هواة ومتطوعون يجمعون أجهزة السماع القديمة
متحف لتاريخ الراديو في بلجيكا
قد تكون مدينة أولين الصغيرة، في مقاطعة أنتويرب البلجيكية، مجهولة لدى الكثيرين حتى البلجيكيين أنفسهم، لكن متحفها المتميز عن بقية المتاحف يجعل منها حالياً مزاراً لمحبي تاريخ الراديو.
ففي أولين متحف الراديو وتاريخه الفريد من نوعه، وهو متحف بدأ بداية متواضعة لجامعي أجهزة الراديو، وانتهى إلى متحف متكامل يسرد حكاية 70 عاماً من تاريخ الراديو.
المتحف الذي يحوي غرفاً متصلة ببعضها بعضاً، مليء بأجهزة الراديو التي تم تصنيعها وتطويرها منذ بدايات القرن الـ20 وحتى نهاية السبعينات من القرن ذاته، ومعظم تلك الأجهزة قطع فنية في حد ذاتها من ناحية التصنيع، خصوصاً الأقدم منها، أو تلك المصنوعة هياكلها من الخشب.
واحد من أول أجهزة الراديو، التي تم تصنيعها عام 1901، سيحمل الزائر فوراً عبر خياله المجنح إلى أول أيام الراديو، مع أن الجهاز ببساطة ليس أكثر من ملف أسلاك ومضخم صوت وسماعات.
«الإمارات اليوم»، استأذنت أحد القائمين على المتحف في تجربة الجهاز، لنقف أمام دهشة الاستماع إلى الموسيقى المنبعثة من هذا الجهاز البدائي الجميل.
وحين سألنا عن ارتباط الجهاز البدائي بأي أسلاك كهربائية ولا وجود لمكان بطارية فيه، أجاب ليون، وهو أحد مؤسسي المتحف وجامعي الراديو، أن هذا الجهاز على بدائيته يعمل على طاقة الأمواج الراديوية، ممازحاً بأنه لو انقطعت الكهرباء عن مدينة أولين فإن المتحف في المدينة لايزال فيه راديو يعمل.
ويشير ليون إلى جهاز من أقل الأجهزة ظهوراً في المتحف، ليؤكد لنا أنه الجهاز الذي يعتبره البداية الحقيقية لقصة المتحف، وهذا الجهاز تحديداً بحكايته كان بداية الحكاية.
حكاية هذا الجهاز تبدأ قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وقد احتلت القوات النازية بلجيكا، وكانت أوامر القوات النازية وجهاز البوليس السري (الجستابو) لكل اليهود في بلجيكا بتسليم أجهزة الراديو التي بحوزتهم لقوات الاحتلال. فما كان من إحدى العائلات اليهودية في مدينة أنتويرب إلا أن منحت جهازها إلى عمة بيتر فان أوبستال، المؤسس الحقيقي للمتحف، الذي ورث الجهاز عن عمته، وقام بإصلاحه بعد سنوات طويلة، ليبدأ بعدها هوايته بتجميع أجهزة الراديو.
وفي عام 1992، عرض أوبستال مجموعته من أجهزة الراديو التاريخية في متحف متواضع اختار له كراج بيته مكاناً، ثم تطورت الفكرة لديه بعد هذا الشغف بأجهزة الراديو وتاريخها إلى شراء المنزل الذي حوله إلى متحف يعرض فيه كل تلك الأجهزة، وكان هذا الشغف كما يضيف ليون لـ«الإمارات اليوم»، عدوى أثرت في الآخرين الذين حملوا الشغف نفسه بالبحث عن أجهزة راديو تاريخية لوضعها في المتحف، حتى إن المتحف يديره موظفون متطوعون يحملون الشغف بالفكرة، ويستطرد ليون مبتسماً، لابد من شيء تفعله بعد تقاعدك، وأنا وجدت الشيء الذي أحبه. وتتميز محتويات المعرض، من أجهزة راديو مختلفة الصنع والشكل، بمجموعة فريدة من الأجهزة التي لا يمكن أن تكون إنتاج مصانع، بل كانت تحفاً فنية مصنوعة بيد أصحابها، ومن ذلك جهاز راديو مصنوع بشكل فني، مزين بصور لكنيسة محلية، ويوضح دليلنا ليون أن أجهزة الراديو كانت باهظة الثمن في السوق حتى مطلع الثلاثينات، ولذا انتشرت أجهزة راديو «صندوق السيجار» التي انتشرت في السوق كصناعة يدوية للطبقة الوسطى.
وأخيراً، في آخر المبنى الذي يشغله المتحف، وفي بناء صغير ملحق حديثاً به، مزدحم بمتطوعين يجلسون خلف طاولات ولوازم عدة صيانة دقيقة، أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين، وهذا مبنى الصيانة والترميم، لأجهزة الراديو النادرة التي يتم العثور عليها ولا تعمل أو تحتاج إلى بعض الصيانة أو ترميم هيكلها ليعود إلى شكله الجميل، ولعل أجمل ما يميز هذا الملحق ذلك الضجيج الصوتي الجميل بين أجهزة الراديو وهي تلتقط موجات الأثير، لتشكل كرنفالاً من الأزيز التاريخي الجميل.. وفيه تنتهي جولتنا في متحف يحاول تكثيف تاريخ الراديو بحكاية لكل جهاز.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news