برنامج تلفزيوني يحارب «داعش» بالسخرية
رغم التهديدات بالقتل، يحارب برنامج تلفزيوني كوميدي عراقي تنظيم «داعش» الإرهابي بالضحك، ويواجه الخوف، الذي يعد أبرز أسلحة التنظيم الإرهابي، بالسخرية.
يصل رجلان بشعر ولحيتين مستعارتين إلى حانة، فيطلب الأول غامزاً مبتسماً ماء «حلالاً»، والثاني عصيراً «حلالاً»، ويطلب الرجلان الحساب، فيكون الرد أن ما شرباه «على حساب زعيم التنظيم بمناسبة مرور عام على احتلال الموصل».
هو مشهد تمثيلي من آخر حلقة من برنامج تلفزيوني هزلي جريء يحمل اسم «البشير شو» يبث من عمّان، ويخرج عن تقاليد سائدة في البرامج التلفزيونية العراقية، ويستهزئ بالتنظيم.
ونجح البرنامج في استقطاب أكثر من 18 مليون مشاهد، إثر الأزمة الأمنية والسياسية التي تعصف بالعراق منذ سيطرة «داعش» في يونيو الماضي على مساحات من شمال وغرب هذا البلد.
ويقول مقدم البرنامج أحمد البشير (30 عاماً): «نحاول بكل بساطة أن نجعل العراقيين يضحكون ويبتسمون ويعيشون حياتهم اليومية بشكل عادي، وأن ينسوا همومهم وأحزانهم والمصائب الكبيرة التي حلت بهم».
وأضاف البشير الذي ساعده شكله القريب من الممثل الكوميدي البريطاني، روان اتكينسون، الشهير بشخصية «مستر بين»، أن «العراقيين ملوا الطريقة الكلاسيكية في عرض الأخبار، ونحن نعرض عليهم الأخبار بطريقتنا الخاصة فنضحكهم».
وتابع أن البرنامج «يهاجم ويسخر من كل ما هو سلبي في بلدنا» من المسؤولين والسياسيين السيئين ومن الفاسدين والطائفيين والمتطرفين والجماعات المسلحة. ويقول البشير «نحن نقاتل (داعش) بالكوميديا الساخرة، مثلما يقاتل الجيش الإرهابيين بالسلاح، فعناصر التنظيم أناس عاديون يمكننا أن نسخر منهم ونهزمهم».
وفي أحد المشاهد، يقوم أحد الممثلين الملتحين بسرد النكات، فيما يقف آخر حاملاً بندقية كلاشينكوف، بحيث يقوم بإطلاق النار على كل من لا يضحك على تلك النكات. ويسأل الممثل الذي يقدم النكات «هل تعرفون اسم أول شخص فجّر نفسه وارتقى إلى الجنة؟»، وعندما لم يجب أحد، قال لهم إن اسمه هو «بوووف» (كصوت انفجار).
وعندما ضحك أحد الحاضرين، قال له حامل البندقية «هذا السؤال كان اختباراً لكم، هل موت أحد إخوتكم أمر مضحك؟»، قبل أن يطلق عليه النار فيقتله.
وبسبب برنامجه وسخريته اللاذعة، تلقى البشير تهديدات عديدة بالقتل، يؤكد أن «معظمها جاء من التنظيم وموالين للميليشيات، تهديدات بالقتل وتحذيرات من العودة إلى العراق».
وفي العراق، يواجه الصحافيون تهديدات متعددة، وقد تعرض العديد منهم للقتل أو الإصابة أو الخطف على أيدي الميليشيات المسلحة و«داعش» الإرهابي.
ويصنف العراق في المرتبة 158 من أصل 180 دولة، في مؤشر حرية الصحافة الذي تعده المنظمة الدولية.
والبشير نفسه الذي عمل مراسلاً صحافياً لقنوات فضائية عراقية عدة بعد عام 2003، نجا عام 2011 من تفجير انتحاري حين كان يغطي مهرجاناً شعرياً في مدينة الرمادي. وقد أدى التفجير إلى مقتل سبعة من زملائه، ما حدا به إلى ترك العراق والسفر إلى الأردن، حيث استقر.
وتبدو مسألة النقد اللاذع والسخرية معتادة في الغرب، حيث تتعدد البرامج الهزلية، من «دايلي شو» مع جون ستيورت في الولايات المتحدة، إلى «لو بوتي جورنال» في فرنسا، لكنها بعيدة عن المحطات الفضائية العراقية التي تعرض العديد من برامج السياسة دون أي طابع فكاهي، خوفاً من المساءلة والملاحقات القانونية أو الانتقام.
وعند بدء كل حلقة، يحرص القائمون على البرنامج على وضع عبارة أن «هذا برنامج كوميدي ساخر يعمل وفق المادة (38) من الدستور العراقي»، التي «تكفل بموجبها الدولة حرية التعبير عن الرأي». ويسخر البرنامج في الحلقة الأخيرة المتوافرة على «يوتيوب»، ومدتها نحو 45 دقيقة، من تصريحات متضاربة لمسؤولين عراقيين حول تاريخ تحرير مدينة الموصل التي يسيطر عليها «داعش» الإرهابي منذ الصيف الماضي.
فيظهر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وهو يقول إن «خطة استعادة الموصل بدأت قبل ثلاثة أشهر»، فيما يؤكد نائب الرئيس العراقي، إياد علاوي، في تصريح آخر مناقض «لا أعلم متى تبدأ معركة الموصل».
وقال البشير الذي يساعده فريق مكون من 24 شخصاً، منهم 11 شخصاً يتابعون معظم القنوات العراقية «نحن مختلفون في النقد بالمقارنة مع بقية القنوات العراقية الـ90». ويضيف أن «الضحك أفضل طريقة لتوحيد شعوب العالم، لأن ما يجعلنا إنسانيين هي هذه الابتسامة».