السينوغرافيا لم تصلح ما أفسده الإخراج
«غناوي بن ســـــيف».. عَرض الرجل الواحد
هل هناك ضرورة لتوزيع الأعمال المشاركة في المهرجانات المسرحية، بمراعاة خصوصية أيام الأسبوع، بأن تكون عطلة نهاية الأسبوع، تشهد أكثر الأعمال جماهيرية، أو أهمها في نشر جماليات أبوالفنون، على الأقل من وجهة نظر توصيات لجنة المشاهدة؟
هذا سؤال جوهري يطرحه عرض «غناوي بن سيف»، الذي لم يرض عنه ـ بمفهوم العموم - النقاد ولا الجمهور، وجاء مخيباً لتوقعات مئات منوا النفس، وبعضهم اجتهد لإقناع رفاقه أو أولاده لقضاء سهرة نهاية الأسبوع بصحبة عرض مسرحي، لا سيما في ظل حالة النخبوية التي تتقوقع فيها المسارح العربية عموماً، من دون أن يستثنى منها المسرح الخليجي والمحلي.
عبدالله صالح: أعي ما أفعل قال الفنان عبدالله صالح رداً على انتقادات كثيرة وجهت للعمل أثناء الندوة التطبيقية التي أدارها الدكتور محمد الحبسي: «أنا أعي كل صغيرة وكبيرة تدور على المسرح، ولا يمكن أن أضحي بعطائي للخشبة، فهذا العمل الذي كتبته منذ أكثر من 10 سنوات، قدمه الفنان أحمد الأنصاري، وكنت فيه ممثلاً في دور (ضاحي بن سيف)، ورأيت أنني بمقدوري أن أقدم رؤية إخراجية مختلفة، تعبر عن وجهة نظري في النص الذي يحتمل بالفعل رؤى إخراجية متعددة». وأضاف: «الخيط الأساسي في العمل هو (الحلم)، لذلك أبحرت في فضاء حر، أطلقت فيه العنان لوجهة نظري الإخراجية»، نافياً أن يكون قدم إعداداً للنص، مضيفاً: «لا يحتمل الأمر كذلك، وكل ما حدث هو تغيير اسمه القديم (بيت القصيد)، في حين أن النص المكتوب كان عنوانه (مرثية ضاحي بن سيف)، وليس (غناوي)» . ووجه صالح عتاباً للمنتقدين مشيراً إلى أن المسرح الإماراتي يمر بمرحلة تغيير جلد، مضيفاً: «لا يوجد محترفون في المسرح المحلي، وكلنا هواة، وهناك أزمة في جيل الشباب، فما عدا ابني مروان على مستوى الشباب، وبدور بالنسبة للفنانات الشباب، لا يوجد نجوم، لكنّ هناك مجتهدين مثل حميد فارس وسالم الخراز، لكن ما أريد التأكيد عليه، هو أنني عكس ما ذهب البعض «عرفت أن أقرأ النص، لأنني ببساطة من كتبته» . زهرة المنصور: المخرج لم يحسن قراءة «نصه» قال الدكتور غانم محمد إن فكرة مسرحية «غناوي بن سيف» من حيث تبلورها حول دعوى أن «خطايا الآباء يتوارثها الأبناء»، هي مستهلكة وغير عميقة، متسائلاً عن سبب أن يكون المخرج هو ذاته المؤلف والتضحية بميزة أن تكون هناك «عين ثالثة» تضيف للعمل. وأضاف: «هناك إقحام لرمزية لا يحتملها النص الشعبي، وهناك حالة مبالغة في كثير من الحالات الانفعالية، وهذا أيضاً ما ذهبت إليه الناقدة البحرينية زهرة المنصور، التي نوهت بوجوب فهم الملاحظات على أنها إضافة للعمل، وليست تقليلاً منه. وأشارت المنصور إلى أنها شاهدت العرض من دون أن تعرف هوية مخرجه أو مؤلفه، وتوقعت أن يكون المخرج لم ينجح في قراءة العرض، قبل أن تكتشف أن المخرج هو نفسه المؤلف بعد ذلك، مشيرة إلى أن هذه المشكلة تسببت أيضاً في إجهاد الممثلين، مضيفة: «كان من الممكن تفادي الكثير من الأخطاء لو لم يكن المخرج هو ذاته المؤلف». |
قد لا تكون إدارة مهرجان أيام الشارقة المسرحية مسؤولة بشكل مباشر عن المستوى الفني للمسرحية، بعد أن أقرتها لجنة المشاهدة، على الرغم من أن توصية الأخيرة بأن يكون عمل «دبي الشعبي» على عراقة هذه الفرقة المسرحية خارج المسابقة، يوحي بإقرارها بعدم ارتقاء المستوى الفني لمستوى المنافسة، لكن الإدارة كان بوسعها أن توفر للعمل فرصة للعرض، بعيداً عن هذا اليوم الذي يشهد غالباً زخم حضور استثنائياً مقارنة بسواه من أيام الأسبوع.
