المشكلات الاقتصادية والسياسية حالت دون استغلالها
السودان يزخر بكنوز أثرية تمثل حضارة قديمة متكاملة الأركان
احدى الحقائق الآثارية المثيرة للاهتمام هي أن منطقة مروي في السودان، تضم أهرامات أكثر مما هو موجود في مصر. وهذا من شأنه أن يشكل تجربة فريدة من نوعها للسواح، لاستكشاف الكنوز الاثرية في هذه البلاد. والقليل من السواح الذي يشقون طريقهم الى منطقة مروي ينتقدون الحكومة السودانية، لعجزها عن استغلال هذه الإمكانات الاثرية الرائعة، لجذب السواح الى هذه المنطقة من أفريقيا.
في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، أصبحت مروي المدينة المركزية لأسرة كوش النوبية الحاكمة، وهم "الفراعنة السود" الذين حكموا من أسوان في جنوب مصر الى المنطقة التي تقع فيها الخرطوم في الوقت الراهن، ويعتقد مؤرخون ان حكمهم امتد حتى فلسطين.
برمنغهام أفريقيا
كان النوبيون منافسين في أوقات، وحلفاء في أوقات أخرى، لقدماء المصريين، وتبنوا العديد من طقوسهم، بما في ذلك دفن الملوك والملكات والنبلاء في الاهرامات. وقد تم اكتشاف أكثر من 200 من الأهرامات في مروي وحولها. الكثير منها تعرض لهدم قممه من قبل المستكشف الإيطالي والباحث عن الكنوز الاثرية في القرن التاسع عشر، جوزيبي فريليني. وأخيرا، اصبحت هذه الاهرامات في عام 2011، جزءا من مواقع التراث الانساني المسجلة لدى منظمة الامم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو). وتبدو هذه الاهرامات أكثر قتامة في اللون من شبيهاتها التي تبعد عنها 800 ميل إلى الشمال في منطقة الجيزة بمصر، وذلك بسبب الصخور الغنية بالحديد هنا والتي بنيت منها الاهرامات. وأصبحت مروي في وقت لاحق مركزا لإنتاج الحديد، وصار يطلق عليه "برمنغهام أفريقيا" - في اشارة الى منطقة برمنغهام في بريطانيا المشهورة بإنتاج الحديد. هذه الأهرامات أصغر حجما، وأقل ازدحاما، من أهرامات الجيزة، ويقل فيها المرشدون السياحيون. ويقول أحد بائعي التذاكر في موقع اثري في مروي إنه عادة ما يستقبل نحو 10 زوار يوميا، وهذا يعني أن هناك احتمالات استكشاف السواح لهذه المناطق وحدهم.
نائب رئيس البعثة والقنصل العام في السفارة البريطانية لدى السودان، ديفيد بيلغروف، يحب كثيرا الذهاب للتخييم هناك، وصادف عدد قليل من السياح الألمان واليابانيين، لكنه لم يصادف بريطانيين أبدا، يقول "أتذكر بوضوح أول مرة شاهدت فيها المنطقة"، ويضيف "وصلنا ليلا، وعند الصباح شاهدت أشعة الشمس تسقط على الأهرامات، وشعرت باني محظوظ كثيرا أن أشاهد كل ذلك بنفسي، إنه منظر لا يعلى عليه أي شيء آخر"، ويقول "هناك الكثير من المواقع في السودان تخفي تحتها أسرار كبيرة، وغالبا ما تكون هناك فرق أثرية تشرح لك ما يجري، تاريخ الحضارات هنا يعود إلى آلاف السنين، ولكن الكثير من السودانيين أنفسهم ليسوا على علم به ".
تبذل الحكومة السودانية جهودا ضئيلة لتعزيز هذا التراث، ويعود ذلك جزئيا بسبب انغماسها في حرب أهلية في دارفور وبعض المناطق الحدودية، وأيضا بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد. لكن بعض علماء الآثار يعتقدون أن هناك أيضا سبب أيديولوجي، يتمثل في أن "السياسيين (الاسلاميين) أغبياء لانهم ينظرون الى الآثار نظرة مختلفة" كما يقول أحد علماء الآثار، "فإذا كنا نتحدث عن الإله آمون القديم، فإنهم يعتقدون أننا نعتقد في الوهيته" ويضيف، "إنهم يعتقدون أيضا أن جميع الأجانب جواسيس".
