلؤ، وفي كل ما يتعلق بها من صناعات، مثل صناعة السفن والمحامل وأدوات الصيد وغيرها، لذلك كان البحر وحياته وبيئته أحد الأركان المهمة في «مهرجان زايد التراثي»، الذي يعد انعكاساً صادقاً ودقيقاً للبيئة، حيث توسطت المكان ما يشبه البحيرة، وبها مركب صيد، وعلى جوانبها توزعت بيوت شعر جلس فيها صنّاع القوارب الصغيرة وقراقير الصيد، كما تضمنت الساحة الرئيسة فيه، والتي قام بتنفيذها نادي أبوظبي للرياضات الشراعية واليخوت، هيكلاً لمحمل كبير، يقوم بعض العمال بتصنيعه أمام الجمهور مباشرة، بينما يعرض ركن الشراع مختلف النشاطات المتعلقة برياضات القوارب التراثية والتجديف، ودورها كجزء من تراث الإمارات، إضافة إلى المقهى الشعبي القديم بالشكل القديم الذي كانت عليها المقاهي في ذلك الوقت، وفيه تتم صناعة وتقديم القهوة بالطريقة والأدوات القديمة نفسها.
ومن المهن اللافتة، التي تضمها الساحة البحرية؛ مهنة صناعة «الشاش»، أو الشوش، وهي قوارب الصيد المصنوعة من سعف أشجار النخيل، بحسب ما أوضح طالب محمد البلوشي، مشيراً إلى أن هذا النوع من القوارب يعد صغير الحجم مقارنة بالمحامل وقوارب الصيد الكبيرة، ويمكن أن يحمل أربعة صيادين أو أقل، ويتم تصنيعه من جريد النخل، بعد تنظيفه من الخوص والشوك والزوائد، ويترك حتى يجف، ثم يوضع في ماء البحر ليوم كامل، بعدها يتم أخذه ورصه جنباً إلى جنب، ويمرر من خلاله حبل، ويشد من أماكن مختلفة لتثبيت الجريد وإمساكه جيداً، وتختلف المدة المطلوبة لصناعة القارب حسب حجمه، كما يجب أن يوضع في الماء لمدة أسبوع.
من جانبه، أشار خميس بن عبيد بن سالم الشبلي إلى أن استخدام «الشاش» كان شائعاً في صيد الأسماك، وبعضها يحتاج إلى مجدافين، والبعض الآخر إلى أربعة، حسب حجم المركب، كما يمكن أن يستخدم شراع في بعض القوارب، ويمكن الاستغناء عنه، لافتاً إلى أن هذا النوع من القوارب لايزال يستخدم في بعض المناطق بالخليج، مثل إمارة الفجيرة، وفي سلطنة عمان.
وقال الشبلي إن الشاش لم يعد يصنع إلا نادراً وعلى نطاق ضيق، وليس كما كان في السابق، والأمر نفسه ينطبق على صناعة القراقير، التي تستخدم في صناعة السمك، فقديماً كانت تصنع من سعف النخيل، لكن الآن باتت تصنع من المعدن «قديماً كانت أدوات الصيد قليلة، ولكن كان الصيد وفيراً، أما الآن فوسائل الصيد كثيرة ومتنوعة والصيد أقل». مشيراً إلى أن مهنة الصيد مازالت موجودة في المجتمع الإماراتي «فأولادنا رغم أنهم يعملون في وظائف مختلفة، إلا أنهم يخرجون إلى البحر عقب العودة من الدوام والإجازات، لأنهم تربوا عليه، وارتبطوا به».
في حين ذكر خلفان الكمالي أن قوارب الصيد قديماً كانت تخرج في السادسة صباحاً، وتعود مع بداية المساء، ومعها الرزق الذي جلبته، ليقوم الصيادون ببيعه، وكان الصيد لا يكلف الصياد سوى مجهوده في التجديف والصيد، لكن الآن بات الصياد يستخدم قوارب حديثة، فضلاً عن الوقود الذي تستهلكه هذه القوارب، موضحاً أن الشاش أكثر أمناً في الاستخدام من القوارب الحديثة، لأنه في حالة تسرب الماء إليه يخرج مرة ثانية ولا يغرق، على عكس القوارب الحديثة. كما تضم منطقة البيئة البحرية متحف الرحالة الإماراتي أحمد بن ماجد، الذي بني ليحاكي سفينة الملاح الإماراتي الرائد بتفاصيلها ويتماشى مع أجواء المنطقة، ويعتمد المتحف على أحدث التقنيات ووسائل العرض، خصوصاً تقنية «الهولوجرام» ثلاثية الأبعاد، التي تتيح للزائر رؤية صورة مجسمة لرائد علم الملاحة العربية، ويستمع إليه وهو يروي بنفسه كيف كان أول من اكتشف رأس رجاء الصالح، وأضاف الكثير إلى علم البحار والفلك، وكيف كانت مؤلفاته وخرائطه ورسائله وأراجيزه وقياساته في ارتياد البحار والمحيطات عاملاً أساسياً في ازدهار عالم الملاحة العربية.