ابن المجدل يرحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء في الفن التشكيلي
عبدالكريم السيد يوقّع لوحته الأخيرة
رحل الفنان والناقد التشكيلي الفلسطيني الدكتور عبدالكريم السيد، صباح أمس، في الشارقة، عن عمر ناهز الـ70 عاماً. وكانت ألمّت به أزمة صحية قبل أسبوعين أدخل على إثرها قسم العناية المركزة في مستشفى الجامعة في الشارقة، إلى أن وقّع لوحة حياته، بعد مسيرة حافلة بالعطاء، في الفن التشكيلي رساماً وناقداً وباحثاً وإدارياً.
توثيق تشكيلي كانت للفنان والناقد عبدالكريم السيد، إسهامات فاعلة في الحركة التشكيلية الإماراتية، وفي النقد الفني، وأصدر عدداً من الكتب والدراسات، من بينها: «الفنان داخل اللوحة» عام 2001، وكتاب «روّاد التشكيل في دولة الإمارات العربية المتحدة»، وهو بمثابة توثيق للحركة التشكيلية في الإمارات. الدكتور عبدالكريم السيد فنان تشكيلي وناقد، عمل باحثاً في إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام، وهو عضو اللجنة الفكرية والندوة الدولية لبينالي الشارقة الدولي في دوراته الخمس الأولى، وأقام 15 معرضاً في الإمارات ودول عربية أخرى. وكان المنسق العام لمهرجان الفنون الإسلامية، والمنسق العام لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي. وكان عضواً مؤسساً في جماعة «الجدار» الفنية. ويستعيد السيد في كتابه «روّاد التشكيل» فضاءً واسعاً من ذاكرة المكان والزمان، من خلال إسهاماته ومعايشته الحركة التشكيلية في الإمارات، ويقدم صورة شاملة لروّاد الفن التشكيلي في الدولة. واستهل الكتاب بمدخل يلخص تاريخ ونشأة وتطور الحركة التشكيلية في الإمارات، وقسم الكتاب لمجموعتين، وذكر أسماء لفنانين في المجموعتين ونبذة عن أعمالهم الفنية. وخصص فصلاً في الكتاب بعنوان «الروّاد»، لمجموعة كبيرة من أبرز الفنانين الإماراتيين، بلغ عددهم 34 فناناً تشكيلياً تحدث عن تجربة كل منهم ومدراسهم الفنية. |
وكان نبأ وفاته بمثابة صدمة وفاجعة في الأوساط الثقافية المحلية والفلسطينية والعربية. ونعت اتحادات وجمعيات وروابط الفنانين التشكيليين في الوطن العربي الفقيد، الذي كان يقيم في الإمارات منذ أواسط السبعينات، وكان فاعلاً في الحركة التشكيلية في الإمارات، وعمل إدارياً وباحثاً في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة سنوات طويلة ضمن مسيرته المهنية. وختم حياته بمعرض يمثل مراحل تجربته التشكيلية، بعنوان «حبيبتي رحاب» في ندوة الثقافة والعلوم في دبي، فبراير 2015، وأراد في معرضه الأخير، وهو الـ16 أن يكون رسالة محبة وعرفان ووفاء لرفيقة دربه الفنانة رحاب صيدم. ويعدّ المعرض خلاصة تجربته في الإمارات لأكثر من 40 عاماً قضاها أثناء عمله طبيباً في وزارة الصحة، وعمله باحثاً في المركز العربي للفنون بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة. وتضمن معرضه 85 لوحة من مراحله الفنية المختلفة، فهو يرسم فلسطين منذ أكثر من نصف قرن، رسم خيام اللاجئين ثم المقاومة، ورسم الانتفاضة، رسم المرأة الفلسطينية بقامتها الشامخة، والطفل الذي ينهل منها حب بلاده، رسم مدينة الحلم التي لم يرها، رسم التطريز الذي يعتز به، كل هذا في مراحل متلاحقة إلى أن وصل إلى ما يقدمه الآن، جمال الطبيعة في فلسطين من جبال وسهول وبحر، من زيتون وحنون، وأخذ من الأصالة والجذور الضاربة في الزمن، البيت الكنعاني، الذي أخذت منه مدينة القدس العتيقة طرازها المعماري المميز.
وكان الفنان عبدالكريم السيد، الذي ولد في بلدة المجدل في فلسطين عام 1945، درس الطب في جامعة بغداد عام 1973، وتابع دراسته في النمسا ليحوز دراسته العليا في طب الأشعة، وعلى الرغم من عمله في مجال الطب سنوات كثيرة، فإن الفن ظل يقوده إليه، خصوصاً أنه تميز بموهبة مبكرة في الرسم. وكان أثناء دراسته في مدرسة الشويخ الثانوية في الكويت عام 1961 يمارس هوايته المفضلة وهي الرسم.
