أصدرت الألبوم الأخير بدعم «أبوظبي للثقافة والفــنون»

مكادي نحـاس: الفن يعاني أزمة كلمة ولحن

مكادي رأت أن السنوات الخمس الأخيرة لم تشهد أي أغنية مميزة. تصوير: أشوك فيرما

اعتبرت الفنانة الأردنية مكادي نحاس أن العالم العربي اليوم يمر في نفق مظلم، وأن المرحلة الآتية ستقودنا الى مأزق بسبب الأزمات التي يعانيها الجيل الناشئ، ورأت أن الوضع الراهن أثر سلباً في الفن، وسيؤثر أكثر خلال السنوات المقبلة «ففي السنوات الخمس الأخيرة لم نشهد أي أغنية جيدة ومميزة» حسب نحاس. التي أشارت أيضاً إلى وجود مشكلة حقيقية في الكلمة والتلحين في العصر الراهن، وهما السببان الرئيسان وراء قلة ظهورها، فهي تتأنى كثيراً قبل اختيار اغنياتها.

مبادرات إنسانية

حلت الفنانة الأردنية مكادي نحاس ضيفة في مبادرة «فنانون من أجل سورية» التي تسخر الفن لخدمة اللاجئين السوريين، ورأت أن «دعم المبادرات الإنسانية من المهمات الأساسية للفنان، وفي كل مكان حين أقوم بأي فعالية، أشعر أنه موضوع مهم إنسانياً، وأي شيء أقدمه يكون من خلال إعلان تضامني». ورأت انه لا يجب أن ينسلخ الفنان عن القضايا التي يعيشها، فهو يجب أن يحمل رأياً، وأن يساند القضايا الكبيرة كالعدالة ومناهضة العنف والظلم والحروب، على ألا يغني الفنان في مهرجان يتبع لجهة معينة وتيار وتوجه سياسي معين كيلا يحسب على جهة».

يذكر أن مبادرة «فنانون من أجل سورية» تنطوي على مزاد فني لعدد من اللوحات لفنانين معروفين ويرصد ريعه لمصلحة أطفال سورية.


بيروت والذاكرة

عادت مكادي نحاس في الحوار الى البداية التي كانت اعلامياً من بيروت، وقالت «الانطلاقة الاعلامية كانت من بيروت من خلال برنامج (خليك بالبيت) مع الإعلامي زاهي وهبي، الذي شكل لي مرحلة نقلتني من مكان الى مكان آخر». وعبرت عن حبها لبيروت، بعبارة كيف أشفى من حب بيروت، معتبرة أن لهذه المدينة طعماً آخر في الثقافة والفن، فهي مدينة متعددة الاحتمالات في الثقافة والفن والأدب والحياة الاجتماعية، وهي المدينة الوحيدة في العالم العربي التي فيها مساحة معقولة من الحرية.


سيرة فنية

مكادي نحاس فنانة أردنية مولودة عام 1977، وتغني التراث العربي والأردني بشكل عصري، وشكلت تجربتها حالة نوعية خاصة من خلال ما قدمته من أعمال كلاسيكية وتراثية. تأثرت بالمدرسة الرحبانية وبغناء فيروز، ودرست الموسيقى في المعهد العالي للموسيقى في بيروت، وعملت في المسرح ببيروت مع مريم دكروب ووليد فخرالدين. وأصدرت أول عمل لها لأغنيات تراثية عراقية، بعدها أصدرت «خلخال»، ثم «جوا الأحلام» للأطفال. وشاركت في مهرجانات موسيقية ومنها جرش ومهرجان الأردن وحفلات في لبنان ومصر والإمارات.


زياد الرحباني

أشاد زياد الرحباني بصوت مكادي نحاس، منذ التقاها ببيروت. وعن لقائها به قالت مكادي «التقيت زياد أثناء إقامتي ودراستي ببيروت، بترتيب من ملحن صديق، أحب أن يعرض العمل الذي كنا نعمل عليه على زياد، وقد أعجب بصوتي، وقال إنه يشبه صوت السيدة فيروز وأن تأثري بها واضح. وحدث أن التقيته في أكثر من فعالية، ولكن لم يحدث أن عملنا معاً ولا أعرف السبب، ربما لأني لم أسع للموضوع بشكل مباشر، وربما لأنه يرتبط بالمزاج، فزياد ينتقي الأشخاص الذين يعمل معهم، وبالنسبة لي هو عملاق في الفن».


«جود»

رزقت نحاس أخيراً بمولود، واعتبرت أن طفلها جود، يزيدها حماسة كي تترك ارثاً له، فما هو موجود اليوم لا تقبله، ولا توافق على أن يكون الثقافة الخاصة بابنها. وتابعت «سأعلم ابني الموسيقى، وأتمنى أن يصل إلى مكان يستطيع أن يعرف ماذا يريد من هذا الخط، ولكن أتمنى ألا يعمل في الفن، علماً أنه بالطبع سيتأثر بالجو الفني».

