«الحالة الجويــــة».. ماذا تفعل بأمزجة الناس

هل صحيح أن الحالة النفسية للأشخاص تتأثر بالطقس؟ وماذا عن الاضطرابات النفسية والسلوكيات التي تترافق مع هذه الأجواء كحالات التوتر والقلق والمشاحنات؟ وما علاقة كل ذلك بقدرتنا على التكيف والتأقلم، خصوصاً أن تقلبات الطقس تبدو قليلة ونادرة في الإمارات ومنطقة الخليج العربي، حيث تسود الأجواء الحارة والمعتدلة نسبياً على مدار العام؟

«الإمارات اليوم» استطلعت آراء الجمهور (قبل أيام من العاصفة الرملية التي بلغت أوجها أمس)، لتسلط الضوء على هذه الظاهرة التي تتزامن مع تغير الطقس هذه الأيام، وما يمكن أن تتركه من آثار قد تبدو واضحة حيناً، وخفية في كثير من الأحيان، لكنها بالمحصلة تكشف عن علاقة ما وجب التوقف عندها ودراستها بشكل موضوعي.

تجربة ممتعة

طقس المزاج

لاحظ العديد من الباحثين ارتباط حالة الطقس مع حالة المزاج وسلوك الإنسان، كما أكدت الدراسات الحديثة وجود هذا الارتباط والدليل هو تقلب المزاج في الفترات الغائمة التي ينتشر فيها الغبار، حيث تؤكد استطلاعات الرأي التي أجريت في الإمارات وتزامنت مع ما يشهده الطقس من تقلبات مفاجئة وأجواء متقلبة التأثير الواضح للطقس في سلوكنا اليومي وانفعالاتنا النفسية، وحتى في ساعات النوم لدى الأشخاص، حيث تستمر هذه التأثيرات لحين استقرار حالة الطقس.

معالجة النفس

دعت المستشارة النفسية الإماراتية هند البدواوي، إلى تغيير البيئة بين الحين والآخر، وذلك لتجديد النشاط والتوازن ومحاولة معالجة النفس من خلال إدارة الذات وقياس اختلالاتها، والسعي لتعديل المزاج باللجوء إلى بعض النشاطات الترفيهية.

البداية مع كارين سانت السيدة الدانماركية المقيمة في الإمارات منذ أربع سنوات، التي تحدثت عن سعادتها بالعيش في بلد معتدل الأجواء وبالطقس الذي تراه جميلاً وباعثاً على التفاؤل، مقارنة بأجواء بلدها الباردة، واعترفت بأن تجربة العيش في منطقة رأس الخيمة التي انتقلت إليها أخيراً، مكنتها من الاستمتاع بوقتها الذي تقضي جزءاً كبيراً منه خارج البيت مع أسرتها، وتضيف كارين في هذا الصدد: «أرى أن العيش مطولاً في بلد بارد يؤثر في مزاج أهله، فكثيراً ما يغرق سكان هذه المناطق خلال فترات الشتاء الطويلة بمزاج سيئ، يخلق لديهم رغبة في الإنزواء وشعوراً بالحزن وفقدان الرغبة في الحياة»، وهي جملة الاضطرابات النفسية التي تحدثت عنها الدراسات الحديثة التي خضع لها عدد كبير من سكان هذه المناطق، وأثبتت صحتها بعد ملاحظة حالات التوتر والقلق التي تصيب بعض ساكنيها، فيما أثبت قبلها بعض الأخصائيين النفسيين العلاقة بين نفسية الإنسان والضوء (الشمس)، الذي اعتبروه علاجاً أساسياً للاكتئاب النفسي، وهذا ما يحيلنا على أهم أسباب ظهور هذه الأعراض النفسية وتفاقمها في المناطق التي تغيب فيها الشمس ويقل ظهورها.

ظرف مساعد

السائحة الخليجية هدى إبراهيم التي دأبت على زيارة دبي لقضاء عطلتها، قالت إنها تفضل هذه الفترة من السنة لأن طقسها معتدل وتجد أن الطقس الغائم وغياب الشمس مدعاة للراحة وفرصة لقضاء وقت مع الأصدقاء بعيداً عن حرارة الشمس الخانقة.

وعن تجربتها الشخصية والعلاقة التي تربطها بالطقس في بلدها وتأثيره في مزاجها العام، تقول «لا أحب الأجواء الحارة والرطبة التي تسيطر على المناخ في بلدي، وأفضل الأجواء المعتدلة لهذا السبب أتيت إلى دبي خلال هذه الفترة للاستمتاع بالتسوق والمقاهي والأماكن المفتوحة»، وتتابع «لا أرى أن الطقس يمكن أن يؤثر في مزاجي بشكل مباشر ولا في مجموعة الأنشطة التي أنوي القيام بها، فأنا اجتماعية ولدي قدرة كبيرة على التكيف مع الأجواء المناخية الصعبة، لأنني تعودت ذلك وتعلمت أن أتعامل مع الحرارة الممتدة على أغلب فترات السنة، لكنني أرى أن النشاطات الترفيهية تعتمد على الظروف المناخية المساعدة، فأغلب قرارات السفر والسياحة لدي ولدى صديقاتي تظل مرتبطة دوماً باعتدال الطقس وحلاوته».

