«سفينة الصحراء» رفيق الإنسان منذ فجر التاريخ
تحتل الجمال أو الإبل مكانة مميزة في تاريخ وتراث العرب، وهي مكانة تعود إلى آلاف السنين، حيث اعتبر الجمل رفيق البدوي في حياته وحله وترحاله، لما حباه به الله من قدرة على الحياة في الصحراء، والتكيف مع طبيعتها القاسية، بما فيها من الحر الشديد وندرة المياه والشمس المحرقة، حتى عرف في التاريخ باسم «سفينة الصحراء»، إضافة إلى قدرته على الحياة في المناطق الجبلية حيث الطقس البارد.
وتعود علاقة الجمل بالإنسان إلى ما يقرب من 1800 سنة، فهو من أقدم الحيوانات التي استأنسها الإنسان، واستطاع أن يسخره لخدمته في حمل الأثقال ونقلها من مكان إلى مكان، وكوسيلة مواصلات، فالجمل يستطيع أن يحمل من 250 إلى 300 كيلوغرام، وأن ينهض من مكانه وهو يحمل هذه الحمولة.
التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات. واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.
لمشاهدة صور تاريخية، يرجى الضغط على هذا الرابط. أرقام وأحداث 14 كيلومتراً يمكن للجمل أن يواصل السير بسرعة تصل إلى 16 كيلومتراً في الساعة بصفة مستمرة لمدة 18 ساعة في كل مرة. 40 مليون سنة نشأة فصيلة الجمال، إذ كانت في أميركا الشمالية. 4 الألوان الأصيلة للإبل أربعة هي: الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، ويتفرّع منها الكثير. 180 لتراً من الماء يشربها الجمل عند شعوره بالعطش. |
أيضا حباه الله بخاصية فريدة لا تتوافر لدى غيره من الحيوانات، وهي مقدرته على تحمُّل العطش، وبينما يفسر البعض هذه الخاصية بأن الجمل من الحيوانات التي تختزن الطعام الذي تأكله، وتعود لاجتراره عندما تشعر بالجوع، ومضغه مرة أخرى، وهو ما يفسر قدرته على تحمل الجوع والعطش أيضاً. في المقابل، ينكر البعض هذه النظرية، مرجعاً سر قدرة الجمل على تحمل العطش إلى أنه لا يعرق، وبالتالي لا يفرز الكثير من الماء، وفقاً لهذه النظرية، لأن درجة حرارة جسمه تراوح بين 41 و46 درجة، بينما درجة حرارة جسم الإنسان تبلغ 37 درجة، وحتى يعرق الجسم يحتاج إلى جو درجة حرارته تزيد على هذه الدرجة، وبالتالي يحتاج الجمل إلى درجات حرارة عالية حتى يعرق. نظرية أخرى في هذا الشأن، نشرتها مجلة العربي، يرى أصحابها أن الجمل يقوم بشرب كمية كبيرة من الماء عند شعوره بالعطش تصل إلى 180 لتراً، فينتفخ جسمه كما تنتفخ كريات دمه وتصبح كروية دون أن تنفجر، على عكس سائر الكائنات، كما يتميز جسمه بأنه لا يفرز اليوريا (البولينا) ضمن ما يفرز من بول، بل يعاد بناؤها من جديد لتتحول إلى بروتينات بفعل بكتريا خاصة موجودة في معدة الجمل.
وعند العودة إلى جذور العلاقة بين الإبل والإنسان، نجد أن نشأة فصيلة الجمال كانت في أميركا الشمالية وليس في آسيا، على عكس الاعتقاد السائد، وكان ذلك منذ نحو 40 مليون سنة، وفقاً لما تذكره موسوعة «المأمورة» الصادرة عن الأرشيف الوطني، وتعد أكبر موسوعة عربية عن الأبل، وانتشرت الجمال إلى أميركا الجنوبية عند نهاية العصر البليستوسين، أي منذ نحو مليون سنة، وكذلك إلى آسيا عن طريق برزخ بري كان يصل أميركا الشمالية بآسيا في عصور ما قبل التاريخ.
من جهة أخرى، تطلب انتقال الإنسان من حياة الصيد إلى الزراعة والرعي، 800 - 600 قبل الميلاد، استئناس بعض الحيوانات للانتفاع منها، وكان ذلك في مناطق ثلاث هي: جنوب شرق آسيا، وأميركا الجنوبية، والمنطقة الثالثة هي إيران والبلاد العربية ومناطق الشرق الأدنى، حيث استؤنست الأبقار والضأن والماعز والجمال وحيوانات الفصيلة الخيلية.
وقد عثر المنقبون على نقش لجمل على ظهره راكب في خرائب تل حلف في العراق، وآخر وجدوه في مدينة جبيل الأثرية في لبنان، وهذا يدل على أن العرب ومنطقة شبه الجزيرة العربية عرفت الإبل منذ القدم، حيث تم استخدامها للركوب وحمل الأثقال، بإضافة إلى الانتفاع بلحمها ولبنها وأوبارها.
