معرض ياسمين سينائي في غاليري فن آبورتيه بدبي

«حديقة الحب».. شخصيات من ورق

صورة

بين أجسام العصافير ووجوه النساء، يحتار المشاهد في الشخصيات التي ابتكرتها الفنانة الإيرانية ياسمين سينائي من الورق، حيث تأخذنا في معرضها الذي افتتح أخيراً في غاليري فن آبورتيه الى «حديقة الحب». تحمل حديقة سينائي، المكونة من أغصان مثبتة على الجدران، وشخصيات تسكنها، الكثير من الحب والرومانسية في ظاهرها، فتفرض الشخصيات بعض الأوجه الملائكية من خلال أجنحة العصافير التي تقدمها، ويتجلى ذلك بالكثير من الهدوء، بينما يتبدد قليلاً هذا الشعور بالحب ليتحول الى نوع من الحزن حين يتبين أن جميعهم وحيدون، فكل شخصية تجلس وحيدة على غصنها.

الورق والتزيين

يعتبر الورق من المواد التي تدخل استخداماتنا اليومية من خلال الكتب، وكذلك الكثير من السلع التي يدخلها. وهناك أنواع متباينة منه، ولكن على مر العصور وبالعودة الى الحضارات القديمة نجد أن الورق يعد من المواد التي ترتبط كثيراً في التزيين. تشتهر اليابان بفن طي الورق، وهو الفن الذي يمكن من خلاله صياغة اشكال بسيطة أو معقدة دون قص الورق بل عبر طيّه فقط، ومن الممكن صياغة أشكال بسيطة كالقبعة والطائرة، أو معقدة كبرج إيفل ووحيد القرن. اما في الصين فأوجدوا نوعاً مغايراً للتزيين في الورق يقوم على قص الورق وابتكار أشكال لامتناهية منه، ويستخدم للزينة في الاحتفالات والمناسبات.

يذكر أن الورق يدخل أيضاً في الديكور والتصميم الداخلي.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/02/268191.jpg


سيرة فنية

ولدت الفنانة ياسمين سينائي في إيران، وتجمع بين الأصول الهنغارية والإيرانية. أقامت 14 معرضاً فردياً خلال 15 عاماً من العمل في الفن. ويعد معرضها في دبي، المعرض الأول الفردي لها في الإمارات. وتعتمد سينائي في أعمالها على الورق كمادة أساسية، حيث تقوم بإضافة الروح للورق وتحويله إلى قطعة فنية ثمينة، وان هذا العمل بالنسبة لها، عبارة عن مواجهة مع مادة لا يمكن توقع ما يمكن العمل بها، حيث تقول: «مع مزج الورق بمواد أخرى يمكن التلاعب بالشكل، وخلق أشكال وفق احتمالات لا متناهية بمادة بسيطة جداً». تقوم سينائي بتشكيل مجسمات بحجمها الطبيعي، أما معرضها الأخير فهو مستوحى من قصيدة بعنوان «العصفور كان فقط عصفوراً» للشاعر فروك فاروكزاد.

من عالم الورق تبني سينائي شخصياتها، فتبتكر من هذه المادة الكثير من الأشكال، حيث تنحت الأغصان التي تثبت على الجدران في المعرض، ثم تضع النساء اللواتي هن على هيئة طيور على هذه الأغصان، وبعدها لا تلبث أن تبني لهذه الطيور النسائية بيوتها الخاصة في وسط الحديقة مع الزهور التي تزين الطاولة التي تتوسط المعرض. هذه العناصر تدخلنا في عالم لا متناهٍ من الاحتمالات التي توجدها سينائي من خلال مادة في غاية البساطة، فهي تعرف كيف تبتكر عالماً من الورق، عالماً مزيناً بالحب، لا تزركشه الألوان، بل على العكس يواجه تحدي الالتزام بلون الورق الأساسي. تحملنا سينائي الى جو مفعم بالجمال والرقة والحب الذي ينتمي الى عالم الاساطير. تقدم من خلال أعمالها فلسفة خاصة تجمع من خلالها الطيور مع النساء، فالكائنات ليست بشرية خالصة، الأمر الذي يبرز لديها نزوعاً الى الميثولوجيا والغموض، وكأنها تنتمي الى ثقافة خاصة، ولكن مما لا شك فيه انها تعكس ثقافتها التي تعود الى أصولها الايرانية والهنغارية، فتعكس ما حملته من الاثنين في أعمالها.