بيد أن الحكومة السودانية أكدت اهتمامها بهذا الجانب، ونظمت في السادس من هذا الشهر مهرجانا سياحيا أطلقت عليه مهرجان البركل السياحي، افتتحه الرئيس عمر البشير. واشار القائمون على المهرجان انه يلفت الانتباه الى منطقة جبل البركل، وما تتمتع به من مقومات سياحية. ويشار الى ان فريقا من علماء الاثار اكتشفوا هذا الشهر معبدا في جبل البركل.
الفراعنة السود
قبل أن يفتح مصر، صاح الملك النوبي، بعانخي "سوف أجعل مصر تذوق وبال سطوتي"، هنا قصة مثيرة للاهتمام، بدأت فيما يعرف اليوم بالسودان، وتكشفت فصولها في مصر، بدأت تلك القصة من خلال محاولات الملك ألارا ومن بعده كاشتا في توحيد النوبة العليا. هذه لحظة فارقة في فترة حكم الملك بعانخي في القرن التاسع قبل الميلاد، ليس فقط بالنسبة لمملكة كوش، ولكن أيضا بالنسبة الى مصر. فقد قرر بعانخي غزو مصر بعد أن راى مدى الفرقة والانقسام السياسي الذي تعاني منه في ذلك الوقت، واستطاع أن يوحدها تحت تاج النوبة العليا والسفلى، واصبح أول فرعون اسود يحكم مصر. ويعتبر اهرام بعانخي الاقدم في السودان، اذ تم تشييده بعد 500 عام من تشييد آخر هرم مصري، ثم تبعه تشييد اهرام خليفته تهراقا. الا أن الأهرامات الموجودة في منطقة الكرو بشمال السودان في حالة سيئة، ومعظمها تحول إلى ركام، ولعل أبدع ما فيها غرفة الدفن الخاصة بآخر فرعون أسود، تنتاماني، حيث تعكس اللوحات الملونة والسقف المرصع بالنجوم جودة استثنائية.
جبل الأولمب النوبي
يقول المؤرخون أن قدماء الإغريق ليسوا هم أول شعب يجعل من جبل الاولمب مكانا تقيم فيه آلهتهم. فقبل وقت طويل من ذلك اتخذ قدماء السودانيون من جبل البركل "الجبل المقدس" مقرا للإله آمون، الذي يعبدونه مع قدماء المصريين، ويعتبر جبل البركل بمثابة المكان الذي عاش فيه الإله آمون. ويندهش المؤرخون كيف أن جبلا صغيرا "تل" زرع كل هذا الخوف والرهبة في قلوب الفراعنة والكوشيين، حيث أن موقعه القريب من نهر النيل، ونتوء قمته واتخاذه شكلا يشبه الكوبرا القديم (رمز الملك) يسبغ عليه نوعا من القدسية، والغموض، وظل الجبل مقدسا عند المصريين القدماء حتى المملكة الحديثة التي تكونت قبل 3500 عام مضى. وتم تشييد معبد لآمون هناك. وكشفت الحفريات في الموقع تسعة معابد على الأقل، الامر الذي جعل هذه المنطقة عبارة عن مجمع ديني كبير. ولا يزال معبد آمون واقفا عند سفح الجبل، ويمكن رؤيته بوضوح من القمة. أول من شيده هو تحتمس الثالث، وتم توسيعه فيما بعد من قبل الكثير من الحكام، خاصة بعانخي، وتشير الأعمدة المتبقية وطريق الكباش الى وجود طريق كان يمتد لينتهي الى رصيف على النيل. ميزات أخرى مثيرة للاهتمام في جبل البركل هي أن الغرف المحفورة في جدار الجبل، والتي تحمل صورا للآلهة حورس، وأبادماك، وبس وآلهة أخرى تشكل جزءا من المعابد القديمة. وحول المكان توجد آثار تشير الى المساكن الملكية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news