«المرزام» القـــــــــطري يصبّ انتقادات ساخنة
ثاني أيام مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، في قصر الثقافة بالشارقة، كان يوماً قاسياً على مخرج العرض القطري «المرزام»، فالهجوم النقدي على العمل خلال الندوة التطبيقية، أول من أمس، جاء عنيفاً، ولم يشفع لتهدئة موجته، سوى سيرة العطاء الطويلة لمخرجه ومؤلفه الفنان عبدالرحمن المناعي.
لم يجب المناعي على أي من الملاحظات النقدية في رده، لكنه قال في إشارة إلى أن تلك الأصوات هدفها إبعاده عن الساحة: «لن أعتزل المسرح، فقد أحلت إلى التقاعد في عملي الوظيفي، أما المسرح فلا أحد يمتلك سلطة إحالتي للتقاعد عن فضائه».
عبدالرحمن المناعي: كلامكم مكرر
«ليس لدي إجابات».. عبارة جاءت رداً على تساؤلات نقدية كثيرة تلت العرض، من قبل مخرج «المرزام»، لتجعل المغزى الأساسي للندوات التطبيقية غير محقق بغياب الحوار الصحي. الأكثر من ذلك أن المناعي تابع معلقاً على المداخلات النقدية: «هذا الكلام سمعته من 40 سنة»، دون أن يتطرق لمناقشته، وهو المشهد الذي ربما ودّعته مهرجانات تعنى بفرق الهواة الشبابية، كما هي الحال في مهرجان دبي لمسرح الشباب. وبخلاف السؤال النقدي الجوهري الذي طرحه الناقد العُماني د.عبدالكريم جواد، ولم يجب عنه المخرج والمؤلف، وهو: «لماذا قمت بتسطيح أزماتنا ومشكلاتنا العربية العميقة بهذا الطرح النمطي؟». يبقى السؤال المحوري في المهرجان وهو لايزال في دورته الأولى مرتبطاً بما إذا كان سيتحوّل إلى مهرجان شرفي، يسعى إلى الاحتفاء بالمشاركين من دول مجلس التعاون، أم أنه سيفرض حضوره على أجندة فعاليات المسرح العربي، من خلال جودة وتميز هذه المشاركات؟ هاني رمزي: المسرح يجمعنا
حلّ الفنان المصري، هاني رمزي، ضيفاً على مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، وشهد العمل القطري، دون أن يتمكن من مشاهدة العرض الافتتاحي الكويتي «صدى الصمت». رمزي أكّد حرصه على متابعة الفعّاليات المسرحية الخليجية عموماً، وما ينظم منها في الإمارات بصفة خاصة، مؤكّداً أن المسرح هو أهم فن يمكن أن يجمع المشاهد العربي حالياً، على الرغم من أن الدراما التلفزيونية أوسع انتشاراً وأيسر تبدلاً. وتابع: «يبقى المسرح بحياته وحركة شخوصه، والتواصل الذي يمتد من الخشبة إلى القاعة، بمثابة حياة أخرى لا تستطيع الشاشة التلفزيونية أن تبثها إلى مشاهديها بصحبة العمل التلفزيوني». طارق العلي مدافعاً
في ظل الهجوم النقدي العنيف الذي شهدته الندوة التطبيقية لمسرحية «المرزام»، التي عرضت أول من أمس، في ثاني أيام مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، على الرغم من الإدارة الهادئة لها من قبل الفنان الإماراتي حافظ أمان، فإن الفنان الكويتي طارق العلي أراد تخفيف هذا الاتجاه، الذي كاد أن يأخذها إلى سياق أبعد عبر مداخلة لم يتخل فيها عن حسّه الكوميدي. وحاول العلي البحث عن نصف الكوب المملوء في مسرحية «المرزام» القطرية، فقال: «لن أنتقد.. فنحن بصدد قامة وهامة مسرحية، ويكفي المخرج أنه دفع في هذا العمل بالعديد من الوجوه الشابة، التي ربما لا يكون لها مجال للمنافسة في هذا المهرجان، لكنها حتماً ستستفيد من التجربة، وتغدو قادرة على المنافسة في مهرجانات مقبلة». العلي أمام الإلحاح على تقديم نفسه قبل المداخلة، وفقاً لضوابط الندوة، قال: «أنا مواطن من دولة الكويت، أعيش في بيت صغير». |
لم يأت تطور الفعل الدرامي على الخشبة على درجة سخونة الأجواء في الندوة التطبيقية، التي يمكن أن تكون قد وصلت إلى ذروة الأزمة مع تعليق الدكتور البحريني يوسف حمدان، موجهاً حديثه إلى المناعي: «سئمنا التيمات الجامدة الميتة، والصراع الذي يعرف نتيجته الجمهور، حتى قبل أن يبدأ، فليحفظ تاريخك المسرحي ماء وجه تجربتك هذه، لكن أنت هنا وقفت، وينبغي أن تسلم الراية لمخرجين آخرين».
