أمهات ذوي الإعاقة.. نضال يومي

تقدم أمهات ذوي الإعاقة أو من يسمون المعاقين، على اختلاف أنواع الإعاقة وتداعياتها الجسدية والنفسية، نماذج فريدة في العطاء، ومميزة في التفاني، فهن غالباً ما يحققن بنضالهن اليومي إنجازاتٍ جمة لا تقل أهمية عن، بل تفوق، تلك التي تقدمها أمهات الأطفال الأسوياء في المجتمع، ببناء جيل صاعد لخدمته والعمل على ارتقائه، وعليه تولد أهمية وضرورة التعرف إليهن وإلى جهودهن الحثيثة عن كثب، سعياً لتكريمهن أمهات مناضلات، وتأكيداً وتقديراً للدور الكبير الذي يقمن به بإصرار وعزيمة لا مثيل لهما.

• جاءت مبادرة «ماما جنتي» لصحيفة «الإمارات اليوم» لتتيح الفرصة لهؤلاء الأمهات لمشاركة الجمهور قصصهن التي تحمل شتى معاني الأمومة بعطاء لا محدود، وذلك في يوم الأم 21 مارس، الذي يصادف اليوم.

«كلماتي للتوحد»

قالت مؤسس «مركز كلماتي للتوحد»، الأم بدور سعيد الرقباني «إصابة ابنتي نورة الكعبي (ثماني سنوات) بالصمم، وبحثي عن مركز متخصص يعنى بها ويساعدها على التواصل والتفاعل مع المجتمع بلغة الإشارة، دفعاني إلى افتتاح مركز كلماتي في عام 2010، الذي يقدم اليوم خدماته لشريحة واسعة من مختلف الجنسيات».

وذكرت الرقباني «تم تشخيص نورة بفقدان كامل للسمع في عمر التسعة أشهر، وعليه لجأت إلى التدخل المبكر لمساعدتها بالسفر لرحلة علاج في الخارج، ومن ثم التحقت بالمركز الذي قمت بتأسيسه، والذي أسهم بدور كبير في مساعدتها على التواصل والتفاعل، الأمر الذي ألمسه جلياً بالتواصل مع أخويها خليفة (12 عاماً) وزايد (ثلاث سنوات) ومع الطالبات في الصف، بعد أن تم دمجها، وقد أثبتت تفوقها بجدارة كبيرة».

تكريم «ماما جنتي»

تستعد مبادرة «ماما جنتي»، التي تنظمها صحيفة «الإمارات اليوم» بمناسبة يوم الأم، لتكريم أمهات ذوي الإعاقة، الذين شاركوا الجمهور قصصهن في المبادرة، تكريماً وتقديراً لجهودهن الكبيرة.

وحول هذا التكريم ذكرت مدير العلامة التجارية في قطاع النشر بمؤسسة دبي للإعلام، منى السميطي «ستحظى أمهات مبادرة (ماما جنتي) بيوم ترفيهي وتكريم خاص، تقديراً وعرفاناً للدور الكبير الذي بذلنه في سبيل تربية أبنائهن، مقدمات صوراً جميلة لمعاني العطاء والأمومة».

ونوهت السميطي بأن «أمهات ذوي الإعاقة لا تقل أهميتهن ودورهن عن أمهات الأطفال الأسوياء، بل على العكس، قد يبذلن جهوداً كبيرة لا يستطيع الكثيرون القيام بها أو تحملها، لتربية أبنائهن تربية صحيحة سليمة تجعل منهم أشخاصاً فاعلين في المجتمع، يسهمون في خدمته والارتقاء به إلى أعلى المستويات».

ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة «ماما جنتي» لصحيفة «الإمارات اليوم»، التي أتاحت الفرصة لهؤلاء الأمهات لمشاركة الجمهور قصصهن التي تحمل شتى معاني الأمومة بعطاء لا محدود، وذلك في يوم الأم 21 مارس، الذي يصادف اليوم.

تقول الأم هيفاء عدنان غانم «رزقني الله ثلاثة أولاد، وشاء أن يكون أوسطهم (باسل) من ذوي الإعاقة، يعاني تخلفاً عقلياً، وعلمت بذلك حين كان جنيناً في بطني، الأمر الذي شكل لي صدمة نفسية كبيرة، حرصت على تعديها بإصرارٍ كبير. ومنذ أيامه الأولى بدأت رحلة التحدي معه». وأضافت «في يومه الـ17 خاض أول عملية جراحية، ونظراً لأن إعاقته كان لها تأثير في إدراكه وذكائه، عملت جاهدة على إخضاعه للتأهيل والتدريب والمتابعة المستمرة في مركز متخصص، حتى يستطيع الاعتماد على نفسه، الأمر الذي لمست ثماره الإيجابية مع مرور السنوات، وفي عامه الخامس التحق بمركز راشد للمعاقين، ومن خلاله تعلم وأتقن الكثير، ومنه اللغة الإنجليزية، وذلك حتى عامه الـ18».

