ظاعن جمعة: أستعين بالضحك في غياب حلــــــول أخرى

تضرب الانطلاقة الأولى للفنان ظاعن جمعة بجذورها في ماض غير قريب، قدم خلاله العشرات من الأعمال الفنية في المسرح والتلفزيون، حيث ينتمي إلى الرعيل الأول الذي أسهم في التأسيس لنهضة الدراما الإماراتية والخليجية من خلال جملة من الأعمال الفنية التي قدمها في المسرح والتلفزيون.

وظهرت البوادر الأولى لموهبة التمثيل لديه منذ سن التاسعة، حين كان يتنقل مع عمته بين منازل الجيران في منطقة «اللية» القريبة من منطقة الخان في الشارقة، ليشاركها تجربة الأدوار الكوميدية التي كانت تثير ضحك صديقاتها في الفريج، وأطرف قصص الرعب والخيال التي كانت تقصها على مسامع النساء والأطفال، الذين كانوا على الموعد كل مرة في بهو بعض المنازل، بعد صلاة المغرب، بحثاً عن الضحك والتشويق.

 

مسيرة حافلة

أسرار الشغف

في سياق حديثه عن الحاضر والماضي، كشف الفنان ضاعن جمعة لـ«الإمارات اليوم» عن سر شغفه بالتمثيل، وعن تبعات هذا الشغف، قائلاً بنبرة لا تخلو من الكوميديا التي يتقنها: «لم أستطع الاستغناء عن التمثيل في كل مراحل حياتي، فقد كرّست له معظم اهتمامي، وأعتبر نفسي محظوظاً برفيقة الدرب التي استطاعت أن تتفهم هذا الشغف وتتعامل معه بأريحية ساهمت في زيادة الثقة لديّ، خلافاً لبناتي اللاتي قابلن هذه المهنة في وقت ما ببعض التحفظ، ما جعلني أحياناً أسترق الوقت ليلاً لقراءة النص، وحفظ بعض الأدوار وتجسيدها خلسة، إلى حين المفاجأة الكبرى، حين يشاهدنني في بعض الإنتاجات الدرامية التي تعرضها بعض القنوات خلال شهر رمضان، وهذا ما زاد من قناعتهن بهذا الشغف الذي بات جزءاً من حياتي».

بين المسرح والتلفزيون

تحدث الفنان ضاعن جمعة عن أسباب انتقاله من المسرح إلى الدراما التلفزيونية، محيلاً دوافعه إلى أسباب مادية، وصفها بالواقعية، جعلته يفضّل أجور التلفزيون ومداخيله المرتفعة، مقارنة بمداخيل المسرح التي كانت قليلة، إضافة إلى القاعدة الجماهيرية الأكبر التي يتمتع بها التلفزيون، خلافاً للمسرح الذي ظل يكابد آنذاك في البحث عن المهتمين، لافتاً في السياق نفسه إلى الشهرة والنجومية التي حققتها له تجربة الدراما التلفزيونية، خصوصاً خلال فترة الثمانينات، ما جعل نجم الفنان مضيئاً في سماوات الدراما المحلية والخليجية.

امتهن جمعة لاحقاً التدريس، وسافر إلى الكويت، ومن ثم عاد للتدريس، ولم يستغن طوال هذه الفترة عن هذه الموهبة التي لازمته طوال فترات حياته، فلم يثنه الزواج ولا الارتباطات الاجتماعية عن العمل الجاد والاستمرارية في هذا العشق الذي كرس له جزءاً كبيراً من وقته واهتمامه، فكان عام 1971 أول تتويج لمسيرة الفنان الشاقة والطويلة، فقد شهد هذا العام الانطلاقة الفنية الحقيقية للفنان ظاعن جمعة، من خلال الأوبريت الغنائي «الغوص»، الذي قام الفنان بتأليفه، وأخرجه السيد بدران، وتم تقديمه في العيد الوطني الأول لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضمن العديد من اللوحات الغنائية، التي عكست واقع تلك المرحلة، إلى جانب لوحات تراثية متعددة، ومن ثم توالت الأعمال الإبداعية التي قدمها الفنان المخضرم في المسرح، مثل أوبريت «عرس راشد»، الذي قدمه في العيد الوطني الثالث لقيام الاتحاد على خشبة المسرح القومي في دبي، بحضور أصحاب السمو حكام الإمارات العربية المتحدة، يتقدمهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، ومسرحية «البترول» مع مجموعة من أبرز نجوم المسرح والدراما الإماراتية، أمثال جابر نغموش، وسلطان الشاعر، وعبدالرحمن دحلوق، وعايدة ومنى حمزة وموزة المزروعي، لتتوالى الأعمال المسرحية الناجحة، التي قدمها على خشبة المسرح القومي في دبي في فترة الثمانينات، مثل مسرحية «طبيب رغم أنفه»، و«توبة هالمرة»، و«سر الكنز»، ومسرحية «شريكة العجائب»، إلى جانب عشرات الأعمال الدرامية التي تعتبر اليوم كنزاً فنياً يؤرخ لنجاحات تلك المرحلة، وللنجوم الذي صنعوا مسيرة الدراما الإماراتية والخليجية والعربية، إذ لايزال الجمهور يتذكر مسلسل الأطفال «عرفان»، الذي قدمه في عام 1982، ومسلسل «المرايا» الذي قدمه مع مجموعة من النجوم العرب، ومسلسل «أصابع الزمن»، ومسلسل «الفريج»، و«من المسؤول»، و«البيوت أسرار»، فيما غاب عن الساحة الفنية سنوات عديدة حتى عام 2009، حيث أطل في مسلسل «الجيران»، كما شارك في مسلسل «الغني والبخيل»، ليتابعه الجمهور أخيراً في دور النوخذة في المسلسل الكوميدي التراثي «زمن الطيبين» والذي يعرض حالياً على شاشة قناة سما دبي.

