«أكسكلوسف» نقل فوضى الواقع إلى «الخشبة».. و«الرابوز» استعاد شكلاً تراثياً للأداء الدرامي
شراكة عراقية ــ مغربية «مشوّشة» في «المسرح العربي»
لم يخرج جمهور «المسرح العربي» راضياً عن عرض «إكسكلوسف» الذي استضافته العاصمة المغربية الرباط، ضمن عروض الدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، حسب ما رصدته «الإمارات اليوم»، فحالة تشويش كبيرة أثارها العرض الذي لم يكن على مستوى التحديات، التي ألمح لها مخرجه نفسه، في مؤتمر صحافي سبق عرضه.
حالة فوضى كبيرة تسيدت الخشبة، ليس على مستوى الفكرة فقط، التي تطرقت إلى موضوع الفتنة الطائفية والإرهاب، بل حتى على مستوى السينوغرافيا والإضاءة، وحتى أزياء الممثلين، التي وصلت إلى درجة الصدمة في أحد المشاهد، التي أراد أن يرسخ فيها إشارة إلى انهزام التطرف، فوقع في «مغالاة» نقيضة، عبر ملابس غير مناسبة لممثلة.
ولم يرسخ العرض بعض المقولات التي أشار إليها المخرج، حيدر بنعثر، خلال المؤتمر الصحافي، وبدا أنه انشغل بشكل أكبر بمجرد إقامة شراكة عراقية ـ مغاربية تمثل أول تعاون إنتاج مشترك بين البلدين على مدار دورات المهرجان.
في المقابل، كان مسمى المسرحية المغربية «الرابوز» غريباً وبحاجة إلى تفسير بالنسبة للحضور غير المغربي، لكنه كان محاولة لاستعادة أحد أشكال الأداء الدرامي المغربية التي عرفت بمدينة مراكش تحديداً وليس الرباط.
المؤتمر، الذي أداره السيد محمد بلمو، تحدث فيه بشكل رئيس مخرج ومؤلف العمل حيدر منعثر، والفنان ميمون الخالدي أحد أبطال العرض، بالإضافة إلى فلاح إبراهيم مصمم السينوغرافيا والإضاءة.
ونوه منعثر في البداية بأنه لن يكشف أوراق «أكسكلوسيف» قبل عرضه، معللاً: «أنا أمام خصم عنيد وقاسٍ، هو الجمهور، ويجب أن أحتاط لهذا الخصم، الذي يبقى هو المحك الأهم لإنجاح أي عمل من عدمه».
ودافع المخرج العراقي حيدر قائلاً إن الإنجاز الأهم لـ«أكسكلوسيف» هو عقدها هذه التوأمة الحقيقية، وليست الصورية، بين ضفتي المسرح العربي، من جهة الشرق «العراق»، ومن جهة الغرب «المغرب»، كي يكون العرض بداية لعُرى قوية بين الخشبتين.
وقال بنعثر، الذي أشار إلى أنه تورط في التمثيل، ملمحاً إلى أن هذا المآل لم يكن اختياره من البداية، كمخرج ومؤلف العرض، إنه كي نصل لعمل مشترك كان من المهم البحث في المشترك بيننا، وهذا ما حدث في «أكسكلوسيف» الذي تمت الاستعانة فيه بطلبة من السنة الثانية في المعهد العالي للفنون المسرحية بالمغرب.
وتابع: «نناقش التطرف الديني، والإرهاب، والاستبداد الذي يقع باسم الدين، إنهم يخوضون حرباً وسط بيوتنا، وتحت الأسرة، وفي الدواليب، وفي حليب الأطفال، وهي العبارة التي اقتبسها المخرج من العرض نفسه».
وأضاف: «نحن نعيش إشكالية أساسها الاختلاف في تأويل النص، لذلك، ابتعدت تماماً عن تكريس مقولات سردية، لأن المسرح ليس وظيفته النقاش والأطروحات الفكرية، والخطابة، بل إننا اجتهدنا للتخلص من هيمنة النص على العمل».