ونوهت هيفاء «بعد أن أنهى باسل تجربته الغنية مع المركز الذي لم يستطع الاستمرار فيه بعد الـ18، وفّقت في إيجاد وظيفة مناسبة له في أحد المشاتل (ديزرت قروب)، الذي استثمر براعة باسل الكبيرة في الرياضات، الأمر الذي زاد من سعادتي وفخري بابني، إذ أكدت للجميع أن الإعاقة لا تشكل حجر عثرة في طريق الإصرار والأمل والتحدي».

وشددت هيفاء «لم تكن تجربتي مع باسل سهلة، وإن كانت ــ ولله الحمد ــ موفقة، فقد خضت خلالها تحديات وصعوبات كثيرة، أصررتُ على تحديها بقوة وعزيمة، كان أبرزها فقدي لزوجي، وباسل في عمر السادسة، واضطراري إلى تحمل المسؤولية وحدي، واللجوء إلى العمل لأستطيع إعالة أبنائي الثلاثة، الذين يبلغ أكبرهم 27 عاماً، والاهتمام بباسل الذي حرصت على تخصيص جل وقتي له، حتى حصدت ثمار ذلك، ومازلت أرى نفسي من أسعد الأمهات».

وكما هي حال هيفاء، تحملت الأم إيمان الطنيجي وحدها مسؤولية تربية ابنتها المعاقة (ثلاث سنوات وستة أشهر)، إلا أن الفرق يكمن في تخلي زوجها عنها وعن ابنته بعد ستة أشهر من ولادتها، دون أن يعي حجم المسؤولية التي تركها تثقل كاهلها وحدها، وذلك رغم أن سبب الإعاقة وراثي.

قالت إيمان «ولدت ابنتي مصابة بمرض وراثي، اكتشفه الأطباء في أسبوعها الثاني من الولادة، أصبحت على إثره تعاني إعاقة جسدية، كان لها تأثير في دماغها وسمعها، وعليه بدأت على الفور معها العلاج الطبيعي اللازم، وتنقلت ما بين المستشفيات حتى ألحقتها بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية».

ونوهت إيمان «يغمرني إحساس كبير بالأمل، فبعد أن كانت نتيجة تشخيص الطبيب لابنتي بالموت، فهي على قيد الحياة حتى اليوم، وبعد أن كانت لا تتفاعل بدأت البوادر تظهر عليها، وسأمضي في طريقي نحو تحقيق التوازن ما بين عملي لإعالتها، والاعتناء بها، حتى يوفقني الله في رسالتي كأم تحرص على بذل شتى الجهود في سبيل تربية أبنائها».

ولا تختلف قصة الأم سميرة عبدالله قمبر عن الأم إيمان التي تحملت المسؤولية وحدها، فسميرة تحملت مسؤولية تربية ابنها عبدالله المصاب بالتوحد، إلى جانب ابنها السليم فيصل، حتى غدا اليوم شاباً يبلغ من العمر 27 عاماً.

قالت سميرة «اكتشفت إصابة عبدالله بالتوحد في عامه الرابع، وحرصت بشكلٍ كبير على توفير العلاج المناسب، وبعد السفر إلى الخارج قمت بإلحاقه بمراكز متخصصة، أسهمت بشكلٍ إيجابي في تأهيله ومساعدته على الاعتماد على نفسه، كما حرصت على إلحاقه بالنشاطات الخارجية التي تساعد على علاجه، كالسباحة وركوب الخيل، واتبعت شتى التعليمات التي من شأنها تخفيف أعراض التوحد التي يعانيها، ومن أبرزها النشاط الزائد».

وعلقت سميرة «لم تكن تربية عبدالله بالأمر الهيّن بالنسبة لي، لاسيما أنني كنت مسؤولة كذلك عن أخيه، ولكن إيماني بالله ثم بأن الغد القادم سيأتي بالأفضل، كان دوماً ما يعينني على إكمال الطريق، إلى جانب إعانة عائلتي لي، ووقوفهم إلى جانبي، خصوصاً أنني لا أملك الوظيفة التي تعيلني».