هذا السياق المباشر في الطرح النقدي، ظل متدفقاً، إذ قال الفنان دخيل الدخيل «مع سلسلة الشهادات والتكريمات التي يحوزها المخرج، توقعت مفاجأة في العرض، لكنها للأسف جاءت مفاجأة سلبية، فالمخرج كان بخيلاً على العرض في كل شيء، حتى أداء الممثلين كان باهتاً جداً ومملوءاً بالأخطاء الساذجة».
العمل الذي يضم نخبة من الممثلين القطريين، منهم خالد يوسف، الذي أدى دور «جفال»، وفاطمة الشروقي (عاشة)، وفالح فايز (بوناصر)، ومحمد السياري (بدر)، وأحمد عفيف (خادم)، وآخرون، سعى عبره المناعي إلى استدعاء الماضي للنبش في الحاضر، إذ بدأ مبحراً بالمشاهد إلى زمن يعود إلى حقبة ما قبل ظهور النفط، وهي تلك المساحة الزمنية الثرية التي دارت في فلكها العديد من الأعمال الدرامية، لتكون بداية العرض بمثابة لحظة فاصلة بين زمنين، أولهما ينتمي لواقعنا المعاش، والثاني هو ما سعى المخرج إلى رسمه، حسب ما أحال إليه الديكور، والإكسسوارات، ومفردات السينوغرافيا.
اختار المناعي تقسيم خشبة المسرح إلى مستويين، واحد في عمق المسرح، والآخر في صدارته، فهُيئ للمشاهد أنه أمام عمل ربما يحتفي بخلفية المشهد أو على الأقل يستدرج الأحداث إلى تلك المساحة، وهو ما لم يحدث، باستثناء موقف درامي عابر.
وبإضاءة ثابتة في معظم المشاهد، أخذ «المرزام» المشاهد إلى تفاصيل المضمون الدرامي للعمل الذي دار حول تسلط «بوناصر» وجبروته وبطشه بأهل القرية، من خلال «المرزام»، الذي بات بمثابة مصدر شقاء الجميع، خصوصاً «بوبدر»، الذي يؤدي دوره الممثل علي خلف.
استدعاء التراث لم يأت فقط من خلال السينوغرافيا، خصوصاً الديكور، أو حتى اللهجة المحكية، بل عبر شلات تراثية جاءت بمثابة القفلات لبعض المشاهد، من خلال فتى ضرير، بدت حركته في أول العرض مفتعلة بشكل واضح، قبل أن ينسجم أداؤه نسبياً في ما بعد.
وجود أكثر من شخصية ذات إعاقة ما بين العقلية، كما هي الحال في شخصية «جفال»، وغيره، أو حسية، مثل شخصية الضرير، جاء ليؤكد فكرة وجود العديد من التشوهات في المجتمع، حينما يسيطر عليه بشكل مطلق رجل وحيد، يفرض سطوته على جميع من حوله.
تعميق فكرة السيطرة الباطشة ظل شاغلاً رئيساً للمناعي، الذي وظّف اثنين من الممثلين ليشكلا ما يمكن نعته بـ«بطانة السوء»، يؤمنان ويقران كل ما يذهب إليه «بوناصر»، الذي سعى إلى الانتقام من «بوبدر»، بسبب تفكير ولده بدر في خطبة ابنته، على الرغم من أنه ينتمي إلى أسرة فقيرة. ومع وجود تبدلات في ألوان الإضاءة، وتدرجها أحياناً، خصوصاً تلك التي في المستوى الأعمق من المسرح، لم يكن التوظيف دائماً ذا دلالة نفسية واضحة تساند تطور الأحداث، وهو أمر ربما يعود إلى أن الأحداث صارت في سياق نفسي واحد ضمن الأزمة التي تطرح تساؤلاً: هل الأزمة يفرضها «بوناصر» نفسه، أم أن الآخرين مسؤولون عن هذا الوضع المأسوي؟ انسحاب المشهد التراثي، وإسقاطه على الواقع العربي، يبقى مبرراً، لاسيما في ظل الغمز في قناة بطش الكيان الصهيوني عبر المشهد الختامي الذي جسد قمة البطش في العمل، من خلال الرواية وليس التشخيص بأن «كلاب أم داود نهشت الصبي المجنون جفال»، ليكون مشهده غارقاً في دمه، وإشاعة أن «المرزام» أصبح ينضح دماً بدلاً عن الماء، في محاولة لتعميم البطش واستفحاله، لتغدو آلة البطش مرشحة لأن تحصد ضحايا أكثر، لتطال مزيداً من أفراد المكان، وليس «جفال» فقط.
فعّاليات اليوم
تعرض اليوم على مسرح قصر الثقافة، الساعة السابعة مساء، المسرحية السعودية «بعيداً عن السيطرة»، من تأليف فهد الحارثي، وإخراج سامي الزهراني، ويعقب العرض ندوة تطبيقية.
وفي العاشرة من صباح اليوم تستأنف فعّاليات اليوم الثاني للملتقى الفكري، بعنوان «في ظل التحوّلات الاجتماعية الراهنة أي أفق للمسرح الخليجي؟».