خالد الجلاف.. ذكريات معطرة بشقاوة الشباب

بين رمضان الماضي ورمضان الحاضر مجموعة من الذكريات التي قادت الخطاط الإماراتي، خالد الجلاف، إلى استرجاعها بالكثير من الضحك والفرح، لكونها تحمل شقاوة الشباب وشفافية الطفولة. يعيدنا الجلاف إلى رمضان الشتاء، حين بدأ بالصيام، ويروي لنا كيف تبدلت أجواء هذا الشهر، وكذلك النظرة إلى مفهوم الصيام وتعاطي الأهل معها بين الحاضر والماضي. يسترجع بعض الأحداث التي لا ينساها، لاسيما في الأيام الـ10 الأواخر التي يحرص على أن يمضيها في مكة، إذ بالنسبة إليه شهر رمضان هو شهر العبادة، فيبتعد حتى عن عالم الخط في هذا الشهر.

عمرة

تعد الأيام الـ10 الأخيرة من رمضان، التي يمضيها في مكة من التفاصيل المهمة التي لا ينساها في شهر رمضان، حيث تعد هذه الأيام من أجمل الأيام، لاسيما حين يمضي ليلة القدر هناك، فتكون الروحانية عالية، ويشعر المرء بأنه ارتفع إلى مكان آخر، وكأنه قريب جداً من الله، فالعلاقة تكون مباشرة، وهي من أجمل ذكريات وتفاصيل رمضان التي لا تنسى بالنسبة إليه.

حين بدأ خالد الجلاف الصيام، كان يحل رمضان المبارك في فصل الشتاء، وكان يقضي معظم وقته في المدرسة، وقال عن تلك المرحلة، إن «رمضان في وقتها كان سهلاً على من يبدأ الصيام، فالنهار ليس طويلاً، كما أن الجزء الأكبر منه نمضيه في المدرسة، وحين نعود إلى البيت ننام في فترة ما بعد الظهر، ولا نستيقظ إلا قبل موعد الإفطار بفترة وجيزة». وأضاف أن «الفترة التي بدأنا نصوم فيها لم تكن تحمل الوعي والحرص على التدريب على الصيام كما اليوم، فكان الأهل يتركوننا حتى يصبح الصوم واجباً علينا، وحينها نبدأ بالصيام». أما الأكلات التي كانت تحضر في رمضان، فهي الأكلات الإماراتية التراثية، ومنها الهريس والثريد، في حين يقدم على السحور السمك والأرز. ويقارن الجلاف بين موائد الأمس واليوم بالقول «اليوم الموائد تحمل الكثير من الأصناف، ومن مختلف البلدان، فباتت تشبه موائد الأعراس أكثر من كونها موائد رمضان، وهذه العادات الخاطئة تجعل الشهر يترسخ بأذهان الناس على أنه شهر الأكل والإسراف».

وتعد فترة ما بعد الإفطار الفترة الأجمل عند الجلاف، حيث كانوا يذهبون إلى الجامع حيث تقام موالد رمضان وتوزع الحلويات للأطفال، ويذهبون كي ينال كل منهم حصته منها، أما بعد أداء صلاة التراويح فينشغلون بالألعاب النارية، الى جانب اللعبة الشعبية (هوريد)، التي كانوا يلعبونها حتى الصباح في بعض الأحيان. هذه الذكريات التي تحمل الكثير من ملامح الطفولة ليست الوحيدة عند الجلاف، إذ يؤكد أن شهر رمضان ارتبط في الذاكرة بحرب أكتوبر، فحينها كان الناس يصومون ويدعون لانتصار العرب عند الإفطار.

أما في مرحلة الشباب، فارتبط رمضان بذكريات العمرة التي كانت لها حكايات خاصة مع الجلاف، حيث كانوا يستغلون الصيف والإجازة ليسافروا براً لأداء العمرة، وقضاء الأيام الـ10 الأواخر من رمضان في مكة. وقال عن إحدى الرحلات التي جمعته بالتشكيلي عبدالقادر الريس ومجموعة من الأصدقاء «قررنا السفر براً، وأمضينا 10 أيام هناك، حيث كان يُمنع علينا إدخال الطعام إلى الحرم، ويجب أن نأكل مما يتوافر، إلا أننا كنا نستخدم برادات حفظ المياه لإدخال الطعام دون أن يراها الأمن، فنضع داخلها الدجاج واللحم، وتكون مائدتنا المائدة الوحيدة العامرة بكل ما لذ وطاب، والجميع يتساءل عن كيفية إحضار الطعام».

ويرى الجلاف أن بساطة الحياة كانت في السابق، حيث كانت الموائد عامرة في كل البيوت من أكل الجيران، وليس من أكل البيت وحده، وهي واحدة من الذكريات التي لا تفارق أي إماراتي، فمشهد الصواني التي تتنقل بين المنازل، والذي اختفى اليوم، كان يميز هذا الشهر، كما أن الناس كانوا يجتمعون في الجامع أيضاً لتناول الإفطار، في حين أن الجامع اليوم لا يقصده للإفطار إلا الفقراء أو عابر السبيل. ونوه بأن التبدل في الحياة من البسيط إلى ما هي عليه اليوم أدى الى اندثار وتبدل العادات، فحتى الأطفال اليوم ليسوا بحاجة لكي يجتمعوا ليلعبوا، كما كنا في السابق نسعد بالألعاب الجماعية، إذ يمكن للطفل أن يلعب وحده على الـ«آيباد»، فهذه الأمور تعزز الانعزال عند الأطفال، مضيفاً أن وجود القنوات الكثيرة في المنزل باعد أيضاً بين الناس، فبدلاً من الحرص على الاجتماع في المساء، غالباً ما يرتبط الناس بمشاهدة المسلسلات التي تعرض خلال شهر رمضان.

ويتابع عن العادات التي تبدلت «كنا ننتظر المسحراتي كل يوم، وأذكر كيف كان الأطفال يتبعونه من منزل إلى آخر، ثم يعودون إلى بيوتهم لتناول السحور، علما بأنني لم أتبعه ولا مرة، لكني كنت أراقب المشهد بفرح عارم، بينما اليوم حلت الساعات والهواتف النقالة مكان طبول المسحراتي».

أما العبادة فهي الجزء الأهم بالنسبة للجلاف في هذا الشهر الفضيل، ففي الماضي كان يقصد المساجد التي كان فيها أئمة أصحاب أصوات مميزة، كي يستمع إلى الدعاء، الى جانب صلاة الليل التي كان يحرص على تأديتها بعد الساعة 11 ليلاً، كما أنه يمتنع عن الخط في هذا الشهر الفضيل، وعلى الرغم من الروحانية العالية التي تربط الخط بالشهر المبارك، لاسيما أن هذا الفن يعتمد على النصوص القرآنية بشكل كبير، إلا أنه يؤكد أنه يقرأ القرآن، ويختار النصوص من خلال فهمها بعمق خلال هذا الشهر، لكن التنفيذ يأخذ مجراه بعد نهاية الصيام.

الأكثر مشاركة