من عروض المسرحيات في المهرجان. تصوير: تشاندرا بالان

سهرة الجمعة.. انحناءة تقدير «شبابية» لإبراهيم سالم

ما الحدث الرئيس اليوم، وأي من المسرحيات ستستقبلها منصة دبي لمسرح الشباب؟ سؤال حينما أثير بشأن جدول مهرجان دبي لمسرح الشباب، لليلة أول من أمس، لم تؤشر إجابته إلى عروض بعينها، لأن الحدث الأبرز في ذلك اليوم، تعلق بتكريم إحدى القامات الحقيقية في المسرح الإماراتي، وهو الفنان إبراهيم سالم.

الهجرة إلى التلفزيون

لم يقرّ الفنان إبراهيم سالم مضمون سؤال حول هجرة المسرحيين خشباتهم من أجل العمل في رحاب الدراما التلفزيونية، معتبراً أن «الفنان المحترف تؤهله أدواته الفنية للعمل في المجالين، وفي ظروف متباينة».لكن الفنانين في كل المسارح الخليجية والعربية، قد ينجذبون في مرحلة ما إلى التلفزيون، لملابسات عديدة، أبرزها المردود المالي للأخير، وسرعة جني ثمار نجاحاته.

وساق سالم مثالاً طريفاً في هذا الصدد، على لسان أحد أصدقائه الذي كان يعاني تجاهلاً لسنوات طويله من جيرانه، أثناء عمله في المسرح، لكنه مع أول عمل تلفزيوني ذاع صيته، وأصبح محل تقدير وترحاب ملحوظين.

لا تقصص رؤياك

على الرغم من دوره القصير في آخر أعماله المسرحية «لا تقصص رؤياك»، إلا أن من يستدعي هذا العمل من ذاكرته من عرضه، سواء في الدورة الماضية لأيام الشارقة المسرحية، أو مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، لا يمكن إلا أن يصحب هذا الاستدعاء صوت إبراهيم سالم، الذي قام بدور الملك، وهو يردد «إني أرى في المنام».

لم تكن هذه العبارة التي تردد مرات قليلة، على لسان سالم، هي المقولة المتكررة في العمل، التي كانت عنوان المسرحية ذاتها، وهي «لا تقصص رؤياك»، ولكن الأداء الصوتي المميز للفنان الذي فرض نفسه على لجنة التحكيم لاخيتاره أفضل ممثل في المهرجان، بمثابة تأكيد آخر أن مهارات الفنان المسرحي وليست مساحة الدور، هي من تمنح الأداء التمثيلي تفرّده.

 وعلى الرغم من انشغال منصة المهرجان بعروض لمسرحيات قصيرة باللغة الإنجليزية، في بادرة تراهن عليها اللجنة المنظمة، لترسيخ حالة التبادل الثقافي عبر خشبة أبوالفنون، ونقل خبرات فنية مغايرة، سواء لروّاد المهرجان عموماً أو للشباب بصفة خاصة، على غرار المهرجانات السينمائية، إلا أن انشغال قاعة المؤتمرات في مؤسسة ندوة الثقافة والعلوم، التي تستضيف فعاليات المهرجان، بتكريم إبراهيم سالم، كان الحدث الأكثر استقطاباً للحضور، والأكثر ديناميكية مع الفاعلين الرئيسين على الخشبة.

 وما بين خشبة مسرح العرض، وخشبة منصة الحدث التكريمي، جمعت سهرة الجمعة، في ليالي المهرجان بين متعة العرض المسرحي من جهة، ووفاء التكريم لمن يستحقه من جهة أخرى، مصحوباً بالعديد من الشهادات في إبراهيم سالم فناناً، سواء من رفقاء الدرب، أو الشباب أنفسهم، الذين يمثل اختيار منصتهم المسرحية، لهذا الاسم تحديداً، انحناءة تقدير شبابية مستحقة لعطائه، لاسيما أن إبراهيم سالم يكاد يكون أكثر من تخصصوا مع الفنان عبدالله صالح في تدريب الشباب، من خلال ورش مختلفة.