ويراوح تعداد الجمال في العالم بين 16.5 و18 مليون رأس من الجمال وحيدة السنام (الجمل العربي)، وتتوزع هذه الفصيلة من الجمال في الهند والمنطقة العربية وشمال إفريقيا، حيث تملك الدول العربية ثلثي تعدادها العالمي معظمها في الصومال والسودان وموريتانيا، لكن أعدادها في تناقص، لاسيما في سورية والسعودية والعراق والجزائر وليبيا، بسبب عدم استخدامها، أخيراً، كوسيلة نقل، وهجرة معظم مربيها للمعمورة.
وتتميز الأبل بطباع معينة يعرفها كل من يتعامل معها، فهي تميل إلى العيش وسط قطعان من نفس فصيلتها، وإذا انفرد بعضها عن القطيع فإن همه الأول يكون في العودة إليه مرة أخرى، ولما عرف العربي هذه الحقيقة، عمد إلى تقييد كبير الإبل في موضع محدد ليجعل القطيع كله يرعى بالقرب منه فلا يشذ منه فرد. كما تعد الإبل من الحيوانات الجبانة، فعلى الرغم من كبر حجمها، لكنها تخاف من أصغر الحيوانات، وإذا ما ظهر حيوان مفترس أو سرب جراد بالقرب منها بغتة أسلمت قوائمها للريح وتبعها القطيع كله. ولعل من أشهر الطباع التي عرفت عن الجمل هو الحقد، فهو يضغن العداوة في القلب ويتربص الفرصة، وإذا تمكن من المسيء إليه أخذه بأسنانه وضرب به الأرض ورفصه وأماته. في المقابل، هو شديد الحنو على صغاره.
«الهودج»
استخدمت الإبل على مر العصور كوسائل نقل ومراكب للنساء، فكانت الأسرة المالكة في مصر القديمة تستعمل «الهودج» في تنقلاتها، وتحمل الملكة في هودج لا عجل له، يحمله خدمها وأتباعها على أكتافهم. أما الهودج في شبه الجزيرة العربية فقد عُرف منذ الجاهلية، وكان من أهم مراكب النساء، وكان يُصنع من العصي وأغصان الشجر ويحمل على الإبل، ويزيّن ويفرش حسب مكانة المرأة الراكبة فيه، ومنه المقبب وغير المقبب، ويغطى بالقماش ليكون ساتراً للنساء.
وهناك أيضاً «الحوية»، وهي مركب من مراكب النساء، وهو عبارة عن كساء يحوى حول سنام البعير ثم يركب، ولا تكون «الحوية» إلا للإبل بخلاف «السوية» التي قد تكون لغيره من الحيوانات.
سفينة الصحراء
عرفت الإبل باسم «سفينة الصحراء» لتحملها الطبيعة الصعبة للصحراء، وقد منحها الله مزايا تساعدها على ذلك من أهمها: الجلد السميك الذي يغطي جسمها، ويكسوه الشعر الكثيف القصير (الوبر)، الذي يمتاز بقلة توصيله للحرارة. كما يمتلك الجمل «خفاً»، ويقصد به قدم الجمل، وهو أشبه بقفاز عريض من لحم طري يلين للرمال، ما يساعده على السير في الصحراء، إضافة إلى قدرته على تحمّل العطش لمدة من 6 إلى 10 أيام، وقد تصل في ظل ظروف معينة إلى أكثر من شهر.
آيات في قدرة الله
ذكرت الإبل في القرآن الكريم، في آيات تدعو المؤمنين إلى التفكر في قدرة الله، في أكثر من سورة من بينها: «آل عمران» و«النساء» و«المائدة» و«الأنعام» و«الأعراف» و«هود» و«يوسف» و«النحل» و«الإسراء» و«الحج»، وغيرها. كما كانت الناقة معجزة النبي صالح عليه السلام، إلى أهله، حيث قال لهم إن للناقة نصيباً من الماء في يوم فلا يشربوا منه، ولهم نصيب منه في اليوم التالي فلا تشرب الناقة فيه، فنحروا الناقة مخلفين وعدهم لصالح عليه السلام، فحق عليهم العذاب وأصبحوا على ما فعلوا نادمين، وأهلكهم الله لتكون قصتهم عبرة ودلالة على قدرة الله.
الرعي غير الجائر
يستطيع الجمل أن يقضم النباتات الشوكية بشفته ذات الشق، وبالتالي يمكن تربية الجمال على هذه النباتات الشوكية، ومن ثم الاستفادة من لحمها وحليبها.
كما تساعد الإبل على الرعي غير الجائر، نظراً لأنها تقوم بالرعي مع عدم التركيز على منطقة واحدة محددة، وتقوم بقضم الحشائش، وبالتالي يمكن المحافظة على المراعي من التدهور نتيجة الرعي الجائر، كما أن رعي الإبل يتم بمسارات بين نقاط مياه الشرب، ما يؤدي إلى تنوّع غذائه، وليس كما في حال البقر.