18 عملاً للبناني جورج باسيل في «فن آبورتيه» بدبي
«مزاج الحب».. مشاعر النساء في لوحات ساكنة
يكثّف الفنان اللبناني جورج باسيل حالة التأمل التي يطرحها من خلال الوجوه في اللوحة، فنجده يحرص على جعلها فائضة بالمشاعر التي يمنحها صفة الإبهام، إذ إن المشاعر تميل إلى الحزن تارة وإلى الفرح تارة أخرى، فيبدو الفنان وكأنه يمرر حالات متعددة تحت عنوان «مزاج الحب». ويحمل المعرض الذي اختتم، أول من أمس، في غاليري فن آبورتيه، 18 عملاً، كلها تدور حول العلاقات الإنسانية والكائن البشري، لاسيما النساء اللواتي يميل الفنان إلى دخول أعماقهن وتشريح مشاعرهن بصيغة لونية هادئة وقاتمة.
ذاكرة شخصية تتسم لوحات باسيل بالجرأة، لعرضه النساء، والتطرق لدواخلهن، وهو أمر نابع من البيئة التي عاش فيها الفنان، والتي شكلت وعيه الفني، فكل ما يقدمه بلا شك ينبع من ذاكرته الشخصية التي تكونت من المحيط، وما اعتادت العين على رؤيته. سيرة فنية ولد جورج باسيل في بيروت عام 1965، وبدأ رحلته المهنية في الفن عام 1996. ويستمد باسيل إلهامه من أصوات الفنانين الكبار التي تؤثر فيه كثيراً، ومنهم أم كلثوم وبيلي هوليدي وماريا كالاس، حيث يقدم فناً تعبيرياً راقياً، يحاكي عشاق الفن من مختلف الأعمار، ويأسرهم برسومه التي تعكس اللقاءات الإنسانية الحميمة. تلاقي أعمال باسيل إقبالاً عالمياً، حيث رسّخ اسمه على الصعيد العالمي من خلال المعارض الفردية العديدة والجماعية، فعرضت أعماله في مونتريال وموناكو وباريس ونيس ولندن. وحصل على الميدالية البرونزية، ودبلوم شرف في بينالي اللاذقية الثالث للفنون في عام 1999. وينعكس حضور باسيل الفني في الوسط من خلال أعماله التي تتناول موضوعات تتسم بالجرأة، وغالباً ما تكون مثيرة للجدل، ووصف الفنان في أكثر من حديث هذا الجانب بالقول، «إن الموضوع الرئيس للوحاتي هو الشكل البشري، هذا هو الشكل الأكثر أهمية في ذاكرة الفنان، عمل يمكن أن يكون مفهوماً من أي شخص ومن الجميع، عمل يمكنه أن يتنقل حول العالم». |
يطرح باسيل من خلال لوحاته الوجوه البشرية بأسلوب هادئ، فهو يبتعد عن الصخب اللوني، بل نجد لوحاته تميل إلى الألوان الداكنة والقاتمة، التي تمنحنا الاحساس بحالة التأمل التي تعيشها الشخوص. في المقابل، نجد اللوحات تأخذ الكثير من العمق الذي يحتل اللوحة عبر مشاهد تحتل فيها التعبيرية الحيز الأكبر. يبتعد باسيل عن الحركة في اللوحات، بينما نجده يحرص على جعل الأشخاص في حالة من السكون، لكن هذا السكون يتأرجح بين اليأس والأمل، الحزن والفرح، الكآبة والضجر والحلم، كل هذه المشاعر يطرحها باسيل من خلال الشكل البشري الذي يعتبر أساسياً في أعماله، فيما نجده ميّالاً إلى استخدام الشكل الأنثوي للتعبير من خلاله، فنجد لوحاته تسيطر عليها المرأة، هذه المرأة تبدو هي الملهم الأول لباسيل، فهي الكائن الرقيق الذي يبدو أنه في غاية الكآبة في اللوحة، لكن ما يلبث أن يمنحها باسيل لمسة تفاؤلية من خلال بعض الألوان الفاتحة، التي نلمسها بشكل خفيف في لوحاته. ولا يمكن منح امرأة باسيل صورة محددة، فهي تمر بحالات متعددة بين لوحة وأخرى، فنجدها تنتقل من خلال الزمان غير المتناهي، والفراغ المكاني، لتكون كل واحدة منهن جميع نساء العالم في حبهن وعذابهن وسعادتهن وشقائهن.
يقيم باسيل نوعاً من التوازن بين كمية الحزن والفرح الموجودين في اللوحة، فبينما نجد المرأة منحنية على بعضها، ومنكبة على جسدها، وكأنها في حالة من الانكسار والندم، نجد في لوحات أخرى الأمل الذي يفيض من باقة ورد حمراء، تحملها امرأة مرتدية فستاناً أحمر يجسد حالة الحب التي تعيشها. وكذلك المرأة التي تضع القبعة على رأسها، وتبدو وكأنها في حالة حب جارف. أما الجسد فيبدو باسيل ميالاً إلى طرحه بأسلوب مغاير عن الواقع أحياناً، ومطابقاً للواقع في الأحيان الأخرى، فهو يتبع الحالة ويرسم وفقاً لها.
يستخدم باسيل مزيجاً من الألوان النابضة بالحياة والصارخة التي تدعو المتلقي للعودة إلى العصور القديمة، لاسيما عصر النهضة، حيث تحمل لوحاته الملامح الخاصة بتلك الفترة، كما تحمل الكثير من الليونة في التكوين، والتأمل في الأشكال والألوان المختارة في اللوحة يخلق مشهداً دافئاً وقريباً إلى المتلقي.
يعتني الفنان بلغة الجسد، فالإنسان هو المحور الأساسي في اللوحة، لكن على الرغم من احتلال الجسد للوحات الفنان فترة من حياته، نجده اليوم أقرب إلى التعبير من خلال الوجوه بشكل كبير. يبرز باسيل من خلال الوجوه في المعرض الكثير من الشفافية والأنوثة بأسلوب شفاف، مع التركيز على التعابير التي تظهر من خلال العيون والفم التي تعتبر مركزية في وجوهه. يتخذ طريقه في التعبير من خلال العيون، عبر الماكياج الذي يرسمه فوق العينين، وكذلك الألوان التي يزين بها شفاه نسائه، فهي الصيغة التي يبرز من خلالها الفنان اللبناني وهواجس المرأة، هذا الإصرار على استخدام الماكياج يبرز نزعة باسيل إلى جعله يبدو كما لو أنه قناع يوضع على وجه المرأة ليكون تعبيراً عن الحالة أو على العكس مخفياً لها، ليعبر ببساطة عن التكامل بين الروح والجسد.
يتقن باسيل من خلال الأعمال التي يقدمها اللغة الجسدية التعبيرية، فهي لغة مهمة بالنسبة إليه، لذا نجده يعتني بالجسد، كونه الممر إلى الداخل والروح، فلا ينفصلان عن بعضهما في اللوحة، بل يتحدان ليكونا ملتصقين. هذا التكامل بين الجسد والروح هو الذي يقود باسيل إلى الكائن البشري، فهو الوحيد القادر على التعبير عن المشاعر والأحاسيس، كما أنه يعبر من خلاله عن هواجسه الشخصية. أما الرجل الذي يغيب عن أعمال باسيل، فنجده حاضراً بصيغة مبهمة، فهو هذا الآخر الغائب عن المشهد والحاضر في عواطف النساء، سواء كانت تعبر عن شغفها أو حزنها أو ألمها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news