جهود الشيخ زايد حققت نتائج نوعية في توفير الرعاية العلاجية وإنشـاء المستشفيات
الخدمات الصحية في الإمــارات.. من الطب الشعبي إلى العالمية
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.
واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.
أولت دولة الإمارات، منذ نشأتها، اهتماماً خاصاً بالرعاية الصحية، وسعت إلى توفير الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين فيها، منذ إعلان الاتحاد وقيام الدولة. وحتى قبل إعلان الدولة؛ سعى قادة الإمارات المتصالحة إلى توفير الرعاية الصحية للأهالي، قدر الإمكان، وهنا تبرز جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، في هذا المجال منذ توليه منصب ممثل الحاكم في العين، ثم توليه حكم أبوظبي 1966، لتتزايد هذه الجهود وتتسارع بشكل نوعي، عقب إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
قبل اكتشاف النفط؛ كانت الطب الشعبي هو المسيطر على تعاملات الناس في منطقة الساحل المتصالح، ومع بدايات اكتشاف النفط بدأ يتوافد إلى المكان أطباء أجانب أسهموا في الانتقال إلى الطب الحديث. وبعض هؤلاء الأطباء دونوا شهاداتهم عن الحياة في أبوظبي، وبقية مناطق الإمارات في فترة الستينات، ومنهم فيليب هورنيبلو الذي شغل مدير الصحة في أبوظبي في الفترة من 1966 - 1970، ويصف زيارته الأولى: «سافرنا بطائرة داكوتا قديمة، وهبطنا على مدرج السبخة الصلبة، وتوقفت الطائرة أمام كوخين كانا هما مبنى المطار في ذلك الحين، وهناك وجدت في انتظاري سيارة حمراء من طراز بويك، عرفتها لأنه سبق لي مشاهدتها في فيلم تلفزيوني أميركي بعنوان (أبوظبي.. بلاد ذات مستقبل)، وفي ذلك الفيلم غرزت السيارة في الرمال، وقامت مجموعة من العرب بقيادة أحمد العبيدلي المسؤول عن مكتب القصر بانتزاعها من الرمال، ومن المشاهد الأخرى في الفيلم، الذي لايزال عالقاً بذهني ذلك الطبيب الذي يدعى الدكتور كندي وزوجته مارين اللذان كانا يديران مستشفى أميركياً بالقرب من العين، وقد ظهر وهو يحقن مريضاً منبطحاً في فخذه مخترقاً ملابسه، فالحياء في العالم العربي لايزال حياً».
ويضيف «التقيت الشيخ زايد، وأذهلتني شخصيته، وقد اختفت تحت عباءة تواضعه شدة المحارب الصحراوي وبأسه». ويتحدث هورنيبلو عن الخدمات الصحية التي كانت متوافرة آنذاك، مشيراً إلى انه كانت هناك عيادة حكومية صغيرة يديرها الدكتور عبدالمجيد هو (باكستاني)، وكان ممارساً عاماً مسجلاً، وكان ذلك تصنيفاً قائماً على نظام الخدمات الطبية الهندية القديم، ولا يتضمن الحصول على درجة البكالوريوس في الطب، لكنه بمثابة ترخيص بممارسة المهنة على أساس الخبرة. كما كانت هناك عيادة خاصة يديرها الدكتور دزموند ماكولي، وهو أيضاً من بقايا نظام «الراج» الهندي، بحسب ما يشير الدكتور فيليب هونيبلو، لافتاً إلى أن ماكولي أتى إلى الإمارات المتصالحة بعد تقسيم الهند 1947، وعمل بعض الوقت كبيراً للأطباء في دبي، لكن حل محله طبيب شاب هو ليزلي هينمان. أما في مدينة العين؛ فكان بالإضافة إلى الدكتور كندي وزوجته في المستشفى الأميركي، طبيب يدعى عبدول (سوداني)، لكنه لم يستمر طويلاً بسبب تكرار الشكوى منه.