وكان الفنان الراحل قال إنه «يدين في كثير من تجربته الفنية إلى وجوده في الإمارات على مدى 40 سنة كان فيها شاهداً ومسهماً في تشكل الحركة الفنية فيها، فقد شهد ولادة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وكان عضواً مؤسساً فيها، وشارك في معظم أنشطتها الفنية، وأشرف من خلال عمله مدرّساً لمواد الألوان المائية والتذوق الفني وتاريخ الفن في معهد الشارقة للفنون، على توجيه أعمال الفنانين الشباب، وأقام في عام 1993 معرضاً فنياً بالألوان المائية بعنوان رسالة حب إلى الشارقة اعترافاً بما قدمته له الإمارات من فرصة مواتية لممارسة عمله الفني، كما أسهم أيضاً في تلك الحركة بالكتابة النقدية المتواصلة عن الفن والفنانين في الإمارات موجهاً ومقوماً تجارب كثير من الشباب». وكان فاعلاً في الحركة التشكيلية، وكان شارك في أبريل من العام الجاري في الدورة الثانية لملتقى دبي التشكيلي الدولي.
وظلت فلسطين عنوان ألوانه وخطوطه، إذ يتردد صدى التهجير بعد الاحتلال الإسرائيلي لوطنه، وذكريات الطفولة وذاكرة الأمكنة الفلسطينية وتطريزات الثوب الفلسطيني في كثير من أعماله الفنية. وكتب الفنان والناقد الفلسطيني عبدالله أبوراشد، أن عبدالكريم السيد أوجد لذاته الفنية التشكيلية أساليب ابتكار خاصة في التعبير عن ذاته وفطرته كإنسان، وفنان مشدود بطريقة ما أو بأخرى لجماليات المنطقة العربية عموماً، ويوميات قضيته المركزية فلسطين خصوصاً عبر تجليات بحثه اللوني واختزاله البصري لمضامين لوحاته، داخلاً من بوابة الرمز وغنائية التجريد، المُحملة بأنسام الحساسية الإنسانية الكاملة والمُتفاعلة مع رقص الخطوط والمساحات الملونة، القادرة على تدوين نصوص بصرية مُحلقة في مجون الفكرة المؤتلفة، كتعبير صريح على سطوح رموزه ومرئياته، تلك المجبولة بفتنة التجربة والمغامرة الشكلية، المُعبرة عن روح شفافة لفنان لا تعرف إلا الوداعة والابتسامة الدائمة المسكونة فوق شفاهه، فيها ما فيها من ذهنية التأمل ومدارات التفكُّر البصري.
وأردف عبدالله أبوراشد أن «المعرض الشخصي الأول للفنان الراحل عبدالكريم السيد، الذي نظمته جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة عام 1987، يُؤرخ بداية طيبة لإبحاره الفني في عوالم الخط واللون، وتجليات النفس والرؤى الذاتية المشبعة بمساحة بمكونات الطبيعة والإنسان، فتح لسجال المحاورة البصرية من داخل النص، ومقدرته على إثارة مجموعة من الأسئلة المُعلقة، والباحثة عن أجوبة فنية تشكيلية تليق بروحه المغامرة فوق سطوح لوحاته». وأضاف أن «معرضه الثاني عام 1989، يمثل مفصلاً مهماً في تجلياته والتفاتة محمودة في تراكم خبراته الشخصية، وتمكنه التقني في رصف مفردات عناصره المتحركة داخل حيز لوحاته، ومعرفته لطاقة الأدوات والمواد التقنية المُستعملة على تبيان الأثر والمؤثر، وتحريرها من صمتها وإدخالها في مجرة المشاكسة الرمزية لعناق أفكاره المطروحة، لاسيما المتصلة بالألوان المائية والزيتية وأحبار الطباعة المشغولة بيد ماهرة، وعين قادرة على تدوين نصوصها المتوالدة بالفرشاة تارة، وسكين الرسم في كثير من الأحوال، تكسر نصاعة الأبيض ورهبانيته، تجوب في مدارات فتنتها التقنية وفكرتها الموضوعية، عِبر مجموعة متوالية من المعارض الشخصية التي أسهمت إيجاباً في سبك معادلاته التقنية ومضامين لوحاته، والإفادة من مكونات العنصر الواحد وتكراره، وتحويره كمعادل بصري متوالد في واحة ابتكاره».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news