سميرة سعيد: نعيش في عالم مجنون
«حبي للفن والغناء منعني من الاستماع إلى نصيحة موسيقار الأجيال»، بهذه العبارة بدأت الفنانة سميرة سعيد حوارها لـ«الإمارات اليوم»، كاشفة عن النصيحة التي قدمها لها الفنان محمد عبدالوهاب بالتوقف عن الغناء وهي طفلة لفترة معينة، ريثما ينضج صوتها وتتضح معالمه. وأضافت بنبرة فرح واضحة «استغربت حينها هذا الطلب وتضايقت كثيراً، لكنني فهمت لاحقاً كلامه وتعرفت عن قرب الى قيمة اختيار التوقيت المناسب للغناء لتجنب خطر تأثر الحبال الصوتية والشرخ الذي يمكن أن يصيبها، لكن بفضل الله مرت الأمور على خير ولم يتأثر صوتي رغم أنني أشعر اليوم أن موسيقار الأجيال كان محقاً في كلامه». وقالت الفنانة سميرة سعيد: «إننا نعيش الآن في عالم مجنون، نتيجة تراجع قيم الحب والسلام والتسامح في العالم». وأضافت حول أحوال الفن «الصوت الجيد لا يكفي للنجاح، في هذه الأيام».
لا وقت للندم اختارت سميرة سعيد «عايزه أعيش» عنوان ألبومها الجديد الذي يصدر الأسبوع الجاري، والذي يتضمن 12 أغنية جديدة حملت جملة من الرسائل الإنسانية الجريئة لامرأة ضاقت بها السبل، وقررت الدفاع عن إنسانيتها الضائعة في زحمة الزمن، ألبوم تتحدث عنه سعيد قائلة: «الحياة قصيرة ولا وقت للندم، فقد عشت تجربتي بكل ما فيها واستفدت بشكل او بآخر من كل الأشياء التي مررت بها، اليوم أتمنى أن أواصل الغناء وأن أسخّر جهدي ووقتي للبحث عن الجديد لكي أترك بصمة فنية متميزة، وسيرة إنسانية جديرة بالاحترام». التمثيل خارج الاهتمام تؤكد سميرة سعيد أن التمثيل يبقى خارج اهتماماتها هذه الفترة رغم توفقها سابقاً في تقديم العديد من الكليبات الناجحة ومشاركتها قبل ذلك في المسلسل التلفزيوني «مجالس الفن والأدب» في عام 1968، والفيلم المصري المغربي المشترك «سأكتب اسمك على الرمال» للمخرج عبدالله المصباحي عام 1978، الذي وقفت فيه إلى جانب أمينة رزق ومريم فخرالدين وعزت العلايلي، وغنت مجموعة من الأغاني التي نالت نجاحاً كبيراً آنذاك. |
تسترجع ذاكرة النجمة المغربية هذه التفاصيل البعيدة، وهي تستعد لمشاركتها في إحدى حلقات برنامج «محمد عبده وفنان العرب» التي حلت فيها ضيفة على الجمهور وعضواً في لجنة تحكيم البرنامج، حيث تتقاطع تفاصيل حكايتها الاولى مع الغناء مع تجربة طفل الـ13 الذي استقبلته حلقة «فنان العرب»، واستطاع أن يقنع الجميع بصوته الواعد لتعلق الفنانة على هذه الاستضافة والمصادفة السارة قائلة «استمتعت كثيراً بمشاركتي في هذا البرنامج الغنائي الجديد، وزادت بهجتي بالصحبة الحميلة التي جمعتني بنجوم أحبهم وبأصوات رائعة استطاعت أن تقدم أفضل ما لديها على المسرح»، مضيفة «أتمنى لجميع الأصوات الشابة أن تستمر على الساحة الفنية، لأن الأمر لا يتعلق بتقديم الصوت الجميل فحسب، واعتقد أن الوطن العربي لا يخلو من الأصوات الرائعة التي لم تستطع للأسف استكمال مشوارها، لأن الفن يحتاج إلى عناصر لإنجاح التجربة وتحقيق التميز المطلوب، وأعترف شخصياً بأنني في البداية لم أكن على علم بمستلزمات الطريق ولا بالمشقة التي يتطلبها درب الفن الطويل الذي يحتاج سالكه إلى الكثير من الجهد والصبر والإصرار في السعي لترك بصمة خاصة تخرج عن السائد والمألوف، يؤسس من خلالها الفنان لرؤية خاصة تميزه عن غيره، وتحقق له النجاح الذي ينتظره لدى المتقبل».
