طاقم طبي نسائي من مسعفات وسائقات من مواطنات إماراتيات في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف. تصوير: أحمد عرديتي

المسعفـــــات.. نساء في مهمات استثنائية

حكاياتهن مع الإسعاف والعمل الميداني تتجاوز حدود عملهن اليومي في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، فقد اختارت مجموعة من النساء الإماراتيات العمل في هذا المجال إيماناً منهن بأن تقديم المساعدة للآخرين في ظروف استثنائية مهمة يستطعن القيام بها بطريقة لافتة تحمل الكثير من خصوصية المجتمع المحلي أولاً، وخصوصية المرأة القادرة على التخفيف من الآلام والمعاناة.

بيئة إنسانية

مواقف مبهجة

لا تخفي (علياء) ابتهاجها بالمواقف المفرحة التي عايشتها طوال تجربتها في مختلف أقسام الإسعاف والطوارئ التي عملت فيها، إذ تقول: «رغم أننا نعاني ضغطاً نفسياً دائماً بحكم ما نعايشه بصفة دورية من أزمات وما نراه من حالات مستعصية قد تؤدي أحياناً إلى الوفاة، فإنني سعيدة جداً ببعض المواقف المفرحة التي صاحبت غالباً حالات الولادة التي عايشت منها سبع حالات، سواء في سيارات الإسعاف أو في البيوت».

تحديات ودروس

اعترفت مجموعة من المسعفات لـ«الإمارات اليوم» بجملة العراقيل التي واجهت بعضهن في البداية، وبصعوبة هذه التجربة التي أثرت فيهن اجتماعياً، إذ تقول عائشة البلوشي، إن طبيعة عملها في الطوارئ جعلتها أكثر خوفاً وقلقاً على أطفالها، إضافة إلى التحديات النفسية التي واجهتها في البداية حين تتذكر أنها ذرفت الدموع عندما اكتشفت أنها غير قادرة على إنقاذ مسن من الموت المحتوم، لكنها بالمقابل لا تنكر أن عملها زودها بقدرة غريبة على التعامل مع الأزمات.

مسعفة خارج أوقات العمل

تتذكر علياء موسى موقفاً إنسانياً مارست فيه مهامها مسعفة «خارج أوقات الدوام الرسمي»، حين صادفت في طريق عودتها إلى المنزل حادثاً مروعاً جعلها تنزل من سيارتها لتزود المصاب بالإسعافات الأولية في انتظار قدوم فريق الإسعاف الأقرب، وأمام دهشة الناس الذين تساءلوا عن سر هذه الفتاة التي تحاول إنقاذ المصاب ولا تعلن عن نفسها.

بلقيس محمد، انتدبت منذ ثلاثة أشهر للعمل سائقة إسعاف بقسم الأمومة والطفولة التابع لمؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، وذلك بعد الخضوع لدورة تدريبية متكاملة لمدة ستة أسابيع متواصلة شملت تقنيات التعامل مع الطوارئ وآليات التحكم بالأزمات، تحدثت عن هذه التجربة الفريدة التي تعيشها كل يوم قائلة: «سعيدة لأنني اخترت هذا الميدان الذي يبقيني قريبة من الناس أصغي إلى احتياجاتهم، وبهذه البيئة الإنسانية التي احتضنتها المؤسسة وتمكنت من ترسيخ دعائمها بفضل حكمة القائمين عليها، ورأس مالها البشري الذي يواصل بفضل جهوده الجبارة دعم هذا التوجه الرائد، وإثبات جدارته في هذا المجال».