الندوة التي أدارتها فاطمة الجلاف، رئيسة اللجنة المنظمة للمهرجان بالإنابة، شهدت مداخلات عديدة، إضافة إلى استعراض رؤى سالم نفسه، حول واقع المسرح المحلي، فضلاً عن أبرز نصائحه لجيل الشباب.

وقال الفنان العراقي محمود أبوالعباس: «إن سالم يعدّ على مستوى تكنيك الأداء، خصوصاً في ما يتعلق بالتماسك التعبيري والصوتي في الصف الأول محلياً وعربياً»، مشيراً إلى أنه «ظلم في مرات عديدة، في ما يتعلق بحصد الجوائز، وأن انضباطه والتزامه المسرحي، يعدّ في حد ذاته أنموذجاً مشرفاً لما يجب أن يكون عليه الفنان المسرحي».

وأوضح أبوالعباس: «إن براعة سالم في الأداء وتمكنه من تفاصيل أدواره، تتغلب دوماً على المشكلات التي قد يجدها ممثل آخر يوازيه في حجم الجسم، داعياً الفنان المكرّم، أن يعود مجدداً إلى التجارب الإخراجية التي توقف عنها منذ فترة».

واستدعى الفنان عبدالله صالح بعض المواقف الطريفة على خشبة المسرح، لإبراهيم سالم، قبل أن يؤكد أن الفنان المكرّم ينتمي إلى جيل يعشق المسرح، ويخلص له، ويجزل له العطاء، حتى وإن كان ذلك العطاء انتقاصاً من حقوقه الشخصية، وحق أسرته، بل وصحته عليه»، مضيفاً: «تكريم إبراهيم سالم، هو تكريم لجيل كامل، ولا يقف عند كونه تكريماً لشخص فرد».

وعاد الفنان عمر غباش في شهادته إلى 35 عاماً مضت، مبتدئاً بالإحالة إلى حديث دار بينه وبين سالم عام 1981، في قاعة إفريقيا، مضيفاً: «أسهم إبراهيم سالم منذ ذلك التوقيت بشكل فاعل في إثراء التجربة المسرحية المحلية، وفي ظل ظروف شديدة الصعوبة مقارنة بما يتوافر اليوم، وذلك في وقت سابق لتكوين العديد من المؤسسات والمنصات المهتمة بالمسرح، مثل جمعية المسرحيين، وصندوق التكافل الاجتماعي، والموسم المسرحي، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، وغيرها».

واعتبر غباش أن «تكريم مهرجان دبي لمسرح الشباب بمثابة مكسب لمنصة المهرجان نفسه، وأن هذا التكريم قد تأخر قليلاً، وكان من المنتظر أن يتم ربما قبل ذلك بدورات عديدة». في حين أن «لا تقصص رؤياك» وعرضها خلال الدورتين الأخيرتين لمهرجاني أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، هي آخر أعمال سالم التمثيلية، ونال عنها جائزة أفضل ممثل في أيام الشارقة المسرحية عن جدارة واستحقاق، فإن مشوار سالم سواء في المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة زاخر بالأعمال المهمة، منوعاً بين التمثيل والإخراج.

ومنذ تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت سنة 1985، أخرج سالم نحو 11 مسرحية، منها : «المواطن عنتر»، و«قريباً من ساعة الإعدام» 1994، و«إنها زجاجة فارغة» 1997، و«زمزمية» 1998، و«الرحى» 2002، و«صرخة» 2008، وشارك إبراهيم سالم بالتمثيل في نحو 30 مسرحية، منها: «رصاصة داخل السوق» 1989، و«عرج السواحل» 1999، و«مال الله الهجان» 1994، و«الإمبراطور جونز» 1989، و«باب البراحة» 2001، و«القضية» 2000، و«ميادير» 2008 وغيرها، إضافة إلى مشاركته في العديد من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، فضلاً عن عضويته بلجان محكمة عديدة، وإشرافه على ورش تدريبية.

وشهدت الدورة الـ22 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية تكريماً خاصاً لسالم عن مجمل ما قدمه للمسرح، وهي الدورة التي شهدت مشاركته ممثلاً في مسرحية «زهرة مهرة» تأليف إسماعيل عبدالله، وإخراج أحمد الأنصاري، ليتوّج أيضاً عبرها بجائزة أفضل تمثيل.

الأكثر مشاركة