صوت حاضر مازال يؤنس غربة أجيال

محمود درويش.. ببهاء كامل في ذكرى الرحيل السابعة

ببهاء كامل، وأبجدية كأنها له وحده، وظل عالٍ، وصوت عفيّ.. يحضر محمود درويش دوماً وكأنه قصيدة ملحمية «لا تنتهي»، حتى بعد أن حلت ذكرى الرحيل السابعة أمس.

التاسع من سبتمبر عام 2008.. تاريخ قاس بالنسبة لكثيرين من محبي صاحب «الجدارية»، وإبداع كـ«أحد عشر كوكباً»، يهب الضوء والأمل لخيام في الشتات.. تاريخ ملتبس لأن صوت محمود درويش مازال يؤنس غربة أجيال ترى شاعرها الأثير لم يكبر، أما الغياب فمفردة شبه غائبة عن قاموس هؤلاء.

مر شعر ابن قرية «البروة» بفلسطين عام 1941، بمحطات عدة، حتى اعتلى عرشاً لم يزل قائماً، في وجدان الملايين من عشاق الكلمة المغايرة، التي شكلها درويش على هواه، ونسج منها قصائد، تمتزج في فضاءاتها العاطفية والوطنية والإنسانية، وكأنها مكتوبة بحروف سحرية، تمجّد الحبيبة والشهداء وشجر الزيتون وزهر اللوز، وتعري كل غاصب محتل في هذه الأرض، وليس في وطن سيبقى اسمه فلسطين.

ربما يرى نقاد على صلة أكبر ببواطن الشكل والمضمون، أن درويش «سجّل أنا عربي» غيره في «أحن إلى خبز أمي» وسواه في «لماذا تركت الحصان وحيداً»، لكن درويش لدى غيرهم - وهم الأكثرية - واحد: عفوي وعاطفي وناضج وكلاسيكي وحداثي وفلسطيني وعربي وإنساني.. هو هو على امتداد المسيرة التي طالت، ومازالت أصداؤها تتردد، رغم صمت ما حل بها في التاسع من أغسطس قبل سبعة أعوام.

«ظاهرة متفردة».. كان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، إذ لم يتكئ على حزن الوطن وحده كي يشيّد منزلته، ولم يتلبس دور الثوري الذي يصطنع دور بطولة زائف، كسباً لشعبية، إذ كانت تترقب إطلالاته جماهير غفيرة على امتداد الوطن العربي، جماهير أعطت ظهرها للشعر ومنابره، إلا حين يكون عليها أسماء معدودة، وفي المقدمة منهم كان الراحل محمود درويش، ليسمعوا منه «فكر بغيرك» أو سواها:

وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ

لا تَنْسَ قوتَ الحمام

وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ

لا تنس مَنْ يطلبون السلام

وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء، فكِّر بغيركَ

مَنْ يرضَعُون الغمامٍ

وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ

لا تنس شعب الخيامْ

وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ

ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام

وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات، فكِّر بغيركَ

مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام

وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك

قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام..

تويتر