ورداً على سؤال «الإمارات اليوم» حول أكبر الصعوبات التي يمكن أن تتصدى لوجود المرأة في هذا النوع من المهن المحفوفة بالمخاطر تقول محمد «رغم معارضة البعض إلا أنني أجد نفسي محظوظة بالدعم الذي أتلقاه دوماً من الأهل وحتى الأصدقاء، ربما لأن هذه المهنة ليست غريبة عن العائلة، فأخي يعمل سائق إسعاف، ما أسهم في تشكل الوعي بأهمية هذه المهنة وأهدافها السامية، وسهل في وقت لاحق التحاقي بالمؤسسة وعملي سائقة، إضافة لاكتساح المرأة الإماراتية جميع الميادين والمناصب والاختصاصات، فلم تعد هذه المهن الصعبة مقتصرة على الرجال فحسب».

نجاحات بجدارة

من جهتها، تشرف علياء موسى، فني طب طارئ، على نقل المرضى، إذ تعمل في المؤسسة منذ ثلاث سنوات بعد دراستها طب الطوارئ بكليات التقنية، وتخرجت في ثاني دفعة أطلقتها الجامعة عام 2008، حيث ارتبطت منذ البداية بحب هذه المهنة التي تتحدث عن صعوباتها قائلة «واجهت الكثير من الصعوبات في بداية مشواري مسعفة في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف، وأظنها الصعوبات نفسها التي واجهت جميع الزميلات في البداية، وارتبطت ببعض الاعتبارات المعنوية التي طرحت مسائل المنافسة بين الرجل والمرأة في هذه المهنة، إضافة إلى مسائل أخرى مرتبطة بفقدان الخصوصية التي تعانيها المرأة المتعاملة مع أعداد كبيرة من الزملاء الرجال أثناء ساعات العمل الطويلة، لكنها مشكلات تمكنا من تجاوزها مع الوقت والتعود، كما عانينا من نظرة المجتمع المحافظ الذي يصعب عليه تقبل تواجد المرأة في ميادين ومهن من المتعارف أنها رجالية، ورفض العديد من الأشخاص فكرة (المسعفة المرأة)، لكننا اليوم استطعنا أن نثبت جدارتنا ونفرض نجاحاتنا بفضل دعم المسؤولين وخبرة الكادر النسائي التابع للمؤسسة».

وقد تعرضت (علياء) خلال تجربة عملها بالمؤسسة لموقف صعب وضعها أمام امتحانات نفسية لن تنساها وصفتها لـ«الإمارات اليوم» بالقول: «لن أنسى أنني استقبلت يوماً بلاغاً من عائلتي التي استنجدت آنذاك بالطوارئ لإنقاذ أختي التي تعاني السكري، ما وضعني أمام تحدٍّ جديد وشعور بالمسؤولية التي اختلط فيها نداء الواجب بنداء العائلة، لكني تمكنت في النهاية من ضبط نفسي وتجاوز الخوف والارتباك وأداء واجبي المهني، ولعله كان درساً زودني بأدوات ضبط النفس والتصرف بحكمة وعقلانية».

ماما جميلة

أما سارة الحداد، المسعفة في إدارة إسعاف دبي منذ أربع سنوات، فتحدثت عن فئة المسعفات النساء وعن النفس الشبابي الذي تتسم به هذه الفئة التي استحدثتها المؤسسة من أجل خدمة مختلف شرائح المجتمع، مشيرة إلى تمتع كل هذه الكوادر الفتية بكفاءة عالية أهلتها لمتطلبات العمل الميداني وتحدياته، مضيفة أن «مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف دؤوبة في تأطير مختلف كوادرها وتفعيل تجاربها من أجل الاستجابة لمقتضيات المهنة وتحدياتها، إذ تحرص المؤسسة على استقطاب الخبرات المحلية والأجنبية وتنظيم الدورات التدريبية الدورية التي ينخرط فيها هيكل المسعفات لتطوير معارفهن وتزويدهن بمختلف آليات العمل الميداني ومستجدات طب الطوارئ».

وتعترف (سارة) بأنها اقتدت بتجربة أم الإسعاف (ماما جميلة) التي أسهمت بفضل إخلاصها وحبها للعطاء في تقديم صورة المرأة الإماراتية المسعفة التي تجاوزت الخوف وتحدت الضوابط الاجتماعية لثبت نفسها وتسهم في العطاء.