نحاس التي تحدثت في بداية الحوار عن ألبومها الأخير الذي حمل عنوان «نور»، قالت لـ«الإمارات اليوم»: «أصدرت الألبوم الأخير بدعم من مؤسسة أبوظبي للثقافة والفنون، وكان من انتاج شركة (مقام)، وشمل أغنيات من ألحاني وتأليفي، كما تعاونت مع الموسيقي اللبناني مايك ماسي، وتعاملت مع الشاعر هاني نديم وعدنان العودة، وكذلك اشتمل على قصائد للشاعر الراحل محمود درويش وأطلق في مصر والأردن وبيروت، وأتمنى أن أطلقه في الإمارات». وحول قلة إنتاجها وطول الفترة بين العمل والآخر، قالت «لا شك في أن هناك أزمة كلمة وأزمة لحن في العالم العربي، ولهذا أتروى كثيراً في اختيار أغنياتي، لأن مزاجي بالكلمة مختلف عن السائد، ويجب أن تمسني الكلمة، فليس هدفي تقديم أغنيات خفيفة، بل هدفي أن يعيش عملي لوقت طويل، فالأغنية الصحيحة الاختيار تعيش بذاكرة الناس». وأردفت «لابد أن يمسني الكلام في مكان ما، وألا يكون الكلام سطحياً، بل عميقاً ويتحدث عن الناس ومجتمعنا وحياتنا». كما اعتبرت ان تجربة الفنان المستقل صعبة، فرصيده هو العمل على نفسه وعلى ما يقرأ ويسمع ورأت أنه «من المهم أن يكتب الفنان لنفسه لأنه أكثر من يدرك ما يشعر به وما يريد أن يقول من خلال الفن».

ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي، شكلت منصة للفنانين يتواصلون فيها مع الشعراء الجدد والشباب، وحولها قالت نحاس «ان (فيس بوك) مثلاً وسيلة تواصل تقرب الناس، ويتعرف الفنان من خلالها إلى كتّاب وفنانين، كما ان الناس تتعرف الى الفن الذي نقدمه، فالإنترنت بوابة عظيمة ان تمكن المرء من استخدامها بشكل جيد وعرف كيف يروج لنفسه من خلالها، فهي تفتح الأفق للمهرجانات والمشاركات في احتفالات عدة».

أما البرامج الجديدة والكثيرة على الشاشات العربية، فاعتبرتها نحاس تجارية بالدرجة الأولى، وإنها تأتي لتزيد شهرة الفنان الموجود في لجنة التحكيم وزيادة رصيده بالبنك، فبعضهم لا يختار الأفضل، كما ان تعليقات البعض في لجان التحكيم لا علاقة لها بالموسيقى والغناء، موضحة «انتظر أحياناً أن استمع الى تعليق موسيقي وأكاديمي حول أسلوب غناء المتسابق، وليس تعليقاً حول شكله وكيف بدا على المسرح، الا أن هذا لم يحدث، فهناك تسخيف وتهميش للمواهب الحقيقية». وتابعت «المضحك في ان البعض يعتبر رأيي هذا بسبب عدم وجودي في أي لجنة، ولكني عن هذا أقول، ليس دوري الحديث عن الشكل والاطلالة، وإن وجدت في احد البرامج سأكون قاسية جداً». واعتبرت ان ما ينتج اليوم في الفن هو الكثير من الفقاعات التي لن تعيش لوقت طويل، مؤكدة أن الجيل الجديد لن ينتج ما أنتج في السابق.

وتساءلت الفنانة الأردنية «كيف يمكن أن نطالب بجودة في الفن، وفي الوقت نفسه نشهد في عالمنا كل ما يؤثر سلباً، فهناك القتل والتهجير وتقطيع الأطفال، وكل ما يحدث مؤلم وقبيح، ولا يمكن ان نستوعب ماذا يحدث في العراق وسورية، وفلسطين وهي القضية الأولى مازالت محتلة، ورأت ان الوضع الراهن في العالم العربي، عبارة عن نفق مظلم، أثر كثيراً في الفن، ومازال يؤثر فيه، فكل ما ينتج اليوم في العالم العربي ليس مهماً». أما الفرق الفنية الجديدة التي ظهرت بفعل الثورات، فهي حركات اعتبرت نحاس أنها كانت موجودة من قبل، ولكنها لم تكن ظاهرة، فأميمة الخليل وخالد الهبر، وغادة شبير ولينا شاماميان، وغيرهم لطالما عملوا في مكان مختلف وبعيد عن السائد، ولكن اليوم نسلط الضوء على التجارب الشبيهة كونها تمس القضية وما يحدث في المنطقة بشكل مباشر. ورأت أن عكس ما يحدث في الشارع، كالفرق المصرية، ومنها «وسط البلد»، و«كايرو كي»، هو تجسيد لدور الفنان الحقيقي الذي يجب ألا ينفصل عن المجتمع. ولفتت الى أن ما بعد هذه المرحلة سيقع الجيل في مشكلات جديدة، اذ انه بعد النفق المظلم، سيكون هناك مأزق حقيقي، فالبلدان العربية تحمل حضارة من آلاف السنوات، وإن تدمير آثارها وتهجير أطفالها، يجعلنا أمام جيل كامل جاهل ومستسلم، لا يملك أي وجه من وجوه المقاومة، كما أنه يحمل الاستعداد لأخذ كل ما يقدم إليه، لأنه يريد أن يعيش، وهذا أسوأ ما في الأمر لأنه يقضي على مجتمعاتنا.

تويتر