ورأى بنعثر أن «أكسكلوسيف» كسر «التابو» أو المحرم، واقترب كثيراً من منطقة شائكة ظلت عصية، لكن هذا لا يخفي حجم الصعوبات الكبيرة التي تكبدها فريق العمل، من أجل النجاح في الوصول إلى المغرب، وهي صعوبات تعكس في جانبها الواقع الصعب الذي يعيشه الفنان العراقي الآن.
الفنان ميمون الخالدي، بطل العمل، من جانبه أشار إلى أنه شارك في هذا العمل وفق قناعة مؤداها أن الوطن العربي بأكمله يعيش مرحلة متغيرات اجتماعية وفكرية تفرض على الفنان المسرحي الحضور الفاعل وليس الغياب.
الفنان فلاح إبراهيم مصمم السينوغرافيا والإضاءة، رأى أن «أكسكلوسيف» أصعب عمل تعرض له على الإطلاق على مدار مسيرته المهنية الطويلة، ورد هذه الصعوبة إلى الجهد المبذول من أجل إحداث توازن بين الفكر والجمال في العمل.
وتابع: «حاولت بالضوء أن أكون قاسياً بقساوة الفكر ذاتها والمعاناة التي يحملها العرض، من خلال توظيف زاوية الضوء وكتلته واعتبار الضوء عنصراً فكرياً وليس وظيفياً من خلال الإضاءة المجردة، وهو السياق الذي أفرز انسجاماً بين عناصر السينوغرافيا والإضاءة من جهة، وبين محتوى العمل والرؤية الإخراجية من جهة أخرى».
وجاءت مسرحية الرابوز لفرقة مسرح الفيراج المغربية، تأليف وإخراج أمين غوادة، لتكون بمثابة أول عمل مسرحي لفرقة فيراج، لكن المسرحيين المشاركين جميعهم أصحاب تجارب مسرحية قوية.
أصل «الرابوز»
حل الفنان عصام الدين محريم معضلة معنى مفردة الجلسة، معنى الرابوز، فقال إنه آلة نفخ لإزالة الرماد وإشعال الجمر، فنحن نريد إشعال ذاكرة المتفرج والمجتمع لإزالة رماد النسيان عن هذا الموروث الثقافي الأساسي في تراثنا وثقافتنا، وأن تشتعل ذاكرة المجتمع بأفكار جديدة نابعة منه.
ولم تخلُ بعض المصطلحات المغربية من صعوبة فهمها بالنسبة للجمهور، لكنها رغم ذلك لم تحُل دون إدراك المعنى العام للعمل، ولم تشكل عائقاً دون التواصل مع المحتوى الدرامي، لكن ثمة آراء فضلت أن يكون عنوان المسرحية على الأقل أكثر وضوحاً بالنسبة لجمهور متنوع وليس محلياً، كما الحال بالنسبة لجمهور مهرجان المسرح العربي.
أعذار «أكسكلوسف»
ساق مخرج المسرحية العراقية، التي تم تعريفها بأنها شراكة بين العراق والمغرب، بعض الأعذار مسبقاً قبل العرض، منها صعوبة الحصول على تأشيرة زيارة المغرب بالنسبة لعدد من أفراد الفرقة، قبل أن يتم التدخل الرسمي لحل المعضلة، وغير ذلك.
لكن المعضلة الأهم التي واجهت مخرج العمل كان بشأن الدور المغربي في العمل، حيث لم يضم «اكسكلوسف» أي ممثل مغربي ، باستثناء ظهور عابر لبعض طلبة معهد الفنون المسرحية، ما يعني أن حتى هذه الشراكة، عكس ما ذهب إليه المخرج، لم تكن سوى شراكة شكلية.
وبقيت إشكالية المسمى واعتماد لفظة أجنبية أيضاً لعمل تم إنتاجه لينافس ويعرض على خشبة مهرجان «المسرح العربي» بمثابة علامة استفهام أيضاً، في حين أنه كان بالإمكان الاستعاضة عن ذلك بالترجمة العربية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news