تجمع سينائي بين النساء والطيور، فنجدها تلوّن الوجوه قليلاً، ولكنها تبحث من خلال هذا الجمع عن المشترك بينهما، فهناك حالة من البحث المتواصل عن الحب، وكأن هذا الشعور لم يعد موجوداً بسبب طغيان المشاعر السلبية على العالم الذي نعيش به. لذا وعلى الرغم من اتخاذ سينائي لحالة الحب عنواناً لمعرضها، إلا انها تقودنا الى مشاعر أخرى، فهي تدعونا الى التفكير بعمق في المحيط الذي يعيش فيه الانسان، فتصويرها للعصافير التي تتمتع بطبيعة باحثة عن الحب باستمرار لم يأتِ من فراغ، فهي تحاكي من خلالها هذه الحاجة الى البحث عن الحب عند البشر ايضاً، لتؤكد من خلال الأجواء الرومانسية الحالمة التي يضفيها البياض المسيطر على المعرض على أن الحب هو أسمى المشاعر الانسانية. ورافقت افتتاح المعرض، الذي كان في التاسع من فبراير ويستمر مدة شهر في غاليري فن آبورتيه بدبي، موسيقى رومانسية حالمة، اختارتها الفنانة بعناية لتمنح الحضور تجربة رومانسية فريدة، حيث كانت الموسيقى مفعمة بالحب، وتحمل أنغامها الكثير من المشاعر الرقيقة.

وقالت الفنانة عن معرضها، إن «الأعمال تعبّر كثيراً عن مشاعري الخاصة، فأنا فعلاً امرأة مفعمة بالحب وأعبر عنه من خلال أعمالي، وبما ان هذا الشهر هو شهر الحب، لذا أحببت أن أقدم الأعمال من خلال مفهومي الخاص للحب». وحول التقنيات التي تستخدمها في النحت بالورق، لفتت الى أنها تبحث عن الرومانسية من خلال اللون أيضاً، ولهذا تحرص على ابقاء الورق على لونه، موضحة ان النحت بالورق هو من الطرق القديمة جداً، وكانت معروفة في الهند ومصر وغيرها من البلدان، حيث يتم وضع الورق في طبقات عدة، موضحة أنها تجمع أكثر من تقنية في نحت الورق، وهذا ما يوجد الاختلاف في عملها. وأشارت الى أنها تجمع انواعاً مختلفة من الورق، وتستخدمها في النحت. أما لجهة طبيعة بقاء هذا النحت مع مرور السنين، فأشارت سينائي الى أن الورق يبقى لسنوات، فهناك بعض الأعمال المصنوعة من الورق والموجودة منذ 400 سنة في إحدى الكنائس في إيطاليا، لذا أكدت ان العملية الخاصة بالإنتاج هي المهمة بالنسبة اليها. وأردفت «بلا شك كفنانة أهتم بعمر القطعة الفنية التي أقدم، ولكن العملية الانتاجية هي التي تعنيني بالدرجة الأولى». وحول الوقت الذي يحتاجه العمل، نوهت بأنه يستغرق ساعات متواصلة من العمل اليومي، تتجاوز 10 ساعات يومياً، وعملها يحتوي على الكثير من التفاصيل التي لابد من الالتفات لها والتي تستغرق الكثير من الجهد.

أما اختيارها للعصافير، فيأتي من كون العصافير هي رمز الحب، ففي الربيع نجدها تبحث عن العش الخاص بها، وفي المقابل هناك حالة من البحث عن الحب من قبل البشر، فالناس يجلسون كلاً وحده اليوم، وعلى الرغم من تطور وسائل التواصل، ولكن هناك حالة من الوحدة التي تتسع وتكبر مع تطور الوسائل التكنولوجية.

تويتر