العلاج الجيني للسرطان.. نجاحات وإخفاقات
تمر الرؤية الطبية للسرطان بمرحلة انتقالية مع تركيز الأطباء على علاج الجينات المعيبة التي تسببت في المرض لا علاج العضو الذي أمسك المرض القاتل بتلابيبه. ويأمل خبراء علم الأورام بأن يمكنهم فهم الأساس الجيني للسرطان، لا التركيز على العضو الذي نشأ فيه المرض، سواء كان الثدي أو الكلى، من توفير علاجات أفضل وأكثر فاعلية تناسب ظروف كل حالة. لكن خبراء بارزين في المرض يقولون إن الأطباء في اختبارهم لهذه النظرية عن كثب يواجهون نجاحات في أحيان وإخفاقات في أخرى؛ ما يشير إلى أن التوصل إلى العلاج الأمثل للسرطان قد يكون معقداً أكثر مما أمل البعض.
تجارب قالت المديرة الطبية لأدوية السرطان لدى شركة آنثيم للتأمين الصحي، جنيفر مالين: «انهم يجربون. ومن قال إن هذه العلاجات ليس لها آثار جانبية؟ لها آثار جانبية». وستخضع المسألة لدراسة موسعة خلال تجربة اكلينيكية كبيرة للسرطان تحت إشراف المعهد الوطني للسرطان. والقصد هو اختيار العلاج المناسب للخلل الجيني وراء إصابة شخص ما بالسرطان من بين واحد أو أكثر من العلاجات التجريبية التي تمت الموافقة عليها لاستهداف هذا الجين. ويقول فوجلستاين إن الأمر يتطلب تجارب اكلينيكية واسعة لإثبات النظرية الافتراضية التي تقول إن اختيار علاج المريض استناداً إلى ما يحدث من تحور جيني في الورم الذي أصابه ينجح. ويضيف «مثل كل شيء.. الشيطان يكمن في التفاصيل». |
ويقول كبير خبراء علم الأورام في الإدارة الأميركية للأغذية والأدوية، الدكتور ريتشارد بازدور، إنه حتى وقتنا هذا لا يوجد فهم كامل للتحور الجيني الذي يؤدي إلى نمو السرطان. وأضاف في مقابلة خلال اجتماع للجمعية الأميركية لطب الورم الاكلينيكي في شيكاغو: «ما يريده الناس والواقع العلمي شيئان مختلفان تماماً».
ويقول إنه في الوقت الراهن هناك «فقط حفنة من العلاجات» تستهدف جينات بعينها مسببة للسرطان. وبدأ بعض أطباء الأورام يستخدمون هذه العقاقير لعلاج السرطان لدى أناس لديهم تحورات جينية مشابهة، رغم أن هذه العقاقير لم تحصل على موافقة الجهات المعنية لعلاج هذا النوع من السرطان الذي يعانيه المريض.
وحين يفلح العقار تكون النتائج مذهلة. وكأن السرطان قد تبخر والتقدم الذي أحرز في فرص البقاء على قيد الحياة يحسب بالشهور والسنوات لا بالأسابيع. وهذا التحول دفع عدداً كبيراً من الأطباء في التساؤل عما إذا كان الأسلوب المتبع في الموافقة على العقاقير استناداً إلى نوع الورم الذي تستهدفه بحاجة إلى تغيير. لكن في المقابل حدثت إحباطات؛ فالأدوية التي تنتجها شركتا روش وغلاكسو سميثكلاين التي تستهدف أوراماً تشهد تحورات تعرف باسم (براف) يمكن ان يكون لها تأثير فعال وإن كان غير دائم في علاج سرطان الجلد أو الورم. لكن هذه الأدوية لم تفلح مع مرضى سرطان القولون الذي وراءه للتحور نفسه (براف) وفقاً لدراسة نشرت عام 2012 وبدأت تبث الشك بين الخبراء.
وتقول الدكتورة باربرا كونلي من المعهد الوطني للسرطان، إن «الإغراء في الممارسة هو أن تجد التسلسل الجيني للورم، وإذا ظهر شيء له دواء حاصل على الموافقة يقبل طبيبك على تجربته بغض النظر عن نوع الورم، لكن الأمر قد لا يكون بهذه البساطة».
وطبقاً لبيانات جديدة قدمت في الجمعية الأميركية لطب الورم الاكلينيكي اتضح أن سرطان القولون الذي به تحور (براف) وراءه تحور آخر اسمه (إجفر). وفي مثل هذه الأورام قد يضطر الطبيب إلى استخدام تركيبة بها عناصر عدة حتى تضرب الهدفين معاً.
ويقول خبير الجينات السرطانية بجامعة جون هوبكينز في بالتيمور، الدكتور بيرت فوجلستاين، لا توجد أدلة كافية على أن اختيار الدواء وفقاً للتحور الجيني لدى المريض يحسن من الرعاية التي يلقاها. ويضيف «هذا بالقطع افتراض لم يتم إثباته بعد ويجب أن نختبره».
ويقول خبراء الأورام الذين أجرت معهم «رويترز» حوارات إن رسم خريطة للتحور الجيني للأورام أصبح عملية روتينية، خصوصاً مع مرضى المراحل المتقدمة الذين لم ينفع معهم الأسلوب التقليدي.
وتقول (فاونديشن مديسن) التي تجري هذه الاختبارات إن الإقبال زاد عليها بنسبة 67% في الربع الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويقدر كبير المسؤولين الطبيين في الجمعية الأميركية لطب الورم الاكلينيكي والأستاذ بجامعة شيكاغو، الدكتور ريتشارد شيلسكي، إنه في 70% من هذه الاختبارات يجد الأطباء تحوراً جينياً يمكن أن يختاروا له عقاراً ما. لكن شركات التأمين الصحي لا تبادر بتغطية علاج دون حصوله على موافقة الجهات المختصة لاستخدامه في هذه الحالة تحديداً، إلا إذا كانت هناك أدلة على نجاحه.