ولفت هونيبلو إلى أن الشيخ زايد كان حريصاً، خلال توليه منصب حاكم العين، على تأسيس الخدمات الصحية بها، وأصدر تعليماته عقب انتقاله لحكم أبوظبي، بتخصيص قصره ليصبح مستشفى مؤقتاً. أما في أبوظبي فقد صدرت تعليمات لشركة «آتو» لإقامة 10 مبانٍ. ويذكر الطبيب البريطاني أن أول مواجهة جدية مع الأمراض، حدثت عندما ظهرت حالة للجدري في الجزيرة، وتعين عليهم تنفيذ برنامج للتطعيم «لحسن الحظ كان بيننا وبين السلطات الصحية في الإمارات المتصالحة الأخرى تعاون، خصوصاً مع الدكتور عاصم الجمالي كبير الأطباء في دبي، قبل أن يعود إلى مسقط ليتولى منصب وزير الصحة، بعدما خلف السلطان قابوس بن سعيد والده». وأشار إلى أنهم قرروا تطعيم جميع السكان في كل مكان، بعد أن راجت شهادات التطعيم المزورة، بسبب رغبة البعض في تجنب مشقة وألم التطعيم.
وينتقل هونيبلو إلى مرحلة تالية، حيث أصبحت هناك مستشفيات في أبوظبي والعين، لكن الطب الجراحي لم يكن ناجحاً، بحسب قوله، فعلى الرغم مما حصل عليه أول جراح بريطاني عمل لدينا من مؤهلات وشهادات، إلا أنه تعين الاستغناء عن خدماته، وحل محله جراح نيوزيلندي اتسم بالهدوء والكفاءة، لكنه لم يمكث معنا سوى عام واحد ترك أثناءه أثراً ملموساً؛ فقد عالج الشيخ زايد نفسه عندما أصيبت قدمه بجرح. وقد ضرب الشيخ زايد مثلاً رائعاً لشعبه، حينما توجه إلى مستشفى أبوظبي للعلاج، وكان الكثير منهم اعتاد السفر للعلاج في لندن أو بيروت، فتم تكوين مجالس طبية لتقليل عدد الراغبين في السفر إلى الخارج لتلقي العلاج. وأوضح أن القوات البريطانية التي كانت توجد في الشارقة كانت تزود أبوظبي ببنك للدم لإجراء جراحات كبرى، وكان يتم دفع خمسة دنانير مقابل اللتر الواحد، أيضاً بدأت تحريات طبية حول معدل الإصابة بالتسمم بالفلورين الذي يتلف العظام، حيث وجد أن ستاً من كل 12 بئراً بالعين ملوثة بمادة الفلورايد الكيميائية، لذا تقرر منع استخدام مياه تلك الآبار للشرب، وقصر استخدامها على الغسيل وغيره.
شهادة أخرى يقدمها الضابط بالجيش الملكي، الرائد جون إدواردز (1970- 1971)، الذي أرسل في بعثة إلى الشارقة امتدت قرابة سنة، وعمل خلالها كبير أطباء الأسنان بعيادة معسكر الشارقة، مشيراً إلى أن مهمته، مع طبيب آخر في العيادة هو ملازم طيار إنجس ليز، هي إتاحة خدمة طب أسنان كاملة لأفراد الجيش والقوات الجوية الملكية في الشارقة، وأيضا للجنود. ونظراً لأن يوم العمل العادي كان يبدأ من السابعة صباحاً وحتى الواحدة بعد الظهر، قام مع إنجس بافتتاح ما يمكن وصفه بـ«العيادة الخاصة»، في فترة ما بعد الظهر لثلاثة أيام في الأسبوع، إذ كان معظم المرضى من العاملين الأوروبيين في البنوك، وشركات النفط، وعدد قليل من المؤسسات التجارية بالإمارات المتصالحة. وأشار إلى جانب عمله في طب الأسنان، حيث تخصص في علاج أسنان الأطفال، أسهم وزميله في علاج إصابات الوجه، خصوصاً أن حوادث الطرق كانت منتشرة في الأيام التي سبقت أحزمة المقاعد، وكانت إصابات الوجه والرأس حتمية تقريباً.
أرقام وأحداث
1968
بدأ العمل على مشروع بناء مستشفى جديد في العين، ونهضت بالعملية شركة «كوزلي».