حفاظاً على الخصوصية

عائشة البلوشي، مسعفة شابة احتفلت بسنتها الرابعة في «إسعاف دبي»، تحدثت عن استقطاب المؤسسة للكوادر النسائية التي تحيلها إلى أسباب اجتماعية مرتبطة بمتطلبات المجتمع الإماراتي المحافظ الذي ينتبه إلى خصوصية المرأة ويراعي التقاليد والعادات ويحافظ عليها، إذ تقول في هذا الصدد: «من خلال تجربتنا لمسنا حرص الكثير من المتصلين على أن تكون المسعفة امرأة في العديد من حالات الطوارئ، مثل بعض الحوادث المرورية أو حالات الولادة التي يطلب فيها الزوج أو الأب إرسال طاقم نسائي لنقل الحالة، حيث تتكفل المسعفة آنذاك بإعلام الفريق المرافق والتحول إلى مكان الطوارئ».

الكادر الوطني

تحدث الدكتور عمر السقاف مدير إدارة الشؤون الطبية والفنية في مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف والمدير السابق لإدارة التدريب والتعليم المستمر فيها، عن التطور الذي شهدته هذه المؤسسة النموذجية بعد خمس سنوات من إطلاقها، وذلك من ناحية الاهتمام بالكوادر الوطنية، خصوصاً الكادر الوطني النسائي الذي يشغل نحو 90% من الإداريين العاملين بالمؤسسة، إلى جانب أكثر من 160 إماراتية من أصل 900 مسعف. وأضاف: «نفخر بوجود المرأة في خدمة الاسعاف بشكل ينسجم مع متطلبات المجتمع الإماراتي وتقاليده، إضافة إلى قدرتها على التعامل مع الجنسين وارتياح الجميع في التعامل معها، خصوصاً فئة المسنين والنساء والأطفال، لأنها الوالدة والحاضنة التي تتمتع بطاقة احتمال وصبر كبيرة وبابتسامة تكسر الحواجز وتخفف الآلام».

وحول نجاح هذه التجربة النسائية الرائدة التي استحدثتها المؤسسة أفادنا السقاف بأن «إسعاف دبي» تسجل زيادة ملاحظة في الإقبال على خدماتها التي تنامت ثقة الجمهور بها مقارنة بالعام الماضي، إذ تحدث الدكتور عمر السقاف عن استجابة المؤسسة لـ145532 حالة عام 2014، مقارنة بالعام الماضي، أي بزيادة تعادل 16% مقارنة بالعام الماضي، كما تم معالجة 24845 حالة هذا العام، وتسجيل زيادة نسبتها 7% مقارنة بعام 2013.

998

12 ساعة من الدوام وفرق إسعاف منتشرة عبر 75 محطة على امتداد دبي بين منطقتي ديرة وبر دبي، جندت للتأهب للعمليات الطارئة وجهزت بمجموعة تزيد على 204 سيارات إسعاف متخصصة في مختلف الحالات، خصص جزء منها للأمومة والطفولة، ومركبات خاصة بالطوارئ والعناية المركزة، وسيارات إسعاف متخصصة في نقل المعاقين وأصحاب الأوزان الثقيلة، كحزمة من خدمات الرعاية الطبية والإمكانات والخبرات التي جعلت مؤسسة دبي لخدمات الإسعاف قريبة من الناس واحتياجاتهم، وأهلتها لتحقيق رقم قياسي جديد في نجاعة خدماتها وسرعة الوصول إلى الحالات في زمن قياسي لا يتجاوز أربع دقائق، في الوقت الذي يصل فيه معدل سرعة وصول مركبات الإسعاف في العالم إلى ثماني دقائق، ليصبح بذلك الرقم الموحد 998 رقماً مرادفاً للأمل والحياة.

الأكثر مشاركة