مسيرة ناجحة
تتوقف سميرة سعيد مطولاً عند الإمارات، محطتها الفنية الأولى التي صادفت العام 1977، حين سافرت الفنانة المغربية مع الموسيقار الراحل بليغ حمدي وقدمت ألبومها الخليجي الأول «بلا عتاب» الذي ضم مجموعة من ألحان الفنان الإماراتي جابر جاسم، وأغنية للفنان عبادي الجوهر، إلى جانب أغنية «مشوار الحياة» من ألحان طلال مداح، لتصبح بذلك أول مطربة عربية تغني اللهجة الخليجية التي قدمت لها العشرات من الأغاني الناجحة آخرها أغنية «مظلوم».
فترة تستذكرها سميرة سعيد بحنين وتصفها قائلة «لكل مرحلة في حياتي حلاوتها وخصوصيتها، ولا أخفي اليوم سعادتي بالانتقال بين محطات غنائية متنوعة جعلتني لا أكتفي بتقديم لون فني واحد لجمهوري، وأعتقد أن فضولي وحبي للمغامرة والاكتشاف والبحث دفعاني إلى مواطن كنت أخشى مجرد التفكير فيها، لهذا السبب أستطيع القول إن مشواري الفني عبارة عن جملة من الاختبارات الصعبة والتحديات الكبيرة التي استطعت اجتيازها، وتقديم لون فني مختلف في كل مرة عن السابق».
تتابع الفنانة حديث البوح وتتوجه هذه المرة إلى جمهورها قائلة «أعرف جيداً أن هناك فئة كبيرة من جمهوري تحب أغنياتي القديمة، لكن هناك فئة مقابلة تحب الأغاني الجديدة، وهذا أمر طبيعي يشعرني بالفرح ويرضي طموحي بصفتي فنانة استطاعت تقديم كل هذا التنوع والغنى الفني، واستطاعت أن تتنقل بين مختلف التجارب الغنائية».
شجرة السلام
تعتبر سميرة سعيد الجوائز والتقديرات التي نالتها طوال رحلاتها الفنية «رموزاً وتعبيراً عن محبة الجمهور لها وتقديراً لكل مرحلة فنية مرت بها»، وتتذكر «وسام القائد» الذي تلقته من الملك محمد السادس في عام 2009، إلى جانب الجوائز الموسيقية العالمية المتعددة التي حصلت عليها الفنانة بأغنية «ما زال» التي نالت جائزة «وورلد ميوزك أوورد» لأفضل أغنية منفردة، إلى جانب ثلاث جوائز أخرى، كما كانت أول مطربة عربية تتلقى دعوة من قبل البابا يوحنا بولس الثاني للمشاركة في حفل موسيقي كبير بمدينة بولونيا الإيطالية في أغنية مشتركة بعنوان «شجرة الإيمان والسلام».
تتحدث عن هذه المشاركة بأسى واضح قائلة «لم تصل الرسالة جيداً، فقد أضحينا اليوم في عالم آخر لا مكان فيه لقيم الحب والسلام والتسامح التي غنينا من أجلها، وكأننا بتنا في (حوار طرشان) لا أحد يريد أن يستمع للآخر وينصت إلى ما يقوله»، وتتابع «أشعر بالحزن المختلط بالغضب من هذه الحقبة الغريبة التي نعيشها، والتي أصبح فيها الموت أقرب إلينا من الحياة في الوقت الذي تراهن فئة أخرى في الضفة المقابلة على النهضة العلمية والحضارية». نبرة الشجن هذه لم تمنع النجمة المغربية من العبور إلى ضفاف الحب في حياتها للتصريح «أكره الضغينة والطاقة السلبية، وأحب أن أكون بين أشخاص يشعرونني بالمودة والحب الذي أعتبره أهم الأشياء في حياتي، وقد يضحك البعض لو عرفوا أنني امرأة تعيش على الحب، وتحافظ على قلبها أخضر طوال الوقت».