2555
بلغ الإنفاق الصحي الحكومي عام 1994 ما يقارب الـ2555 مليون درهم.
27
سجلت منظمة الصحة العالمية دولة الإمارات في المرتبة 27 عالمياً، في أداء النظم الصحية.
2002
إنشاء مدينة دبي الطبية تحوي 90 مركزاً طبياً، و2500 من المهنيين المرخصين.
تطور
اعتمد الطب في المنطقة، حتى منتصف الستينات على الطب الشعبي، الذي يعتمد على ممارسات معينة: كالكي والحجامة والختان والتجبير، والوصفات الشعبية، والأدوية المركبة من الأعشاب. بعد ذلك بدأت تفد إلى المنطقة البعثات الطبية الغربية. وفي عام 1909 افتتح الدكتور بوول هارسون عيادته الخاصة في الشارقة. وفي عام 1952 أسست الدكتورة سارة هوسمان أول مستشفى في الشارقة، وقد ركز نشاطه على الولادة والأمومة. وفي نوفمبر عام 1960 تأسس مستشفى كندي نسبة إلى بيرول وميريان كندي (الواحة)، وأشارت إحصاءات إلى أن عدد المواليد في ذلك المستشفى بلغ 4000 مولود.
كما لعبت دولة الكويت دوراً كبيراً لا يمكن إغفاله في تطوير قطاع الصحة والخدمات الطبية في الإمارات، فقد أرسلت بعثة طبية عام 1962، وموّلت مشروعات لتشييد مستشفيات عدة، منها: المستشفى الكويتي عام 1966 (البراحة حالياً)، والمستشفى الكويتي في رأس الخيمة، ومستوصفان في خورفكان والفجيرة، وتولت الإشراف عليها حتى قيام الاتحاد عام 1971.
من السبعينات إلى التسعينات
في أوائل السبعينات، اقتصرت الخدمات الصحية في دولة الإمارات على سبعة مستشفيات و12 مركزاً صحياً، أي بسعة نحو 700 سرير فقط؛ لتغطية كل مناطق الدولة. ومع بداية التسعينات، وصل عدد المستشفيات إلى أكثر من 50 مستشفى مع حلول عام 1995، تضم ما يقارب الـ6000 سرير، بالإضافة الى 160 صيدلية حكومية، وما يزيد على 700 مستودع طبي حتى عام 2007، وأكثر من 109 مراكز للرعاية الصحية الأولية، و124 مركزاً لرعاية الأمومة والطفولة.
وحلت دولة الإمارات عام 1997 في المرتبة الأولى من بين ثماني دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في مجال الرعاية الصحية والنهوض بالمرأة، حيث وصل عدد الأطباء إلى 1530 طبيباً، أي ما يعادل طبيباً لكل ثلاث أسر، كما سجلت السنة نفسها إجراء 66 عملية جراحية في مختلف التخصصات.
معدلات عالمية
بحسب تقرير التنمية البشرية العربية، تعتبر دولة الإمارات واحدة من الدول التي نجحت في المحافظة على نسب منخفضة، تتوافق مع المعايير العالمية في وفيات الأمومة والمواليد الجدد، وجاء ذلك نتيجة للرعاية الصحية وإتمام نحو 99% من عمليات الولادة في المستشفيات، وتحت إشراف طبي مباشر، حيث وصلت معدلات وفيات حديثي الولادة إلى 0.554%، و7.7% للأطفال، و0.01 من كل 100 ألف للأمهات خلال الولادة في عام 2004. وقد وصل متوسط عمر الفرد في الدولة إلى 78 عاماً، وهو العمر الذي وصلت إليه أرقى الدول في أوروبا والولايات المتحدة.
المستشفى المركزي
تم إنشاء المستشفى المركزي في أبوظبي، في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي، حيث شكلت العيادات المتناثرة في منطقة المستشفى المركزي في ذلك الوقت نواة المستشفى الذي شهد توسعات عديدة، حتى أصبح من المستشفيات الرئيسة. ثم انتشرت المستشفيات والمراكز الصحية في جميع ربوع الدولة، إلى أن زاد عددها على 37 مستشفى، وأكثر من 110 مراكز صحية، موزعة على مختلف مناطق الدولة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news