وإذا كنا تحدثنا في عرض انطلاقة الأعمال التي تنافس في المسابقة الرسمية، وهو «حرب السوس» بشأن الفرصة الكبيرة التي أتاحها العرض للشباب، فإن العكس تماماً هو ما حدث هنا، حيث تجمعت «السلطة» المسرحية في يد واحدة، لرئيس مجلس إدارة المسرح الفنان عبدالله صالح، الذي كان هو نفسه صاحب النص والسينوغرافيا والإخراج، وهي سلطة لا توازيها حقيقة أن معظم الممثلين هم من فئة الشباب.
«المقابر» كانت الصورة التي انفتحت عليها ستارة العرض، قبل أن تحيلنا إلى مأساة الشخصية الرئيسة في العمل «سيف بن ضاحي»، الذي أدى دوره الممثل فيصل علي، فكل شيء في حياة سيف مخضب بآثام أبيه الراحل، وهي آثار لا يستطيع أن يمحوها من ذاكرة المحيطين به في «الفريج»، ولا من ذاكرته وخيالاته، لتتبدل المشاهد وتدور في جانب كبير منها في منزل ضاحي نفسه، وتتبدل معها الأزمنة الثلاثة، ما بين استدعاء للماضي، وإحالة إلى الحاضر، ثم القفز إلى المستقبل.
الاشتغال على السينوغرافيا كان أحد الملامح المضيئة في العمل، فمن خلال دلالة ألوان الإضاءة وتبدلها، وتوظيف الخلفية لتكون تارة بمثابة مكونات ثابتة، ثم متحركة، لتواكب تبدلات الأزمة، من خلال إعادة بنائها الهندسي، وفق إيقاع سريع، بالإضافة إلى عدم ازدحام المسرح بقطع الديكور، وحالة الانكشاف الكامل له، والاشتغال في مساحة قريبة من الجمهور، كلها عوامل أسهمت في تدعيم الجو النفسي، والفعل الدرامي الذي عمد إليه المخرج.
وعلى الرغم من أن هناك مشكلة عامة سادت أداء الممثلين على صعيد التمكن من اللهجة الشعبية التي سادت العمل، وكذلك مخارج الحروف، إلا أنه مع استثناء هذه المعضلة المتكررة في كثير من الأعمال المحلية المناظرة، فعلى الصعيد التمثيلي أجاد إلى جانب فيصل علي، الممثل رباع الذي أدى دور «سمعول» ابن أخي الشخصية الرئيسة، وظل على مدار العمل بمثابة الشاب البار بعمه، في حين كان ظهور الممثل عادل خميس في دور «سمعول» أحد شباب الفريج المستهترين، بمثابة مساحة للهروب من رتابة أجواء الحزن والتحسر على الماضي، وحالة المرض المزمن التي يعيش فيها «ضاحي بن سيف».
الممثلة ريم الفيصل أيضاً كانت إحدى النقاط المضيئة في الفريق التمثيلي، لكنها كانت مقنعة في أدائها دور «المجنونة»، أكثر من أدائها دور زوجة بطل العمل التي عانت جبروته، قبل أن ترحل وتترك ابنة مجنونة لم يعلم ضاحي بأنها ابنته إلا في المشهد الأخير من العمل، في محاولة للإيغال في معاقبة الرجل الظالم بشكل تقليدي في نهاية العمل، لكن العقاب الأكبر الذي قدمه له المؤلف تمثل بموته، في الوقت نفسه الذي انفتحت له طاقة أمل في الحياة، بظهور ابنته.
وعلى الرغم من دوره القصير في مشهد وحيد، جاء نمطياً أيضاً، إلا أن الممثل فؤاد القحطاني استطاع أن يقنع، بعيداً عن روح السخرية التي تسود أحياناً حينما يكون الممثل بصدد تقديم شخصية آسيوية تجتهد في التحدث بالعربية، وهي شخصية «الطبيب» الذي تم اللجوء إليه كي يعالج «ضاحي بن سيف»، الذي توهم أنه بالفعل قد شُفي من مرضه، قبل أن يفاجأ بأنه فقد الدواء الذي خلفه له الطبيب، وهو حدث تحول إلى مأساة، على الرغم من أنه ببساطة كان من الممكن أن يطلب استدعاء ذات الطبيب مرة أخرى.
هذا كله لا ينفي أن الفنان عبدالله صالح يبقى أحد أكثر الفنانين الذين دعموا في مواقف كثيرة حضور الممثل الإماراتي الشاب، بل إنه يعد أكثر المؤلفين الذين قدموا أعمالهم، لتتحول إلى مسرحيات شابة، في مهرجان دبي لمسرح الشباب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news