 

شهادات تقدير

حفلت مسيرة ظاعن جمعة بالكثير من التكريم وشهادات التقدير التي نالها طوال مشواره الفني، كشهادة التقدير التي نالها في عام 1982 من وزراء الإعلام والثقافة في الإمارات، وشهادة تقدير من الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، تقديراً لجهوده في المسابقة المسرحية الثانية التي اقيمت في عام 1987، وجائزة جمعية المسرحيين الإماراتيين بمناسبة مرور 10 أعوام على تأسيسها، حيث نال شهادة تقدير في عام 1994، وكان يشغل حينها منصب رئيس الجمعية.

كما نال جائزة الشيخ خليفة للمعلم في عام 1997، ودرع تكريم وجائزة تقديرية من مهرجان المسرحي السابع للفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي أقيم في العاصمة القطرية الدوحة، كما تم تكريمه في عام 2007 من قبل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وغيرها الكثير.

 

عبق الماضي

بالكثير من الحنين إلى الماضي البعيد والسعادة يتحدث الفنان جمعة عن ذكريات الفن والصداقة والفرح، الذي اتسمت به تجارب البدايات، وعن مشقة الطريق التي صاحبت التجارب الأولى، قائلاً: «رغم قلة الإمكانات وضيق المساحات الإبداعية التي يطرحها المشهد الثقافي آنذاك، فقد جمعتني التجربة بزملاء كفاح، تسلحوا بإصرار غريب على النجاح، وقدرة هائلة على تخطي الصعاب، حتى البسيطة منها، وأتذكر أننا كنا نستعمل سياراتنا الشخصية لحمل المعدات والديكورات عند الحاجة، ونقتني ما ينقص منها من أموالنا الخاصة، لأننا محتاجون آنذاك للظهور ولإثبات وجودنا على الساحة، والحمد لله تكللت جهودنا بالنجاح والتأسيس لحركة ثقافية ومسرحية أثبتت وجودها لاحقاً».

 

أحزان عابرة

من جهة أخرى، كشف الفنان عن جانب الكوميديا الذي ظل يسكنه منذ الطفولة، وجعله يستعين به على مصاعب الطريق، قائلًا: «رغم شخصيتي الهادئة، فإنني شخص يحب المشاكسات، ويميل إلى الضحك والكوميديا، وأتمتع بخفة دم تجعل الكثيرين حولي يتمتعون برفقتي، حتى في أجواء العمل وضغط الواجبات»، وعن الأحزان التي تحول طقس السعادة، يضيف: «أستعين بالضحك في غياب حلول أخرى تجعلني أهرب من الحاضر الذي تغلب عليه يومياً مشاهد العنف والحرب والموت المجاني، وألجأ إلى النكات مع الاصدقاء والأقارب، وهذا ما يجعلني أنسى وأتقدم خطوة جديدة نحو الأفضل».

 

فلسفة الفرح

لا جدال في قدرة الفنان ظاعن جمعة على التجدد في كل مرة يتذكر فيها أن الحياة استحقاق، وأن الحلم صناعة، فرغم 66 عاماً يظل قلبه مليئاً بطاقة إيجابية، وبحب كبير للحياة، حيث يقول عنه مبتسماً: «أحب ممارسة هواياتيـ والاعتناء بشباب قلبي الذي لا يتعدى 25 سنة من الفرح الدائم، الذي تمكنت من الحفاظ عليه بفضل حبي الكبير للتجربة، واستحداث الجديد، ورفقة الأصدقاء، والتمتع باللحظات الجميلة، كما علمتني التجارب والفشل وحتى النجاحات التي حققتها أن الحياة استحقاق، فأدركت قيمتها، وحاولت استغلالها لتحقيق أحلامي وتطوير نفسي في مختلف المجالات، وأشعر بالحزن اليوم عند رؤية بعض التجارب الشبابية التي «تعدم حياتها» في مسارات تخلو من متعة الإبداع وفلسفة الفرح، وهذا ما أراه يؤثر سلبياً في حياتهم ومزاجهم ونفسياتهم، رغم توافر الإمكانات وسهولة الحياة».

الأكثر مشاركة