وعلى الرغم من أن عبدالله لم ينطق حتى اليوم بكلمة «ماما»، لأنه لا يتكلم، إلا أن سميرة تسمعها بداخله كلما رأته وأخاه الذي يقف اليوم كشاب يعيلها وعبدالله، بعد أن التحق موظفاً في سوق العمل.

وبذلت سارة المحيربي، الأم لثلاثة أطفال، دوراً كبيراً في مساعدة أصغر أبنائها (حمدان ــ ثلاث سنوات)، بعد اكتشاف إصابته بالتوحد في عيد ميلاده الثاني، حيث فوجئت بعدم خوفه وإنزعاجه بحادثة كسر الطاولة الزجاجية التي كانت تحمل كعكة ميلاده، أسوة ببقية الأطفال. «فوجئت برد فعل حمدان، ما دفعني إلى تشخيصه في الخارج، والذي أكد لي إصابته بالتوحد، وفور عودتي إلى البلاد قمت بتسجيله في مركز متخصص، لم أجد فيه شاغراً حتى اليوم، ومازلت أنتظر، الأمر الذي يمنعني في المقابل من إلحاقه بالنشاطات التي تعينه على تجاوز أعراض التوحد، كركوب الخيل وغيرها».

وذكرت فاطمة ناصر، الأم لأربعة أبناء (ولد وثلاث بنات)، أكبرهم موزة «خضت رحلة طويلة لتشخيص حالة ابنتي موزة، حتى تبين لي وهي في عمر السنتين وشهر أنها تعاني التوحد، ما دفعني لإلحاقها بمركز متخصص يُعنى بتأهيلها وتدريبها على كيفية الاعتماد على نفسها، أسوة بالأطفال الأسوياء، ولتلتحق بالمدرسة لاحقاً، وكان لي ما أردت بجهد وعزيمة كبيرة، فبعد رياض الأطفال اليوم هي طالبة في الصف الأول، دمجت مع الأسوياء بإشراف ما يسمى معلمة ظل وجليسة أطفال».

وأكدت فاطمة «بذل معي المتخصصون في مركز الشارقة للتوحد، التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، جهوداً كبيرة، حتى غدت اليوم ابنتي طالبة في الصف الأول، وبدأت على إثر ذلك الاقتراب أكثر من عالم التوحد الخاص، والقيام بالبحث فيه، ومحاولة المشاركة في عمليات التوعية الخاصة به في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى ترأست مجلس أمهات أطفال التوحد في المركز، ورئاسة اللجنة الإعلامية في جمعية الإمارات للتوحد».

ونوهت فاطمة بالدور الكبير الذي لعبه زوجها في دعمها، والمساهمة في علاج ابنته، وتوفير البيئة المناسبة لها، والحرص على توطيد العلاقة بينها وبين شقيقتها الصغرى، التي توليها اهتماماً كبيراً، وتحرص على الاعتناء بها، بطفولة وبراءة كبيرتين».

وكذلك نجحت الأم، موضي جمعة عبدالله، في إدخال ابنتها شيخة عبدالله الى المدرسة، بعد أن بذلت جهوداً كبيرة في تأهيلها للاندماج مع أقرانها من الأطفال، فور تشخيصها بالتوحد ومعاناتها ضعفاً في التركيز ومشكلة في النطق. وقد لعب والد شيخة دوراً كبيراً في هذا النجاح، وفي المشاركة في تربية خمسة أبناء، منهم شيخة.

وأسوة بأمهات ذوي الإعاقة، حرصت أم حمد سامح على مساعدة ابنها (حمد ــ أربع سنوات) على تلقي العلاج اللازم، بعد تشخيص إصابته بالصم في عمر السنة وتسعة أشهر، حيث انقطع عن ترديد كلمتي «ماما» و«بابا».

قالت أم حمد «لجأت ووالد حمد إلى أكثر من طبيب، للتأكد من حالة حمد، وقد اتفقت كل التشخيصات على إصابته بالصم، وعليه بدأنا مرحلة علاجه بالسماعة والجلسات المتخصصة، إلا أن الحل الأمثل كان زراعة قوقعة، وقد قمنا بذلك بعد تفكير ملي». ولله الحمد كتب لحمد النجاح في العملية، وبدأ يجني ثمارها بالسمع والقدرة على التواصل والتفاعل، ومازال يحضر جلسات النطق التي تعينه على ذلك.

وشددت (أم حمد) على الدور الكبير الذي بذله (أبوحمد) في مساعدته لتجاوز هذه المحنة الصعبة، وتربية ابنهما الأكبر عبدالرحمن، البالغ من العمر ثماني سنوات.

الأكثر مشاركة