بعيداً عن التقلبات

يشاركها الرأي الشاب الإماراتي خالد الجناحي، الذي لا يرى أي مشكلة في تغيرات الطقس في هذه الفترة من العام، حيث اعتاد اقتسام متعة الأجواء الشبابية مع الأصدقاء ورحلات البر التي يتم التحضير لها قبل فترة، قائلاً لـ«الإمارات اليوم»: «كثيراً ما استغرب حديث البعض عن الطقس المتغير الذي يؤثر في المزاج والسلوك، لكنني لم أنتبه يوماً لهذا الأمر، لأننا نطوع الأحوال الجوية كافة لمصلحة الرحلة التي ننوي القيام بها، وذلك من خلال الاستعداد الجيد واتخاذ الاحتياطات كافة، وأرى أن هذا الأمر ينطبق على أغلبية الأصدقاء والزملاء في العمل، إلا في حالات استثنائية يتفنن البعض بوصفها (بالجو اللندني)، رغم أنني لست مقتنعاً بهذه الفكرة، وأعتقد أن الشخص قادر على ترتيب أولوياته بحسب اهتماماته، والتأقلم مع التغيرات الخارجية الطارئة مهما بلغ تأثيرها».

«حجي المطر»

الإماراتية شيخة الفلاسي خالفت الرأي السابق وتؤكد أن أغلبية الأنشطة التي تقوم بها الفتيات في الإمارات متغيرة حسب أجواء الطقس الذي يغلب عليه الطابع الصيفي الحار، إلا في الأشهر القليلة التي يعتدل فيها المناخ، وهذا ما لمست بالفعل تأثيراته في عادات الإماراتيات بالتجوال والتسوق أو بخطط السفر والرحلات البحرية التي يقمن بها، أو جملة السلوكيات والخطط المندرجة ضمن إطار ما يسمى «بتحسين المزاج».

وتنتبه الفلاسي التي ترتاد مواقع التواصل الاجتماعي مثل جميع الشباب الإماراتي إلى أن حالة الطقس لا ترتبط فقط بالمزاج العام، وإنما تنعكس حتى على مضامين الرسائل النصية و«البرودكاست» التي ينشرها الناس، ويتبادلونها سواء على الأجهزة الذكية أو على موقع التويتر عبر تغريدات مثل: «انتبه ضع نظارات واقية من الشمس أثناء فترتي الشروق والغروب خلال مرحلة الاعتدال الربيعي»، أو تغريدات مثل «وش يقول الصبح عن الجو» أو «من يترجم للبشر حجي المطر» (حكي المطر) أو البعض الذي يصف الطقس ويقارنه بـ «الجو اللندني» وغيرها الكثير.

«طقس الفرح»

دان بوسيتا مصور فلبيني محترف التقطته «الإمارات اليوم» وهو يحاول إقناع مجموعة من السياح الأجانب بصورة تذكارية أمام النافورة الراقصة في منطقة برج خليفة وتحدي الجو الغائم الذي جعل الكثير منهم يلجأ إلى داخل «مول دبي» للنجاة من الغبار.

يشير «دان» إلى التحديات التي يواجهها في مثل هذه الأحوال الجوية السيئة التي تتسبب في تغيير «طقس الفرح» لدى الزوّار، ما يؤثر في عمله ويلزمه بإقناعهم بتعديل الصورة وتحسينها لتنال إعجابهم، كما يضيف مازحاً: «الغريب أن الطقس يؤثر ليس فقط في مزاج الناس بل في طبيعة عملي وأصدقائي المصورين هنا، فقد بات الناس يمتنعون عن التنزه والتقاط الصور التذكارية كلما غابت الشمس».

بحوث ودراسات علمية

في السياق نفسه وفي ظل اختلاف الآراء وتباينها استطلعت «الإمارات اليوم» رأي الخبراء النفسيين، وفي حديثنا إلى المستشارة النفسية الإماراتية هند البدواوي أكدت أن «المراكز العصبية تلعب دوراً مهماً في ضبط درجة حرارة الإنسان على (37 درجة)، وتسهم بذلك في توازن السلوك والأفعال لدى الإنسان، والدليل أن اختلال هذا التوازن في حالة المرض والحمى يؤثر في العمليات العقلية ويتسبب في الهذيان والهلوسة»،

كما أن معظم التوترات العصبية تنشأ عن درجات الحرارة والرطوبة العالية، فمن خلال الاختبارات الإكلينيكية التي أجريت حديثا تبين أن ارتفاع درجات الحرارة سبب مباشر في توتر «الأوتار العصبية المسؤولة عن توازن الحالة النفسية» لدى الإنسان، ما يؤدي إلى اختلالها وظهور بعض الظواهر السلوكية الخاصة والعوارض العنيفة التي تصيب الأفراد، مثل نفاذ الصبر وردود الأفعال السريعة التي لا ترتكز على التفكير، ما يسبب المشاجرات والمشاحنات والحدة في التعامل مع الآخر.

وتتابع البدواوي «تشير البحوث إلى أن المناطق التي يغلب عليها فصل دون آخر تتسبب باضطرابات واضحة في المشاعر والانفعالات النفسية ودرجات التوازن لدى الأفراد، وبجملة من الخصائص النفسية المشتركة بين سكان هذه المناطق لهذا نجد أن أغلبية مزاج سكان المناطق الساخنة يتسم (بسرعة الانفعال) وبالعصبية المفرطة أحياناً كثيرة، فيما يتسم سكان المناطق الباردة بردود أفعال بطيئة نوعاً ما».

ويلفت الطب النفسي الانتباه إلى أن تعريف الطقس الجميل يعتمد على «مجموعة التفضيلات» التي تتحكم فيها أنماط التربية وأشكال البيئة المحيطة بنشأة الأشخاص، فالشخص الذي نشأ في بيئة مشمسة يشعر بالرغبة في العيش بالأماكن التي تغلب عليها الأجواء الباردة والعكس صحيح.

الأكثر مشاركة