رواية السوداني حمور زيادة تنافس في «البوكر» بعد «نجيب محفوظ»
«شوق الدرويش».. قبة المهدي وأم درمان وسيرة بخيت
بكثير من جماليات السرد وأوجاع التاريخ، تتوهج رواية «شوق الدرويش» للمبدع السوداني حمور زيادة، الذي فتش عن عوالم مختلفة للمحطة المحورية في تاريخ السودان الحديث، سارداً جزءاً من الحكاية من خلال سيرة عشق من نوع خاص، بطلها «عبد» في الظل، حرّرته من الرقّ مسرّة وحيدة، لم تلبث أن انقلبت إلى مأساة تنضم إلى سلسلة مآسي «بخيت منديل»، وجه الرواية، ودرويشها الأبرز، على الرغم من احتشاد العمل بالدراويش، لكن لكل منهم وجهة في «الهوى».
أعمال من أعمال الكاتب السوداني حمور زيادة: • «سيرة أم درمانية» مجموعة قصصية، 2008. • «الكونج» رواية 2010. • «النوم عند قدمي الجبل» مجموعة قصصية 2014. |
«شوق الدرويش» التي حصدت جائزة «نجيب محفوظ»، وتنافس في القائمة الطويلة لجائزة «البوكر العربية» والتي كشف عنها، أخيراً، تقطع مسافات طويلة، لكن لوحات بخيت وحواء تبقى الأجلى؛ يتمنى قارئ ما أن تستمر، وألا يفترق صاحبا الحكاية الغريبة، فتاة الكنيسة، ولا الولد العبد الذي رمته الدنيا في أماكن كثيرة.. ففي وسط الكآبة والعنف والذبح وأكل الأمهات لأطفالهن ثمة حب من نوع مختلف، منح الأمل والحياة لشخصين، لكن النهاية كانت ــ كالعادة ــ تعيسة، تختصر مآلات كثيرين، وليس بخيت وراهبته اليونانية السكندرية فحسب.
بعين على التاريخ، وأخرى على واقع شبيه، تبدو مهمومة رواية «شوق الدرويش» الصادرة عن دار العين المصرية، تبحث عن حرية لا تأتي، تلوح وتعلق الناس بها، لا تلبث أن تنقلب إلى رقّ من نوع مغاير، تسقط الأغلال في الرواية عن قدمي بخيت، لكنها لا تلبث أن تعود، مسلسلة القدم والروح، يختطف الولد الحرّ من جباله القصيّة في غرب السودان ليصير عبداً، وتتعقد مسيرة حياته: من سيد إلى آخر، من إنجليزي إلى عثماني إلى مصري، ومن سجن إلى ثان: «بلع ريقاً من مرار. هو عامل في سوق أم درمان. مجاهد في سبيل الله. لكن لا يبقى منه بعد كل شيء إلا العبد الذي لا يفلته. لا يذكر جيداً يوم اصطادوه في الجبال الغربية. ذكريات مشوشة تراوده عن اليوم الذي اقتحم فيه الجلابة القرية. جرى مع أمه متسلقاً الصخور. يذكر أنه كان له أخوة. ربما ثلاثة ذكور أكبر منه. وأخت رضيعة بلا اسم. كان مذعوراً خائفاً. أمه تصرخ بلغة الجبال اهرب يا شكتا.. لا تتوقف. هل شكتا هو اسمه القديم أم هو هو أحد أخوته؟ لا يذكر بدقة. آخر ما شاهده أمه تسقط على الأرض وتفلت أخته. قدماه الصغيرتان لم تبتعدا كثيراً حين أمسكوا به».
تحفر الرواية في التاريخ المنسي المتخيّل، تبتعد عن نهج كتبة رسميين قالوا عن ثورة المهدي الكثير، وتتبعوا حوادثها الكبرى، إذ يسعى مبدع «شوق الدرويش» في مسار مغاير، هامشي، لم تلتفت إليه أقلام المهمومين بالقادة وساكني القباب والأضرحة الشهيرة، تثير الرواية مرارات آتية من الأسفل (قاع المجتمع) هذه المرة، وليس من أعلى، أبطالها حالمون صغار، تدوسهم في طريقها الحوادث على اختلاف مسمياتها. وربما لا تهتم الرواية بما سيوجه إليها من انتقادات، لاسيما من كهنة التاريخ الرسمي، ومقدسي مروياته المحنطة، إذ يغامر كاتبها، مقلباً في تلك الفترة المحورية، راسماً ملامح غائبة عن وعي كثيرين، لم يروا في الحدث سوى وجه رسمي ظلت، ومازالت، تردده أقلام بالجملة.
وكما اشتغلت على التاريخ ودروبه الخفية من وجهة نظرها، اشتغلت «شوق الدرويش» على مسارات فنية كثيرة، سرداً ولغة ونقلات مكانية وزمانية ذكية، جسّدت أرواح الدراويش، ونطقت بألسنتهم، اقتبست من قطبهم الأكبر، في البداية والنهاية وعلى مدى الصفحات، غابت بين مدارات عشق ومحبة وهوى، جدفت بمجازات قريبة وبعيدة، تحتمل التأويل، وترنو إلى بعيد، وفي الآن ذاته، لم تنس أسفاراً أخرى، ففتحت للحرف أبواباً مغايرة. يبدو أن «شوق الدرويش» تستحق مدى أبعد من القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، وألا يقف في طريق ذلك فوز الرواية بجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية في العاصمة المصرية القاهرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news